نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. التحول من دولة ريعية الى دولة مدنية انتاجية 

  تاريخ النشر :١٤ نوفمبر ٢٠١٣ 

 بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مقال الاسبوع- بداية ادراك نهاية الدولة الريعية والاقتصاد النفطي والتحول الى دولة مدنية منتجة فماهي الاستحقاقات؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13019/article/56330.html

 في مقال سابق (اخبار الخليج 30 اكتوبر 2013) تطرقنا الى مناقشة التحديات التي يفرضها انحسار النفوذ الامريكي لدول الخليج. وتوصلنا الى خلاصة بان مسؤولية الامن القومي هي مسؤولية جماعية تتم مواجهتها من خلال التحول من دول ريعية الى دول انتاجية تمتلك المعرفة وتوظف طاقاتها البشرية ومواردها في التنمية المستدامة. 

 في نفس التاريخ (30 اكتوبر) نُشر تصريح لأمير الكويت اثناء افتتاح دور انعقاد البرلمان، صرح بان الدولة الريعية و«دولة الرفاهية غير قابلة للاستمرار». ودعا الى اصلاح شامل يطول الحياة السياسية والاقتصادية ويمس اسس الدولة الريعية واحتمالية فرض نوع من الضرائب ويرى انه «حان الوقت لإطلاق مرحلة فاصلة جديدة ونقلة نوعية كبرى هدفها الاصلاح الشامل واستكمال البناء والتنمية والتطوير في مناحي الحياة كافة». ويرى ان ذلك «يستوجب إعادة النظر في تشريعات وسياسات ومفاهيم وممارسات تجاوزها الوقت والظروف ولم تعد صالحة لحاضرنا ومستقبلنا». 

 ماهي الجوانب التي يجب ان تطولها الاصلاحات الشاملة وماهي المفاهيم التي يقصدها وكيف يحدث التغيير في نظره؟ يؤكد رئيس الوزراء الكويتي ان الاصلاحات الشاملة باتت «حاجة وطنية ملحة». ويرى ان المشكلة تتمثل في ان 94% من ايرادات الدولة هي من النفط، وان الدولة ستواجه عجزا بحلول عام 2021. ويقول ان الهدف من هذا القول ليس لاثارة القلق لدى المواطن ولكن لحثه على المشاركة في عملية النهوض الوطني الشامل. فهل المواطن مستعد لذلك؟

 تجاوب المجتمع الكويتي بطرح السؤال: ما هو تعريف دولة الرفاهية وهل شملت الرفاهية عامة الشعب ام انها مقصورة على طبقة دون اخرى؟ ويرى البعض ان دول الرفاهية لم تبدأ للكثير من المواطنين لكي تنتهي. ويرى هذا التيار ان الفساد والهدر قد ذهب بالقسم الاكبر من الثروة. يتساءل المجتمع الكويتي هل الرفاه هو في المساكن التي يحصل عليها المواطن بعد طول انتظار ام زيادة ظاهرة المدارس الخاصة؟ ام في مستويات البطالة المرتفعة؟ ام في احتكار التجار بعض السلع الغذائية والاستهلاكية والكمالية، او في الخدمة الصحية المتعثرة ولجوء الكثير من السكان للعلاج الخاص او الخارج. اي ان هناك امتعاضا من خطط التنمية على مدى العقود الماضية فكيف سيكون الاصلاح وكيف يمضي التحول من دولة الريع والرفاهية الى دولة الانتاج والمساواة والمواطنة؟ 

 اما فيما يتعلق بمفهوم الاصلاح الشامل والوارد في كلمة أمير الكويت والتغيير المقصود في كلمة رئيس وزرائه فقد عبر عنه الدكتور محمد عبدالغفار رئيس مركز «دراسات» بالقول ان منطقة الخليج ليست بعيدة عن ما يحدث في العالم العربي وان لها اسباب داخلية وخارجية»، وانها ليست وقتية بل هي محكومة بحركة التاريخ. لذلك نقول ان التحول لا بد وان يراعي هذه الاسباب الداخلية اولا قبل الخارجية. ان اول ما يتوجب النظر اليه هو هذه الأزمة الناتجة من التناقض بين دولة الانتاج وبين الدولة الريعية التي يرى أمير الكويت عدم امكانية استمرارها. فهل نحن على اعتاب عقد اجتماعي جديد يقوم على مفهوم الدولة المدنية الانتاجية بدلا من الدولة الريعية التي كما يبدو استنفدت ادواتها؟ 

 الكويت ليست الدولة الوحيدة التي تعاني من ازمة الدولة الريعية، بل هي ظاهرة تعم جميع الدول العربية بدرجات متفاوته (بموجب دراسة للدكتور عمر الرزاز نشرها المركز العربي لدراسة السياسات عام 2013 بعنوان «النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة في الدول العربية»). بالنسبة للكويت فان المشكلة برزت على اثر تحذير البنك الدولي. والسؤال هل يكون التحول بمجرد اتخاذ قرار؟ وهل الشعب مستعد للتضحية بعد ان استفردت النخب بالنصيب الاكبر من الثروة والسلطة؟ وهل الدعوات هذه كافية لاقناع المواطن بالمشاركة في عملية شد البطون بالرغم مما يرى من استمرار سوء توزيع الثروة؟ 

 يصنف الدكتور الرزاز اقتصاديات جميع الدول العربية على انها ريعية، تعيش على ايرادات النفط، او ايرادات ريعية اخرى، ويعرض صيغة موسعة لعقد اجتماعي جديد يعيد تعريف العلاقة بين الحاكم والمحكوم. توصل الى هذه القناعة نتيجة فشل النظام العربي بدون استثناء في تحقيق تنمية مستدامة. ويرى ان هذا الفشل الذي شمل الابعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية كان بسبب غياب الرؤية الشاملة. وتكمن اهم تجليات هذا الفشل في نظام التعليم اولا والعجز في اعادة هيكلة الاقتصاد. تطرح الدراسة العديد من الاسئلة الكبيرة المتعلقة باسباب الاخفاق وقد لا تكون النظم السياسية قادرة او مستعدة للتعامل معها بعد. يمكن ايجاز هذا العقد في سبع محاور هي اولا التحول من الاستبداد الى الديمقراطية وفصل السلطات؛ ثانيا التحول من سلطة الريع الى حاكمية الثروة الوطنية والمال العام؛ ثالثا التحول من الاقتصاد الريعي الزبائني الى الاقتصاد الانتاجي التنافسي؛ رابعا تحويل سوق العمل من توظيف قسري في القطاع العام (تهميش) الى تشغيل انتاجي؛ خامسا تحويل العنصر البشري من انسان مذعن الى انسان خلاق مبدع؛ سادسا تحويل العدالة الاجتماعية من محاصصة الريع الى توزيع الدخل والحماية الاجتماعية؛ واخيرا من تشرذم سيادي عربي الى تكتل سيادي عربي.

 نرى ان الثورات العربية قد وضعت الامة على اعتاب عقد اجتماعي عربي جديد وهذا يشمل دول الخليج. كم من الزمن سوف يستغرق الى ان يستقر هذا العقد وتكتمل فصوله؟ وكم من المعاناة والصراع سوف تتعرض له الدول والشعوب؟ هذا يعتمد على وعي وادراك السلطات والقوى السياسية وطليعة المجتمعات بحتمية التغيير، ومدى استعدادها للنزول عند مقتضياته واستحقاقاته.

 mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *