نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

32 البطالة والمنافسة بين الوافدين والمواطنين

تم ظهر امس تشييع جثمان الامام المغدور به الشيخ عبدالجليل حمود امام مسجد بن شدة. الجريمة النكراء باغتت المواطنين ببشاعتها وفظاعتها وإذ نقدم تعازينا الى اهل الامام الجليل نطالب القضاء بإيقاع اشد العقوبات على المجرم الجاني كما نطالب الأوقاف السنية بسرعة انجاز إحلال البحرينيين في مساجدنا ونطالب الحكومة بتقليل اعداد الوافدين ضمن استراتيجية إحلال للكم الهائل من الوافدين في البحرين واستعادة الفرجان الى هويتها البحرينية الامنة. 

كتبنا في الأسبوع الماضي عن اعداد الشباب الذين توافدوا على وزارة العمل للحصول على فرصة عمل في معرض الوظائف الذي قيل انه يعرض الف وظيفة من مختلف المستويات. الحضور الكبير من الشباب اربك الوزارة وجعلها تمدد المعرض ليوم اخر لاستقبال هذه الاعداد الكبيرة. المؤشر هذا يدل على حجم مشكلة البطالة في البحرين ويحتاج الى إعادة نظر في سياسة التوظيف وسياسة منح رخص العمل للشركات. مجلس التنمية الاقتصادية يقول بانه استطاع جلب استثمارات وخلق فرص عمل تقدر بالألاف لكن لا نعرف ما هو نصيب البحرينيين من هذه الفرص.    

في نهاية المطاف الغاية من التنمية الاقتصادية وسياساتها هي رخاء المجتمع وسعادة أبنائه والاستفادة من الطاقات البحرينية في صناعة المستقبل واشراكهم في نتائجه، وليس الهدف هو النمو الاقتصادي الذي لا يترجم الى رفع مستوى المعيشة وتقليل معاناة الشباب وتحسين ظروف الطبقة الفقيرة ومحدودة الدخل. النمو الاقتصادي الذي تنشره قيادة مجلس التنمية الاقتصادية والذي يتراوح بين 3 الى 5% سنويا لا يعني شيء بالنسبة للعاطل الذي تجرح كرامته يوميا، ولا يعني شيء بالنسبة للمتقاعد الذي يعجز عن شراء الدواء ولا يعني شيء بالنسبة لمن يعاني رسوم دراسة أبنائه ولا يعني شيء لمن ينتظر وجبة أولاده القادمة، ولا يعني شيء لمن ينتظر المسكن اللائق عشرين عاما. 

من اهم المشاكل التي لم نتمكن من علاجها هي البطالة التي بدأت تتفاقم في التسعينات وكانت احد أسباب الاحداث المؤسفة آنذاك والتي على اثرها تم اجراء دراسة ما كنزي التي اوصت برفع كلفة العامل الأجنبي وفرضت رسوم على استقدامه بحيث تعادل راتب البحريني. كان يمكن لتلك السياسة ان تعالج جزء من المشكلة لو ان الجهة المسئولة عن إدارة هذه السياسة تناولت الموضوع بحكمة وتدرج ولم تخضع لضغط الطبقة المستفيدة من الوضع. كان يمكن ان تنجح هذه السياسة لو ان الجهة المسئولة عملت على تأهيل بحرينيين في مهن معينة تفي بمتطلبات السوق من حيث العدد والمستوى، ومن ثم يتم تطبيق هذه الرسوم العالية على جلب عمالة بنفس المهارات التي تم توفيرها، وان يكون التطبيق شاملا الجميع. 

فمثلا يتم تأهيل محاسبين بحرينيين بالأعداد والكفاءة المقبولة، يتم بعدها فرض رسوم مرتفعة او منع جلب محاسبين مع وضع ضوابط لتفادي التحايل وجلب المحاسب على تسمية أخرى. بالإضافة الى ذلك كان يمكن ان تفتح مراكز تدريب حرفية ومهنية على غرار ابرنتس (Apprentice) التي استطاعت شركة نفط البحرين في الخمسينات والستينات من تخريج كفاءات بحرينية مازالت تعطي في اعلى المناصب القيادية. للأسف اليوم يتم تسويق البحرين على انها تمتلك ايادي ماهرة قليلة التكلفة (عمالة وافدة) وقد فتح الاقتصاد 600 الف وظيفة لهذه العمالة على حساب البحرينيين.

اليوم يقوم مجلس التنمية الاقتصادية بجلب استثمارات وفتح فرص عمل لكن في معظمها يستفيد منها الوافدين فقط. اما الفائدة التي تعود على البحرين فهي محدودة في تأجير السكن للمدراء الأجانب ولعمالها الاجانب، في نفس الوقت تخرج معظم الأرباح من البحرين، وحتى بعض المواد التي تدخل في صناعة المنتج تستورد من الخارج. واذا حسبنا مساهمتها في الاقتصاد الوطني نجد انه قليل لا يتناسب مع الجهد المبذول في جلب هذه الاستثمارات. خصوصا اذا لم تكن الشركة مُلزمة بنقل التكنولوجيا وتوطينها.

ففي دراسة للدكتور جعفر الصائغ بين عامي 2002 و 2017 وصلت الى نتيجة مفادها ان الاقتصاد البحريني قادر على خلق فرص عمل في جميع القطاعات والدليل ارتفاع حجم العمالة الأجنبية بشكل مستمر. ففي عام 2004 كانت حوالي 240 الف وافد واليوم بلغت اكثر من 600 الف وافد، وفي الوقت ذاته انخفض نصيب  المواطن البحريني، اما بسبب تفضيل ارباب العمل العمالة الأجنبية واما بسبب عدم ملاءمة فرص العمل للمواطنين. ويقول الدكتور الصائغ بان المشكلة تكمن في أسلوب توزيع فرص العمل بين البحرينيين وغير البحرينيين. وبذلك فان المتوقع ان تبقى مشكلة البطالة وعدم الاتزان في سوق العمل لتكون مصدرا لعدم الاستقرار في الاقتصاد. 

نتفق مع الدكتور الصائغ على ان هناك عدة أسباب للبطالة بين الشباب منها عدم قدرة التعليم الثانوي والعالي على تلبية متطلبات سوق العمل، وان السياسة السكانية التي سمحت بزيادة التجنيس غير المنضبط حيث بلغت الزيادة السكانية 3.5% سنويا، ويعتبر ذلك من النسب العالية عالميا. ان الزيادة غير المدروسة في العمالة الوافدة غير الماهرة كان في البداية بسبب النمو العمراني (كثير منه لإسكان هذه العمالة الوافدة) والانفاق الحكومي.

بالإضافة الى ذلك فان زيادة التعداد السكاني يضغط على الانفاق الحكومي ويضيف أعباء على الدولة في وقت الحكومة بحاجة الى سداد ديونها وضبط ميزانيتها عن العجوزات. بعد الجريمة النكراء تحركت الحكومة لبحرنة وظيفة مؤذن وامام مسجد بعد ان شعرت بخطر التوجه غير المنضبط في استقدام العمالة الوافدة، لكن هذا التوجه ينبغي ان يعمم على جميع المهن الممكن بحرنتها وان لا نخضع لايدلوجية الحرية الاقتصادية على حساب وطننا وامنه وارزاق أبنائنا وبناتنا. 

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *