نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. الاقتصاد ام السياسه – هل هو خيار ممكن؟

تاريخ النشر : 12 نوفمبر  2010 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

تكررت الدعوات لفصل السياسة عن الاقتصاد والتركيز على القضايا الاقتصادية وترك السياسة. تبنى هذه الدعوات رجال اعمال وكتاب لهم وزنهم ونكن لهم كل الاحترام والتقدير ولهم تاثيرهم في الرأي العام. اي اننا اما محاولة تفرض على المواطن الاختيار بين الاقتصاد والسياسة. هذا يجعل مناقشة القضية مهم واساسي خصوصا بعد ان بدأ وعي المواطن يتشكل في اتجاه ايجابي.

ولنبدأ بطرح سؤال ماهو المقصود بالدعوة الى التركيز على الاقتصاد؟ بطبيعة الحال هناك ادراك عام بالحاجة الى جلب استثمارات اجنبية ومحلية وتوظيفها في اقامة مشاريع مختلفة في الصناعة والتجارة والزراعة وجميع مناحي الحياة. ينتج عن ذلك خلق فرص عمل وحركة تجارية واستهلاكية والمحصلة النهائية هي زيادة الناتج القومي وخلق ثروة تضاف الى الثروة النفطية والثروات الطبيعية الاخرى، اي ان وظيفة التنمية الاقتصادية هي خلق الثروة. ولكن بعد خلقها، ياتي السؤال الاهم وهوكيف سيتم توزيع هذه الثروة؟ وهل هذا قرار اقتصادي ام سياسي؟  

اذا نظرنا الى خطابات القيادة السياسية نجد انها تركز على مصلحة المواطن وانه مركز الاهتمام وهدف التنمية. واذا رصدنا ما يتوقعه رجال الاعمال من المجلس فيمكن ان نستشفه من كلمة رئيس الغرفة في وصفه البحرين اثناء وجوده في الصين فيقول “شهدت البحرين في السنوات العشر الماضية حركة إصلاحية كبيرة، شكلت قوة دافعة لقطاعات التجارة والأعمال والاستثمار والاقتصاد بشكل عام، غطت جميع المجالات ومنها حرية التعبير، وحقوق الإنسان، والشفافية، وتكريس دولة المؤسسات والقانون، وتدشين الحياة البرلمانية، وتأصيل قيم العدالة والمساواة في المجتمع البحريني”. اي انه يرى العلاقة واضحة بين الاداء الاقتصادي ودعم التجربة الديموقراطية ودفعها الى الامام بما يساهم في تجويد نوعية الحياة للمواطن. اما المواطن فهو يتوقع تحسين المستوى المعيشي من رفع مستوى الرواتب وتوفير السكن وتحسين التعليم والصحة وتوفير فرص عمل مجزية تحقق له الكرامة الانسانية. 

وعليه فان يمكن تصنيف هذه المتطلبات في ثلاث مجموعات، الاولى تتعلق بالقضايا المعيشية مثل السكن والتعليم والصحة والبنية التحتية وحماية البيئة. والمجموعة الثانية تتعلق بظروف العمل مثل زيادة فرص العلم ورفع الرواتب ومكافحة الفقر وتقديم المساعدات الاجتماعية والغلاء. والمجموعة الثالثة تتعلق بالامن والاستقرار وهي شقين داخلي وخارجي، الداخلي يتعلق بالوحدة الوطنية ونبذ الطائفية والمواطنة وتغليب المصلحة الوطنية والامن الغذائي والمائي والثاني يتعلق بالعلاقات الخارجية وقضايا الامن القومي الشامل بما في ذلك القضيا الكبرى مثل القضية الفلسطينية ومجلس التعاون والشأن العربي والاسلامي. كل هذه القضايا تؤثر في القدرة على النشاط الاستثماري والرخاء الاقتصادي ورفع الدخل القومي. فهل هذه قرارات اقتصادية ام سياسية وكيف نفصل بين الاثنين؟

ماقالته القيادة السياسية ورجال الاعمال والمواطن لا يختلف عن ما تنادي به المنظمات الاممية التي تضع الانسان هدف التنمية البشرية. لكن هذه الادبيات وتقارير التنمية البشرية منذ 1993 تقول ان هذه المتطلبات لا تتحقق مالم يكن الانسان حرا وقادرا على ان يشارك ويساهم في الدفاع عن مصالحه. وذلك لان نتاج التنمية الاقتصادية لا تصل الى المواطن بشكل تلقائي، بل انها تحتاج الى سياسات واعية تُحوٍل هذه الخيرات الى المواطن. وضعت تقارير التنمية البشرية شروط لتمكن المجتمع من الاستفادة من ثمار التنمية يمكن تصنيفها في مجموعتين، الاولى تتعلق بالحكم الصالح الذي تتطلبه التنمية مثل محاربة الفساد والشفافية والمساءلة والحفاظ على المال العام وتعريفه. والمجموعة الثانية تتعلق بالحقوق مثل حكم القانون والمساواة في الحقوق والواجبات والحقوق الدستورية للمواطن مثل المحاكمة العادلة وحرية التعبير والتجمع.

من ذلك يمكن ان نخرج بنتيجة مفادها ان اي من القضايا التنموية المعيشية مرتبطة بالاخرى. فمن الصعب الحديث عن التنمية دون الحديث عن التعليم والبحث العلمي، ولا يمكن تحقيق تقدم في ذلك دون حرية البحث والتعبير والنقد والتحليل. والتحصيل العلمي يعتمد الى حد بعيد على البنية التحتية للتعليم والصحة والاسكان. وهذا الاخير مرتبط بتوفير الاراضي والموارد المالية، وهذه لها علاقة بالبيئة والثروة السمكية وبالتالي مستوى معيشة المواطن، وهذه مرتبطة بحقوق المواطن في المساواة وفي عدالة توزيع الثروة. لذلك فان الدعوة للمجلس بان يركز على الاقتصاد وترك السياسة هي دعوة غير عملية او غير مفهومة في احسن الحالات. لكن يمكن القول بان هناك عامل مشترك هام، متى ما حسم الامر تجاهه فانه يسهل العمل في الجوانب الاخرى. وهذا الجانب هو الثروة وعدالة توزيعها وادارتها لانها هي المفتاح في توفير باقي المتطلبات المعيشية ومعظم شروط التنمية البشرية؟ اي ان العملية الاقتصادية تخلق الثروة والعملية السياسية تعنى بكيفية توزيع هذه الثروة وتوفير متطلبات المواطن والمجتمع. والعملية الديموقراطية تتطور كلما شعر المواطن ان مساهمته في الحياة السياسية تساهم في احداث تغيير في وضعه المعيشي وقدرته في الاستمتعاع بثمار التنمية. فكيف نفصل بين الاثنين؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *