نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. الامن القومي الخليجي 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

تاريخ النشر 13 اكتوبر 2007

حضرنا قبل فترة ندوة في مركز الدراسات والبحوث عن الامن الخليجي للدكتور محمد نعمان جلال وطاف بنا المحاضر في ردهات السياسات الخارجية لمعظم الدول والتي ترتكز في معظمها على اهداف اقتصادية مثل تامين امدادات النفط والسيطرة على اسعاره الى تامين التجارة وفتح اسواق. اي انها تنطلق من المصالح الوطنية لهذه الدول متمثلة في تامين حياة كريمة لشعوبها باستثناء امريكا التي تضيف الى ذلك اهمية امن اسرائيل كركيزة في سياستها الخارجية. 

كما تطرق المحاضر الى هيئات اممية وكيف تقلص دورها امام الهيمنة الامريكة على قراراتها، ومن هذه الهيئات او التنظيمات مجلس التعاون الخليجي الذي تكلم عنه المحاضر وكانه كيان واحد وليس 6 كيانات مستقلة. بعدها تطرق الى الاتفاقات الخليجية واسباب عدم تفعيلها مثل اتفاقية الدفاع المشترك والاتفاقية الاقتصادية الخليجية. 

هذين يجعل الانسان يفكر في المستقبل ويطرح تساؤلات حول مدى اهتمامنا بالامن القومي وما هو مفهومنا له وهل هذا المفهوم يشترك فيه الجميع قيادة وشعبا؟ 

ان الامن القومي في مفهومه العام يشمل الامن الغذائي والمائي والبيئي بالاضافة الى الامن العسكري، وله بعدين احدهما داخلي يتمثل في قوة المجتمع الذاتية او ما يسمى بتماسك الجبهة الداخلية، والبعد الاخر هو نوع التهديد وسطوته ومكره. وما يهمنا هنا هو قوة هذه الجبهة الداخلية من الناحية الاقتصادية والسياسية. 

فمن الناحية الاقتصادية بين الدكتور نعمان في محاضرته بان دول الخليج تشكل تكتل سكاني كبير يتجاوز 27 مليون نسمة بدون العمالة الاجنبية، وقدرة مالية هائلة تفوق كثيرا من التجمعات الاقليمية الاخرى. واذا ما اضيف الى ذلك اليمن وما تبقى من العراق فان الخليج يصبح قوة لا يستهان بها في خلق توازن اقليمي يمكن العمل من خلاله في وضع استراتيجية امنية قائمة على المصالح الاقتصادية والامنية المشتركة مع جيراننا واحتواء اي تهديد من خلال استراتيجية تشابك المصالح. فكثير من الدول اقامت نهضة صناعية تضاهي الدول المتقدمة بامكانات وعدد سكان اقل مما هو متوفر لدول الخليج. ويتساءل المحاضر لماذا لا تشكل دول الخليج قوة واحدة متجانسة تعمل من اجل مستقبل أمني واقتصادي مزدهر وتتخلص من التبعية للغرب الذي بات يهدد امنها ووجودها؟ 

يجيب الدكتور نعمان بان هناك عاملان هامان وراء عدم تمكن الحكام من الاتفاق على سياسة امنية خليجية تحفظ لهذا الكيان منجزاته. العامل الاول هو المنافسة والخلافات بين دول الخليج على امور قد تكون هامشية. والسبب الاخر هو الاحساس المفرط بالسيادة الوطنية. وهذا الطرح يتفق مع ما توصل اليه الاستاذ عبدالله بشارة الامين العام لمجلس التعاون الخليجي حيث يقول في كتابه “عبدالله بشارة: بين الشيوخ والملوك والسلاطين” بان اهم اسباب فشل المجلس في تطبيق الاتفاقيات هو “التمسك المفرط بالسيادة”. ان مفهوم السيادة الوطنية مفهوم تطور مع الزمن منذ ان خلق الله الانسان على هذه الارض واخذ مجال السيادة يكبر ويتسع. ففي بداية الحياة كان الانسان يفرض سيادته على قطعة صغيرة من الارض يسكن فيها مع اهله ويدافع عنها باستماته حفاظا على كيانه. وبعدها اصبحت قطة الارض هذه قرية ومن ثم مدينة فدولة. اما الان فقد تشابك العالم واصبح قرية صغيرة متداخلة المصالح فلم يعد لمفهوم السيادة التقليدي وجود. واضطرت دول كبرى التنازل عن جزء من سيادتها في سبيل مصالح اعم واشمل لمصلحة شعوبها كما هو الحال في الاتحاد الاوروبي وسبقتها في ذلك الولايات الامريكية. فهل ستصل الهيمنة الامريكية على العالم الى هذا الحد لو امريكا مازالت ولايات صغيرة متناحرة؟ 

المصلحة الوطنية الخليجية تقتضي ان يكون لنا قوة اقتصادية ومنها يمكن تنمية قوة عسكرية وسياسية توازن القوى العسكرية في المنطقة والتفوق عليها اقتصاديا. وهذا لن يتاتى الا من خلال التعاون الخليجي لخلق تفوق تقني مبني على توطين المعرفة والتقنية، وهذا بدوره يحتاج الى استثمارات في مجالات علمية بحثية تطبيقية تمكن الخليج من المنافسة العالمية ورفع مستوى المعيشة وجودة الحياة لجميع المواطنين.

يمكن بالقوة الذاتية المبنية على اسس علمية وطنية وليست مستورده اقناع مصادر التهديد باهمية حسن الجوار والعمل معا في تطوير المنطقة وطرد الاستعمار الجديد الذي يتظاهر بحمايتنا بينما هو في الواقع يحمي مصالحة في الخليج، وله الحق في ذلك، فكل انسان وكل مجتمع يجب ان يدافع عن مصالحه، المهم ان نعلم نحن ان مصالحنا لن تصان من قبل الاجنبي المستعمر الجديد مهما تظاهر في حبه لنا.

والان اتى دور حكام المنطقة ان يدركوا ان التضحية بالوحدة الخليجية من اجل سراب السيادة المزعومة التي تشكل العقبة الاولى والاكبر في سبيل الوحدة الخليجية وتطبيق الاتفاقيات الامنية والاقتصادية والنقدية وغيرها انما يهدد امننا جميعا . فلو تخلى الحكام عن جزء من هذه السيادة لاخوانهم في الخليج لكان افضل واقل ضررا من التخلي عنها للاجنبي المستعمر الذي اثبتتت الايام ان غاية وجودة في المنطقة هو حرصة على النفط وعلى استقطاب العائدات النفطية لاستثمارها في بلاده واعطائنا فتات من الارباح. ان كل انسان يقوم بتصدير امواله الى الخارج لاستثمارها في بنوك اجنبية في الوقت الذي تستعر محاولات الوزارات في جذب الاستثمارات للبلاد، هو في الواقع يجني على الوطن ولا يمكن ان يتظاهر بحبه لوطنه او بولائه لهذه الارض وانما يستعد للمغادرة عندما يحموا الوطيس. 

اما من الناحية السياسسة فان امننا القومي مرتبط بقوة الجبهة الداخلية وصلابتها ليس فقط من الناحية التقنية والعلمية بل كذلك من ناحية تكوين مجتمع تحكمه العدالة والمساواة والمصلحة الذاتية التي ينظمها القانون واتفاق تام على ثوابته. فكل انسان من حقة الدفاع عن مصالحة الخاصة، والقانون وضع لتنظيم هذه المصالح لكي لا يبطش القوي بالضعيف، اما اذا كان القوي يمكنه تجاهل القانون او ان يجيره لصالحه دون رقيب او حسيب فان الوضع الداخلي والتماسك المجتمعي لن يتم مهما حاولنا في مدارسنا ومهما نظمنا من اناشيد وطنية. يجب ان يشعر كل فرد في المجتمعات الخليجية بان القانون يحمي الجميع وان الحقوق والواجبات متساوية والمواطن درجة واحدة فقط، ولا توجد حصانة لاحد بخلاف الملوك واولياء العهد.   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *