نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. الانتقال الى مرحلة الاتحاد خطوة في الطريق الصحيح

تاريخ النشر :26 ديسمبر  2011 طباعة 22

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

كانت الوحدة العربية ومازالت حلما يراود الشعوب العربية منذ سقوط الدولة العثمانية وتمزيق الامة العربية. فاي تقارب بين دول عربية هو امر مرحب به ومبارك. واعلان الانتقال الى مرحلة الاتحاد الخليجي يصب في هذا الاتجاه ونبارك هذه الخطوة ونتمنى لها النجاح.

ان طرح فكرة الاتحاد في هذه الايام لها اهمية بالغة وتفرض النظر الى الاتحاد في السياق العربي والعالمي الذي شهد هذا العام تحولات عربية كبيرة نحو الديمقراطية وسقوط دكتاتوريات عتيدة واخرى مازالت تقاوم، كما ينظر اليها ضمن سياق الازمة المالية التي مازالت تضرب العالم منذ عام 2007 واثرها الاقتصادي في المنطقة، وينظر اليها في سياق التنمية الاقتصادية الخليجية ومدى قدرة دول الخليج على تحقيق تنمية بشرية مستدامة في ظل المتغيرات العالمية. وينظر اليها ضمن العلاقات الغربية وصراعها مع ايران لحماية اسرائيل من البرنامج النووي الايراني وتاثير هذا التوجه في المنطقة ككل . وينظر اليها في ضوء الخلافات التي تدب بين دول مجلس التعاون من وقت الى اخر حول قضايا هامشية مثل الحدود والمصالح الضيقة في استضافة هذا المجلس او تلك الهيئة.

في ضوء هذه المعطيات فان التركيز على الهدف الامني فقط قد لا يخدم التطلعات الى بناء كيان قوي علميا واقتصاديا واجتماعيا يستمد قوته من التماسك الداخلي ومن المجتمعات الخليجية الديمقراطية. المخاطر الامنية ليست جديدة، فقد قام مجلس التعاون بناء على ظروف امنية فرضتها الخشية من تصدير الثورة الايرانية والحرب الايرانية العراقية. الان لم يعد مفهوم تصدير الثورة كما كان في السابق والحرب العراقية الايرانية انتهت وخلفت وضعا ادى الى احتلال العراق الذي انتج واقعا ليس في صالح الدول العربية حيث فقدت الامة بوابتها الشرقية وحاجز الصد الخليجي. الان وبعد الربيع العربي والتحولات التي تهب في المنطقة لا بد انها ستصل الى ايران، عندها سيكون الوضع مرشحا الى التغيير نحو الديمقراطية واضعاف الحكم الديني. هذا التحول لابد ان ينعكس على نظرة الشعب الايراني الى امن المنطقة واهميته للتنمية والرخاء، كما سينعكس على العلاقات بين ايران ودول مجلس التعاون نفسها.

هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فان الامن في اي دولة يعتمد على عاملين: الوضع الداخلي والوضع الخارجي. وقد ركز على هذا المفهوم منتدى وحدة الخليج والجزيرة العربية الذي عقد في منتصف اكتوبر 2011، اذ طرح المنتدى – الذي يمثل المجتمع المدني الخليجي – اهمية تقوية الجبهة الداخلية من خلال التحول الديمقراطي واشراك المجتمع في القرار والمشاركة في الثروة واعطائه الادوات الدستورية التي تمكنه من محاربة آفتي الفساد والانفراد بالسلطة لكي يسهم المواطن في نشر الوعي الوحدوي واهميته للتنمية والرخاء. كما طرح المنتدى على اثر ذلك السؤال وهو هل الوحدة اولا ام الاصلاحات الديمقراطية اولا؟ والسؤال الذي يدور في الساحة الان في ظل هذه المعطيات هو الى اي حد سوف يفعل الاتحاد النقطة الثالثة في البيان: “تحسين الجبهة الداخلية وترسيخ الوحدة الوطنية استنادا الى المساواة بين جميع المواطنين امام القانون وفي الحقوق والواجبات”، وكيف سينعكس ذلك على حرية وحياة المواطن وعلى مستقبله؟

لقد نادينا مرارا كما نادى غيرنا بقيام كيان خليجي لاهداف تشمل الامن القومي الشامل والتنمية الاقتصادية وتشكيل تكتل اقتصادي يشمل كل دول المنطقة يؤسس سوقا كبيرة تسهم في تنمية جميع الدول المطلة على الخليج بما في ذلك اليمن، وتحقيق ترابطا في مصالحها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. هذا التقارب هو بداية نزع فتيل الازمة وتحقيق امن واستقرار قائمين على امن الشعوب والاوطان والاحترام المتبادل.

ان البيان الختامي لقمة مجلس التعاون تطرق الى تسريع مسيرة التطوير والاصلاح الشامل ومزيد من المشاركة لكنه لم يتحدث عن ارادة الشعوب بشكل مباشر ولا عن حراك ديمقراطي ولا عن دستور ينظم العلاقة بين الشعوب والانظمة. كذلك تطرق البيان الى اهمية تحسين الجبهة الداخلية وترسيخ الوحدة الوطنية استنادا الى المساواة بين جميع المواطنين، ونامل من القائمين على الاعداد وضع خطط لترجمة ذلك عمليا لكي لا تتعطل المسيرة وتؤثر المشاكل الداخلية في كل دولة في الكيان الاكبر.

لذلك نرى اولا: ان يهدف المنطلق الى ازالة اسباب التوتر في المنطقة وليس فقط تقوية الدول لمواجهته. ان ازالة اسباب التوتر في المنطقة لا تعتمد على طرف واحد ولكن تحتاج الى جهد جميع الاطراف وتشابك المصالح الاقتصادية مع الاخذ بعين الاعتبار وجود قوى عالمية لها مصالح وقد تسهم في اذكاء الخلافات في بعض الحالات.

ثانيا: ان يستند الاتحاد الى ان مفهوم الدولة الحديثة هو عبارة عن شعب وارض ودستور. الدولة هي الوعاء الذي يغلف المجتمع. والمجتمع هو الذي ينشء مؤسسات الدولة لادارة شئونه وتنظيم حياته. اي ان الشعب هو العنصر الاهم في هذه المعادلة. واي اتحاد يجب ان ينبع من ارداة شعبية حرة لكي يكتب له النجاح.

الهدف الامني بمفرده هو تقوية القشرة الخارجية التي تغلف الدولة وصمود هذه القشرة يعتمد على صلابة ما بداخلها. وكذلك قوة الدولة في قوة تماسك مجتمعها من الداخل. لذكل وجب التركيز في معالجة القضايا التي تهدد الجسم من الداخل وان يكون العلاج جذريا لكي لا يعوق تقدمنا ، وقد رأينا في الربيع العربي كيف تهاوت انظمة كنا نعتقد انها محصنة بسبب ضعفها من الداخل.

ان نجاح مجلس التعاون الذي نتمناء سوف يعتمد على قدرته على تلبية تطلعات الشعوب الى حياة افضل واشراكها في تحديد هذا المستقبل. وان ينزامن هذا التقارب مع جهود حثيثة وخطوات عملية وعاجلة لاصلاحات ديمقراطية واشراك الشعوب في هذه المسيرة المباركة. والله ولي التوفيق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *