نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

التصريح المرن بين الرؤية الاقتصادية والغاية التنموية

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ١٠ أبريل ٢٠١٩ – 01:15

مقال الأسبوع-الفيزة المرنة خلقت سوق مشوه ولم تخلق تنافسية كما تدعي هيئة تنظيم سوق العمل ووزارة العمل. الفيزة المرنة هي تسمية جديدة للعمالة السائبة اخترع ليستر عجز الوزارة على تطبيق القانون على من يجلب الفيزة المرنة ويحميها ضد المصلحة العامة. لا يعقل ان تعجز الدولة عن تنفيذ القانون وتسفير من يبقى في البحرين بشكل غير قانوني والا هذا يضع القانون نفسة تحت المسائلة.

هناك فئة رابعة لم تذكرها الوزارة وهي الفئة التي يكفلها متنفذون تسرح في السوق ويطلق سراحها بعد أيام من القبض عليها.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1162443

أصبحت مسألة التصريح المرن (الفيزة المرنة) إشكالية مجتمعية استحوذت على الكثير من الاهتمام من قبل قطاعات واسعة من المجتمع تضرر البعض من خلالها بشكل أو بآخر. وقد أصدر مجلس النواب (الثلاثاء 5 أبريل) قرارا يطالب الحكومة بإلغائه فورا. التصريح المرن يثير ثلاث قضايا أساسية، أولا: قضية القدرة على إنفاذ القانون للتخلص من العمالة السائبة، وثانيا: قضية الاتساق (consistency) بين السياسات الحكومية مع استراتيجية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، والقضية الثالثة وحدة الحكومة ووحدة الغاية والمسؤولية عن السياسة الاقتصادية. 

أولا: دعنا نضع المسألة في سياقها. أقر مجلس الوزراء نظام العمل المرن في 20 سبتمبر 2016 بهدف معالجة مشكلة العمالة السائبة (فري فيزا)، والذي قدر عددها وقت بدء العمل بهذا النظام بنحو 48 ألف شخص. وترى الحكومة أن هذا النظام قد وضع ضوابط تحد من آثار العمالة السائبة السلبية، أي أن هناك إقرارا بأضرار تحتاج إلى علاج؟ تغافلت الوزارة عن تقديم إجابات حول ماهية الأضرار وكيفية علاجها واتجهت نحو تصحيح وضع العامل الوافد، بعد فشلها في تسفيره، فمنحته تصريحا يمكنه من العمل في أي مهنة «لا تتطلب ترخيصًا احترافيا لمزاولتها» مقابل مبلغ من المال يدفعه للدولة سنويا (500 دينار) ومبلغ آخر شهريا (30 دينارا). 

حدد النظام الفئات التي تستفيد من التصريح المرن في 3 فئات، أولا: العمالة غير المجددة تصاريحها بعد انتهائها، أي (أنها فئة مخالفة للقانون). ثانيا: العمالة التي لم تغادر المملكة بعد إلغاء تصريح العمل الصادر بشأنها (أي الفئة الهاربة). ثالثا: العمالة التي انتهى تصريح عملها بناء على شطب السجل التجاري الذي كانت تعمل فيه (ماذا نسمي هذه الفئة إن لم تكن مخالفة للقانون وهاربة). تقول هيئة تنظيم سوق العمل إنها لا تقبل العمالة الهاربة، ولكن كل من يبقى في البلاد بشكل غير قانوني هو في حكم الهارب والمخالف للقانون، والسماح له بالبقاء هو عدم تطبيق للقانون.

  إن وجود هذه العمالة «السائبة والنظامية» بجميع فئاتها تضغط على الرواتب إلى الأدنى، كما أنها تخلق اقتصادا يعتمد على كثافة العمالة بدلا من كثافة رأس المال، وهذا ليس في صالح البحريني؟ ومنافيا لمفهوم البحرنة الذي يتسق مع التنمية الاقتصادية، و حق المواطن وأولويته في فرص العمل التي يخلقها الاقتصاد.

عودة إلى القضايا التي يثيرها التصريح المرن، القضية الأولى هي قضية العمالة السائبة وعجز الوزارة في إنفاذ القانون بوقفها وتسفير المخالفين ومحاسبة من يقف وراءها. في هذا الصدد تقول الوزارة إن التصريح المرن «له هدف محدد في أنه وضع لمعالجة قضية «العمالة السائبة». ووفق حديث الوزير فإن الوزارة «فشلت في القضاء على العمالة السائبة»، فأطلقت عليها تسمية جديدة بدلا من معالجتها، وبذلك منحتها قدرات أكبر في التحرك في سوق العمل وأدوات جديدة في المنافسة في السوق، وادعت الوزارة أن هناك سندا قانونيا لهذا التصرف. السؤال الآن ليس عن السند القانوني، فحتى لو وجد، فإن الضرر الواقع على المجتمع يحتم إيقاف المشروع والنظر في بدائل أخرى لعلاج العمالة السائبة. ليس من الحكمة استغلال ثغرات قانونية (إن وجدت) للعبث بمصالح الناس ومعيشتهم.

القضية الثانية تتعلق باتساق التصريح المرن مع الرؤية الاقتصادية والاستراتيجية الاجتماعية؛ تقول الوزارة إن هذه الفيزا المرنة زادت من تنافسية السوق. هذا قول لا يستند إلى أدلة ولا توضيح لنوعية التنافسية هذه. في الواقع ما حصل هو أن الفيزا المرنة منحت الأجانب ميزة تنافسية كبيرة في سوق محدود.

الميزة التنافسية الكبيرة هي قدرة هذه الفئة على العمل والعيش بدخل منخفض جدا لا يستطيع التاجر البحريني ولا العامل البحريني مجاراتها، وهذا يتنافى حتى مع مفهوم المنافسة في الاقتصاد الحر الذي يقوم على العدالة وتكافؤ الفرص. النتيجة هي زيادة تشويه سوق العمل وزيادة البطالة وليست التنافسية المتكافئة. مجلس النواب ابرز عدة قضايا في مناقشته الفيزا المرنة وكيف أنها أوصلت السوق المحلي إلى مستويات كبيرة من الإحباط. كثير من التجار أغلقوا متاجرهم، وبعض المقاولين توقفوا جزئيا أو كليا عن العمل. ولا أعتقد أن التاجر أو المواطن معني بتحقيق «جوائز تقديرية» في الوقت الذي أصبح خارج السوق بسببها.

القضية الثالثة هي أن ما حدث هو نتيجة عدم وجود فلسفة موحدة وواضحة تخلق من الإدارة منظومة متكاملة لها غاية تنموية واضحة تحكم عمل وزارة المالية ومجلس التنمية الاقتصادية وباقي الوزارات والهيئات المعنية بالتنمية الاقتصادية والمجتمعية، تحدد قيمها وأخلاقياتها الأساسية وأولوياتها من جهة، ومن جهة أخرى تؤطر لوضع سياسة اقتصادية بأهداف واضحة مع تحديد الجهة المسؤولة عنها. إن عدم الوضوح يجعل الهيئات والوزارات تتصرف وفق معايير مختلفة لا تتسق مع مسيرة التنمية ولا تتفق مع القيم والأخلاق التي تحددها الفلسفة الاقتصادية الاجتماعية للدولة.

هذا يدعونا إلى القول إن الوقت قد حان لإعادة النظر في الرؤية الاقتصادية وإعادة تأهيلها لتتلاءم مع الوضع الجديد الذي نتج بعد انخفاض أسعار النفط. تنطلق المراجعة من تحديد الفلسفة الاقتصادية التي تعنى بكيفية تأثير القيم الأخلاقية والمجتمعية في التحليل والقرار الاقتصادي. والتأكيد بشكل خاص على أهمية قيم الرفاه الإنساني للجميع والعدالة الاجتماعية والفرضيات التي يتبناها المجتمع حول هذه القيم. وكيف تتفاعل هذه القيم مع قيم المجتمع الأخرى وحقوقه وخصوصا ضبط السوق والحق في العمل وإعادة توزيع الدخل والثروة. والقيمة الأخلاقية هنا هو أن حياة الناس ورفاه المجتمع تأتي في المرتبة الأولى. هذا يعني أننا معنيون بتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية وأخلاقية من خلال مؤسساتنا وأنظمتنا (institutions) السياسية والاقتصادية والعمالية، واضعين في مركز اهتمامنا حياة المواطن وتماسك المجتمع وحيويته وحيادية الدولة في إنفاذ القوانين.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *