نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

التعليم في المرحلة الجامعية وتأثيره على اقتصاد المعرفة

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٢٧ نوفمبر ٢٠١٩ – 02:00

مقال الاسبوع – التحول نحو اقتصاد المعرفة يعتمد على جودة مخرجات التعليم لكن التعليم العالي وخصوصا في جامعة البحرين يشهد تراجعا في الاوانة الاخيرة جزء منه بسبب زيادة الاعداد على الطاقة الاستيعابية وجزء منه بسبب زيادة اعباء هيئة التدريس وتاثيره على قدرتها في البحث العلمي وجزء اخر بسبب كفاءة الاجهزة القيادية والادارية. توصيات هيئة الجودة تحتاج الى تنفيذ وتعاون من قبل وزارة التربية والتعليم.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1191615

التحول نحو اقتصاد المعرفة يتطلب من الدولة ومؤسساتها الاستعداد لهذا التحول، وأحد أهم أوجه التحول هو إصلاح التعليم وجعله قادرا على رفد المنظومة الاقتصادية والمنظومة الابتكارية الوطنية بالمؤهلات القادرة على استخدام مهارات القرن الواحد والعشرين. يعتمد اقتصاد المعرفة بدرجة كبيرة على مخرجات التعليم العالي وبالذات في مجالات العلوم والرياضيات والتكنولوجيا. كما أن الثورة الرقمية الآن والثورة الصناعية الرابعة وما تقوم به الدولة من مؤتمرات يصب في هذا الاتجاه. السؤال: ما هو نوع التعليم المطلوب لمثل هذا التحول؟ وهل منظومتنا التعليمية قادرة على توفير متطلبات المرحلة وفق مواصفات السوق؟ وهل تم وضع الخطط منذ عام 2008 عندما أدركنا أهمية إصلاح التعليم ضمن حزمة الإصلاحات الواردة في الرؤية 2030؟ وهل تمخضت هذه الخطط عن نتائج يستفاد منها في مسيرتنا نحو اقتصاد المعرفة؟

التعليم العالي هو مرحلة من سلسلة مراحل التعليم ويعتمد جودته على عدة عوامل أهمها جودة التلاميذ المتخرجين من مرحلة التوجيهي والذين يشكلون مدخلات التعليم العالي. العامل الثاني جودة هيئة التعليم من أساتذة واختصاصيين في الجامعات وخصوصا جامعة البحرين، وثالثا جودة وكفاءة وقدرة الجهاز الإداري والقيادي في الجامعة. صلاح هذه العوامل الثلاثة يؤدي إلى صلاح المناهج وطرق التدريس وحسن اختيار المعدات والأجهزة المساعدة والداعمة لعمليتي التعليم والتعلم.

ناقشنا في مقالات سابقة (أخبار الخليج 13، 19 و25 نوفمبر 2019) مستوى التعليم في المرحلة العامة وتبين أن المستوى غير ملائم وخصوصا للأولاد والمرحلة الإعدادية، مما يعني أن مستوى الكثير من الداخلين إلى الجامعة دون الحد المطلوب، وهذا يؤدي إما إلى إخفاقهم وتسربهم كما رأينا في تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية من ارتفاع نسبة التسرب إلى 20%، وإما يؤدي إلى نجاح متواضع لا يخدم التنمية والتحول المأمول نحو اقتصاد المعرفة. من تقارير هيئة جودة التعليم نستطيع أن نقف على تفاصل مستوى التعليم الجامعي وبعض أسباب عدم قدرته على تلبيته متطلبات اقتصاد المعرفة.

في تقرير الجودة لعام 2009 تم تقييم 16 مؤسسة تعليم عال منها أربع مؤسسات حكومية (جامعة البحرين، بوليتكنك البحرين، كلية العلوم الصحية، الكلية الملكية للشرطة) قامت الهيئة بتنظيم ورش عمل لتدريب هذه المؤسسات على التقييم الذاتي. يتم تقييم المؤسسات وفق تسعة مؤشرات منها التعليم والتعلم، مساندة الطلبة، البحث العلمي، المشاركة في المجتمع وجودة المعايير الأكاديمية. وهدف التقييم إلى وضع الأطر والأسس لتطوير الجودة في المستقبل ووضع البنى التحتية للتقييم مثل الخطط وآليات وأطر لتنفيذها ومؤشرات لتقييمها.

يقول التقرير إن «الكثير من مؤسسات التعليم العالي الخاصة تفتقر على نحو خطير إلى البنى التحتية والمكتبات مع ضعف في تقنية المعلومات. وأن جميع الجامعات لديها رؤية ورسالة لكن لا يوجد تخطيط لتفعيلها مما أضر ببيئة التعليم والتعلم في المؤسسة. توجد في الجامعات هياكل حوكمة غير مناسبة. كما لم تقدم المؤسسات التي تم تقييمها أدلة على استخدام المقاييس الخارجية المناسبة لوضع المعايير الأكاديمية وقياس أداء المؤسسات. تتفاقم هذه المشكلة مع عدم وجود قاعدة بيانات موثوقة لغرض إجراء عمليات مراقبة الأداء المنتظمة في جميع مؤسسات التعليم العالي مما يثير المخاوف وتتطلب العناية الفائقة. فماذا تم حيال هذه المخاوف؟

ويرى التقرير أنه فيما يتعلق بالتعليم والتعلم فإنه لم تضع أي من الجامعات إطار عمل متكاملا للتعليم والتعلم مشفوعا بخطة للتنفيذ ولم تحدد الآليات الرئيسية لتحسين الجودة، كما أنه لا يتوافر للطلبة الدعم الكافي من الدوريات والمجلات وأجهزة الكمبيوتر والمختبرات ولا يتمكن المشرفون من تقديم المساعدة للطلبة بسبب كثرة أعباء التدريس. للأسف هذه الملاحظة تتكرر في تقرير 2018 أي بعد عشر سنوات لم تتم معالجة هذا النقص. يضاف إلى ذلك أن المكتبات غير كافية لتلبية احتياجات الطلبة مقارنة بالمعايير الدولية، إن عدم توافر ذلك يؤدي إلى إضعاف البرامج ويؤثر على مكانة الجامعة.

ويواصل التقرير أن الجامعات تعاني من زيادة أعباء التدريس ولا تتوافر لدى العديد منها سياسات خاصة باستخدام وتوظيف الموظفين والاحتفاظ بهم وتطويرهم مهنيا، لذلك أوصى التقرير بضرورة الاهتمام بتطوير وإعداد وتنفيذ خطة وسياسات تنمية الموارد البشرية، وأن الإخفاق في ذلك سيكون له تأثير على خبرة التعليم والتعلم وينعكس سلبا على معدل النمو وعملية التطوير المستدامة للمؤسسة. ويقول التقرير إن نجاح تطوير قدرات القرن الواحد والعشرين ستعتمد على تطور أعضاء الهيئة الأكاديمية أنفسهم مهنيا، وعلى المؤسسات التي تطمح لأن تواكب هذا التطور أن توفر لهيئتها التعليمية والإدارية فرص التطوير المهني في البحوث وأصول التعليم. ونستشف من التقرير أن هذا لا يحصل في تعليمنا العالي وخصوصا أن «تقديم الدعم للبحث العلمي يتم بشكل عشوائي»، وبما أن التعليم في البكالوريوس يعتمد على نشاط البحث العلمي في الجامعة لم تجد اللجنة دليلا على وجود خطط لإدارة البحوث.

في الفترة من 2009 إلى 2011 تمت مراجعة جميع مؤسسات التعليم العالي وكذلك برنامج بكالوريوس القانون وتقنية المعلومات وحصل برنامج واحد من خمسة على حكم «توجد ثقة» بينما حصل الأربعة على تقدير «لا توجد ثقة». وتجري نفس النتائج بشكل أو بآخر على برنامج القانون، حيث حصل برنامج واحد على «توجد ثقة» بينما الأربعة الآخرون إما «قدر محدود من الثقة» وإما «لا توجد ثقة». مثل هذه النتائج وفق التقرير تدق ناقوس الخطر، وقد تعني أن «الجيل القادم من البحرينيين لن يتلقوا مستوى التعليم المناسب والعالي الجودة في تخصصات ضرورية ومهمة لتقدم وتطور البحرين». 

وينتهي تقرير 2011 بالقول إن «العديد من مؤسسات التعليم العالي مازالت بعيدة عن تقديم البرامج الأكاديمية ذات معايير الجودة المقبولة. وينطبق ذلك على جودة المؤسسات عموما. ومع أن بعض المؤسسات أدركت ذلك وبدأت في وضع سياسات، فإن ذلك لا يكفي ما لم يتم تنفيذ هذه السياسات مع وجود آليات مراقبة وتقييم» حتى يتحقق التحسن. ويوصي التقرير بضرورة الاهتمام بتخفيف أعباء التدريس على الهيئة الأكاديمية لإتاحة الوقت الكافي للابتكار في الجامعات والقطاع الصناعي، كما يوصي بالاهتمام بخصائص الخريجين وامتلاكهم لمتطلبات القرن الحادي والعشرين. وتتكرر التوصيات في السنوات اللاحقة. ولنا لقاء.

mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *