نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. الانتخابات المصرية وبناء الدولة المحايدة 

  تاريخ النشر : الأربعاء ٣٠ مايو ٢٠١٢

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مقالنا هذا الاسبوع- الانتخابات المصرية لم تفرز ما يتمناه المجتمع المصري لكن مازلنا متفائلون بان عصر الدكتاتورية زال وستكون الفترة القادمة انتقالية لتثبيت قوة المجتمع – فجر الديمقراطية بدأ ولن يعود للوراء

http://www.akhbar-alkhaleej.com/12486/article/29009.html

يشعر الانسان بالترقب والخوف والامل وهو يتابع الانتخابات الرئاسية في مصر. سوف تفرز هذه الانتخابات رئيسا ولكنها لن تحدد شكل الدولة التي ستبرز من هذا المخاض. نجاح الشعب المصري في تكوين الدولة المصرية، قوية ومتماسكة، له اثر كبير في مستقبل الامة العربية وتطورها، وفوز احد المرشحين: المرشح الاسلامي او مرشح النظام القديم ينم عن تجاذب قوتين هما التيار الديني من جهة والخوف من المجهول من جهة اخرى، لكن الخوف الذي ينتاب الشارع المصري هو تغول التيار الديني على مفاصل الدولة من جانب، ومن جانب آخر الخوف من الفوضى والانفلات الامني، لذلك نرى في الانتخابات المصرية هذه انها مرحلة انتقالية لا تمثل نهاية المطاف في تشكيل الدولة، ويبقى الامر مرهونا اولا: بمدى استعداد الثورة لمواصلة الكفاح، وثانيا: مرهونا بشكل الدستور الذي سيحدد صلاحيات الرئيس والعلاقة بين السلطة السياسية والجيش، وهل سيسمح للجيش بأن يستقل عن السلطة المدنية؟ 

لا نرى ان القوى الاسلامية في حد ذاتها تشكل خطرا على الثورة وعلى شكل الدولة التي ستتكون بعد الانتخابات، فقد عانت مصر الاستبداد والفساد ما يدعو إلى الاطمئنان على انها لن تسمح له بأن يدخل من النافذة بعد ان خرج من الباب، فسواء فاز الاسلاميون او عاد فلول النظام في شخص احمد شفيق فان كثيرا مما سيحدث سوف يعتمد على الصلاحيات التي سيمنحها المصريون للرئيس الجديد، وهنا الخوف من تأثير الجيش وتدخلاته في صالح زيادة صلاحيات الرئيس في حالة نجاح احمد شفيق لكي يضمنوا مصالحهم ونفوذهم، فهل ينجح المصريون في تحقيق التوازن بين مؤسسات الدولة والمجتمع؟

طرحت الثورات العربية اشكالية العلاقة بين المجتمع والدولة من جديد. والمطلوب من الثورة المصرية خلال الاربع السنوات القادمة هو ان تعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع، وتعالج ما يعانيه المجتمع من تضخيم الدولة وهيبتها مما ادى إلى تراجع المجتمع إلى الكراسي الخلفية، فتصدرت السلطة المقاعد الامامية واحتكرت القرار والثروة وكل ما هو مهم في العملية الانتاجية. استطاعت بذلك ان تفسد قطاعات كبيرة في المجتمع واوشكت ان تحطم قدرته الابداعية. 

الدولة هي اختراع بشري اتت بدافع حاجة المجتمع البدائي إلى تنظيم نفسه لكي يتمكن من القيام بمهام حياته والحفاظ على امنه، اي ان الغاية منها هي خدمة المجتمع، لكن الطبيعة البشرية حولتها إلى آلة قمع. استطاع الغرب استعادة دولته من حكامه وبقي حكام العرب يتفننون في جعلها آلة فتاكة موجهة نحو اخضاع المجتمعات، وبذلك تحول دور الدولة من مدافع عن المواطن والمجتمع وميسر لشئون حياتهما إلى خصم يتعدى على حقوقهما وينتهك حرماتهما. هذا يطرح سؤالا حول ازمة الدولة العربية الحديثة، وهل الوهن الذي اصابها هو نتاج بذورها التي زُرعت فيها منذ البداية؟

في المؤتمر السنوي الرابع للمركز العربي للدراسات الاستراتيجية عام ٢٠٠٠ تحدث عدد من المفكرين العرب حول تطور مفهوم الدولة في العالم العربي، وكيف انها اختطفت المجتمع واصبحت هي القوة المهيمنة. وفي خلاصة كتاب «ازمة الدولة» يرى د. وجيه كوثراني ان الدولة حملت بذور ازمتها مع التحولات التي حدثت بعد الحقبة الاستعمارية، واعتمادها على «العصبية القبلية او الايديولوجية او الدينية مما جعلها تفقد الكثير من شرعيتها»، ويقول: انه بعد الخمسينيات دخلت الدولة مرحلتين متكاملتين جعلتاها في مواجهة مع المجتمع: المرحلة التسلطية حيث تم احتكار الدولة من قبل الحزب الواحد او القبيلة، والمرحلة الثانية التفكك الذي بدأ بتسييس الهويات الجزئية وبالذات الدينية المذهبية والاثنية لتسهيل السيطرة عليها. حدث جراء ذلك تفاقم ازمة الدولة وعجزها الذي يُرجعه إلى فقدان الارادة الاصلاحية وجنوح النخب الحاكمة إلى ادارة موارد الدولة بما يكفل امنها لا بما يكفل الأمن القومي وحماية المواطنين. ادى ذلك إلى اعادة الانتاج المتبادل بين الفساد وعجز الدولة عن حماية المواطن.

لذلك ما تريده الامة العربية من الثورة المصرية في هذه المرحلة الانتقالية الثانية هو استعادة الدولة وتحريرها من النخب المتسلطة وجعلها في خدمة المجتمع والمواطن كما هو مفترض، واولى خطوات هذه المرحلة تبدأ بكتابة دستور لا يسمح لأي مؤسسة بالهيمنة على باقي المؤسسات، كما لا يسمح للجيش بسلطات تجعله فوق السلطة المدنية.

وتريد الامة ان تؤسس الثورة المصرية للدولة المحايدة التي تقف على مسافة واحدة من جميع مكونات المجتمع لكي لا تؤدي تصرفاتها إلى تصادم هذه المكونات وتسابق على المغانم التي يمكن الحصول عليها من الدولة مقابل التطبيل والسكوت عن التجاوزات فيعود الفساد والتسلط.

في مسيرتها نحو بناء الدولة المحايدة سوف تواجه الثورة المصرية ومؤسساتها السياسية نوعين من العوائق: احدهما دولية تتعلق بموازين القوى واصرارها على حماية الكيان الصهيوني، والآخر والاخطر هو العوائق العربية وتتمثل في القوى الحاكمة التي تكرس حالة التخلف الحضاري وتُغَيب الديمقراطية، والحجر على الحوار الفكري بين الناس، والتفرد بالسلطة بصيغتها التسلطية على الدولة والمجتمع، وخنق كل محاولة للإبداع خشية ان تنتقل لها العدوى.

لذلك نعتقد ان الخمس السنوات القادمة ـ وهي فترة الرئاسة ـ سوف تكون حاسمة في تحرير الدولة وتشكيل المجتمع المصري، وهناك تفاؤل بأن الثورة سوف تنتصر وتغير مسار المجتمع نحو الديمقراطية والحرية. كان بودنا لو نجح احد مرشحي الثورة ولكن بالرغم من ذلك فان التفاؤل مازال قائما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *