نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

التعليم اصبح تجميع علامات وتسابق في اعداد الخريجين دون اي اعتبار لمستواهم وصلاحيتهم للعمل ولخدمة المجتمع في المستقبل ولا تكوين رأس مال بشري يخدم التنمية. الصورة تتكرر كل عام ولا بوادر لإصلاحها.

نقترح حل وزارة التعليم وفصل التعليم العالي عن التعليم الاساسي لخلق مجال للشفافية والتقييم السليم لمخرجات التعليم ومحاسبة الاجهزة التي تقوم عليها.

http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1077959

التعليم هو المحرك الاساسي للتنمية، وهو القاعدة الصلبة التي تبنى عليها خطط التنمية ومشاريعها. في النصف الأول من القرن الثامن عشر شهدت إنجلترا حركة فكرية وعلمية مهدت للثورة الصناعية. فقد اضطلعت جامعات مثل جامعة جلاسجو واندنبره اكثر من غيرها بدور كبير في دعم البحث العلمي وخلق البيئة المناسبة للتقدم التقني والصناعي والثورة الصناعية التي تبعت ذلك. فعلت ذلك دول مثل كوريا واليابان وسنغافورا وغيرها، ولا تخلو حركة تقدمية تنموية من البعد العلمي والبحثي الذي يرفد الجهود الاخرى المكملة لمتطلبات التنمية.

ادرك العالم اهمية التعليم والبحث العلمي للتنمية وأخذ ينفق بسخاء لتقديم التمويل اللازم لهما وخلق البيئة المحفزة على العلم والبحث والابتكار. منظومة الابتكار نفسها تعتمد بشكل اساسي على التعليم والبحث العلمي. مؤشرات الابتكار العالمية تعتمد على العلم والبحث العلمي. لا اعتقد أن المسؤولين في البلد يحتاجون إلى اقناع بأهمية العلم والبحث العلمي للتقدم الاقتصادي وخلق الاقتصاد القوي القادر على الصمود في ظل التقلبات الحالية والمستقبلية في اسعار النفط.

هذه المقدمة ضرورية للنظر إلى ما نشهده اليوم من إعلان نتائج الامتحانات النهائية والنسب العالية من النجاح التي سجلتها وزارة التربية والتي بلغت 93.4% في الثانوية العامة و94.4% في المسار الصناعي، كما بلغ عدد المتفوقين 737 متفوقا (تزيد معدلاتهم على 95%) وبزيادة 23% عن العام الماضي (599). هذه زيادة كبيرة جدا ينبغي البحث عن اسبابها وتداعياتها في الاعوام المقبلة، إذا استمرت هذه الزيادة قد يأتي يوم نجد الجميع متفوقا.

يرى الوزير ان هذه التفوق هو نتيجة مباشرة لما تقوم به الوزارة من برامج وإنجازات. غير ان هذا العدد الكبير من المتفوقين على مدى العقد ونصف العقد لا يعكسه الواقع ولا توجد دراسات محكمة حول كيف تطور هؤلاء المتفوقون في حياتهم العملية، فماذا كان اداؤهم في الجامعة؟ وما هي مساهمتهم في الاقتصاد؟ في المحصلة النهائية فإن معيار نجاح العملية التربوية في النتائج وتأثيرها في المجتمع وليس في عدد الخريجين ولا في عدد المتفوقين، ولا في عدد المشاريع التي تنفذها الوزارة. هذا لا يعني التقليل من الجهود المبذولة من قبل الوزارة ولكن المشكلة ان النتائج لا تعكس الجهد المبذول ولا بد من البحث عن الاسباب، هل هي هيكلية في التنظيم، أم مؤسسية في الانظمة والقوانين، أم في السياسات والوسائل؟

العدد الكبير من النجاح والتفوق له اكثر من تفسير، قد يكون ارتفاع النسبة بسبب طبيعة محتوى المناهج المعتمدة على الحفظ والتلقين التي يسهل حفظها واسترجاعها. ثانيا يمكن ان يكون هناك تدريب على نوع معين من الاسئلة تجعل امكانية التفوق في الاجابات ممكنا، ثالثا يمكن ان تكون الاسئلة سهلة، رابعا يمكن ان يكون مستوى الرقابة في قاعات الامتحانات ضعيفا يشجع «التعاون» بين الطلبة.

من حديث الوزير لا يمكن ان نصل إلى استنتاج عن سبب هذا التفوق. وزير التربية فقط يكرر تعداد المشاريع التي تقوم بها وزارة التربية والتي يرى انها كانت السبب المباشر في تحقيق هذه النتائج. من المشاريع التي يذكرها الوزير مشروع تحسين أداء المدارس، ومشروع التمكين الرقمي في التعليم للنهوض بجودة التعليم الحكومي، وتطوير المناهج إلكترونيا والكتاب المدرسي الإلكتروني، والتواصل الإلكتروني مع اولياء الامور، والمدرسة المعززة للمواطنة وحقوق الانسان.

ربط هذه المشاريع بالتفوق سيكون اكثر مصداقية لو رافقتها دراسات ميدانية تبين مدى التقدم في النتائج العملية والتأثير المباشر لهذه المشاريع على قدرات الطالب النقدية والتفكير الحر المستقل وحل المشاكل وليس في الحفظ والامتحانات التقليدية. وجود مثل هذا التقييم المبني على دراسات ميدانية رصينة ومحكمة اصبح أمرا في غاية الاهمية.

السؤال الاخر الذي يبرز في هذه الفترة من كل عام ويعزز ما ذهبنا اليه في الفقرة السابقة هو: إذا كانت نتائج التعليم بهذه الجودة والامتياز لماذا الشكوى المتكررة من مجتمع رجال الاعمال ومن المؤسسات العمالية ومن وزارة العمل من عدم ملاءمة مخرجات التعليم لسوق العمل؟ ولماذا الشكوى المتكررة من الجامعات وخصوصا جامعة البحرين من ضعف مستوى الطلبة المتقدمين للقبول بالجامعة؟ وأخيرا لماذا هذه النسبة العالية من الاخفاق في السنوات الاولى من الدراسة الجامعية لعدد من الطلاب؟

مصدر القلق الذي ينتابنا على مستقبل الشباب هو انه في كل عام يلتحق ما لا يقل عن 7 آلاف مواطن بسوق العمل من هؤلاء الخريجين (من المدارس والجامعات)، وسوق العمل مطالب بخلق فرص عمل لهم. لكن ووفق رجال الاعمال فإن الخريجين إما انهم غير مؤهلين لهذه الفرص أو ان نوعية الفرص لا تناسب الرغبات والمطالب. فما هو الجواب على هذه الملاحظات الصادرة من جهات رسمية؟

خلاصة ذلك هو ان لدينا اكثر من مشكلة، احدها الذهنية التي خلقتها خمسين سنة من الدولة الريعية وتأثير ذلك على مفاهيم الطلبة وسلوكهم. ثانيا مشكلة هيكلية مستمرة منذ ما يزيد على العقد ونصف العقد من دون علاج مقنع. لذلك نرى ضرورة إجراء تطوير في هيكلة التعليم. نعتقد ان وجود (جهة واحدة) وزارة تعليم مسؤولة عن التعليم الاساسي والتعليم العالي والبحث العلمي لا يخدم الشفافية والتكامل بين المرحلتين. ولكون البحرين دولة صغيرة لا تتحمل خلق وزارات جديدة فنرى ان يسند إلى مجلس التعليم العالي مهمة تعيين جهازين منفصلين يركزان على مسألة التطوير بما يواكب متطلبات سوق العمل المستقبلية، احدهما للتعليم الاساسي، والاخر للتعليم العالي والبحث العلمي وهذا التنظيم من شأنه ان يؤدي إلى خلق علاقة مساءلة بين الجهتين وتقييم اكثر شفافية، مع إعادة تشكيل المجلس الأعلى ليخدم هذه الشفافية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *