نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

 الاستثمار في التعليم والتحول نحو الاقتصاد الانتاجي

تعتبر مشكلة توظيف الشباب اكبر تحدٍ لدول مجلس التعاون والبحرين بشكل خاص. يعمل مجلس التنمية الاقتصادي على جلب الاستثمارات الخارجية الى البحرين بهدف تنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط وتعزيز اقتصاد المعرفة وثانيا بهدف خلق فرص عمل للمواطن البحريني ورفع مستوى معيشته. في هذا السياق اعلن المجلس ان الاستثمارات نمت خلال 2017 بنسبة 114% وبلغت قيمتها 519 مليون دولار. 

وفق تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (انكتاد)، فان هناك عدد من العوامل التي أسهمت في ذلك منها السماح للأجانب لملكية 100% في عدد من القطاعات، وان الاستثمارات ستخلق 2831 فرصة عمل خلال ثلاث سنوات. وقد علق الرئيس التنفيذي على هذا النجاح بانه يعود الى البيئة الاستثمارية المنفتحة في البحرين. لكي تكون مثل هذه التصريحات مفيدة ومعبرة يحتاج المواطن الى معرفة كم فرصة عمل نحتاج سنويا لمعالجة مشكلة البطالة بين الشباب وفي أي القطاعات والتخصصات ؟

من اهم المعوقات التي تواجهنا هي التوفيق بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل. والمشكلة الثانية هي ازدواج سوق العمل. لا يكفي ان نصرح بين فترة وأخرى عن عدد الفرص بل كيف نضمن ان هذه الفرص تذهب للبحرينيين، وان هذه الفرص تتناسب مع متطلبات الخريجين او بالأحرى كيف نصلح التعليم لكي يوفر خريجين صالحين لسوق العمل؟  

هذه ليست مشكلة بحرينية فقط، بل يشترك فيها دول مجلس التعاون والوطن العربي. عبر المجتمع عن هذه المشكلة في مناسبات كثيرة. فقد ابدينا وكثير من الكتاب ضرورة الاهتمام بالقطاع الصناعي ليس فقط كونه احد القطاعات الواردة في الرؤية الاقتصادية، ولكنه طريق هام نحو التحول الى الاقتصاد الإنتاجي المعرفي. هذا يتطلب تأهيل خريجي المدارس والجامعات من خلال تطوير التعليم بما يعزز مهارات التفكير المستقل والتحليل والقيادة واتخاذ القرارات، معالجة ذلك يعتبر مسئولية وطنية لا تقتصر على وزارة التربية والتعليم، بل تشترك فيها وزارة العمل ووزارة الصناعة والتجارة والسياحة والحكومة باسرها كما بينا في اكثر من مناسبة.

في هذا الصدد يقول احد الخبراء في شئون المنطقة (Chris Doyle) ان مصر تعد كمبيوتر لوحي لتلاميذ المرحلة العاشرة ليكون بديلا عن الكتب التقليدية. ويطرح السؤال: هل المشكلة في الأدوات ام في المنظومة التعليمية والوسيلة التي نتعامل بها مع الطالب والمادة العلمية؟ وزارة التعليم لدينا في البحرين قامت بمشاريع عدة تعتمد التكنولوجيا في توصيل المعلومة، لكن ذلك لم يعالج أساس المشكلة. مازلنا في وضع نطالب فيه بالتوفيق بين متطلبات سوق العمل ومخرجات التعليم بالرغم من المشاريع التي تعلن عنها الوزارة في كل سنة. 

في 2007 صدر تقرير عن البنك الدولي بعنوان “الطريق الذي لم نسلكه بعد” يرى ان المشكلة في الوطن العربي ان نظام التعليم “لا يُقدر أهمية تنمية المهارات الأساسية مثل التفكير النقدي والابداع وحل المشاكل وتنمية القدرات القيادية. فكيف سنتعامل مع متطلبات التحول نحو اقتصاد المعرفة دون اصلاح التعليم ليوفر هذه المهارات الاساسية؟ كذلك حذر التقرير من الاعتماد على التكنولوجيا في التعليم، فهي في نظره تضعف العنصر الإنساني. ويرى ضرورة التركيز على تدريب المعلمين لكيفية غرس الصفات الإبداعية والتفكير النقدي الحر في التلاميذ. كذلك يحذر من الاعتماد على فتح المدارس والجامعات العالمية في المنطقة، فهي تقتصر على النخب ولا تغني عن مدارس حكومية نوعية في التعليم الابتدائي والثانوي، كما انها تعمق الاعتماد على استيراد المعرفة والعلم بدلا من انتاجها.

يرى التقرير ان المشكلة تكمن في منظومة التعليم! ويدلل على ذلك بأسئلة: لماذا لا تصل جامعات عربية وخليجية في تصنيف افضل 150 جامعة؟ ولماذا مازال الانفاق على البحث العلمي متدني في الوطن العربي وفي مجلس التعاون (1% من الانفاق العالمي عام2013). لماذا يجد خريجي الجامعات انفسهم غير مؤهلين وبدون وظائف؟ لماذا تفشل نظم التعليم في تخريج مبدعين ورواد بالرغم من النسب العالية من الطلبة الذين تفوق معدلاتهم 95%؟

ستواجه دول مجلس التعاون في المرحلة المقبلة، مرحلة ما بعد النفط، شح في الموارد، مثل الماء والطاقة والغذاء وتدهور المنظومة البيئية. كذلك هي الان تواجه ضرورة تنويع اقتصادها بعيدا عن إيرادات النفط وما تعنيه للمواطن وللدولة من اعتماد على الضرائب والمشاركة السياسية وما يترتب على ذلك من علاقة مختلفة بين المواطن والدولة، وعقد اجتماعي جديد وغير ريعي. كون مجلس التعاون من الدول الغنية فان فرصته في اصلاح التعليم افضل من غيره من الدول العربية. 

يخلص التقرير الى نتيجة ان التعليم يعتبر دافع في تسريع التنمية الاقتصادية، وعنصر فاعل في حسن توزيع الدخل، وييسر الارتقاء الاجتماعي، ويقلل مستوى الفقر وتحسين جودة الحياة والسعادة الإنسانية بشكل عام، وله تأثير كبير في تقوية الهوية الوطنية والتماسك المجتمعي. فهل تتمكن دول المجلس من تحقيق هذه الأهداف من خلال أنظمتها التعليمية وسياساتها الاجتماعية واصلاحاتها السياسية؟ كما يتساءل التقرير عن مدى إمكانية المنطقة في مواجهة متطلبات الاقتصاد المعرفي، وهل هي اكثر قدرة على تلبية متطلبات الزيادة الكبيرة في اعداد الشباب؟ وهل دول المجلس قادرة على مواجهة تحدي محدودية القدرة على الاستثمار في التعليم التي ستصاحب نقص الإيرادات النفطية وزيادة الانفاق الامني؟ 

واذا كانت الإجابات لا فماهي الخطوات اللازمة لمعالجة ذلك؟ وكيف سيتعامل المسئولون عن التعليم وصانعي السياسات التنموية مع هذه الأسئلة؟ نترك الامر الى وزارة التعليم ومجلس التنمية الاقتصادية ليوافونا بما لديهما من إجابات!

Mkuwaiti@batelco.com.bh  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *