نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

 التعليم – مستوى التعليم ودوره في التنمية

في الاستراتيجية الموحدة للتنمية الصناعية لدول مجلس التعاون والتي بدأ العمل في اعدادها عام 1981 واقرت عام 1985 وتم تحديثها لاحقا بالتعاون مع منظمة الخليج للاستشارات الصناعية وصدرت في 1998. تطرقت المادة الاولى الى اهداف الاستراتيجية فشملت هدف يتعلق ب”العمل على رفع نسبة اسهام العمالة الوطنية في قطاع الصناعة الى 75% كحد ادنى بحلول عام 2020 مع اعطاء اولوية للعمالة الفنية والمهنية” وهدف اخر يتعلق ب ” ايجاد قاعدة للبحوث والعلوم التطبيقية المرتبطة بالصناعة” واخر يتعلق ب ” تشجيع توطين الصناعات في المناطق الاقل نموا”. 

العامل المشترك في هذه الهداف هو العملية التعليمية والتربوية. فرفع العمالة الوطنية في قطاع الصناعة يتطلب تعليم وتدريب معين وذهنية معينة وقدرات يتطلبها قطاع الصناعة. كما ان توطين الصناعات كذلك يتطلب توفر المهارات الفنية والاستعداد الدهني والسلوكي في القوة البشرية ويتطلب تكوين رأس مال بشري واجتماعي قادر على رفد الصناعة بمتطلباتها من القدرات والمهارات والسلوكيات المناسبة.

اما الهدف الاخر فيتعلق بايجاد قاعة بحثية ترتبط بالصناعة توفر لها نتائج ابحاثها وترتبط بها في الاستفادة من الابحاث في الانتاج. هذه الاهداف الثلاثة وما تسعى اليه من توفر القدرات والمهارات والبحوث وتوطين الصناعية يعتمد في نسبة كبيرة منه على نظام التعليم ومناهجة ووسائل التدريس وطرقه في كل دولة من دول مجلس التعاون. فماذا كان استعداد وزارة التربية؟

نحن الان في عام 2018 ولم يبقى على المدة المحدة لبلوغ هذه الاهداف سوى اقل من سنتين، فاين نحن من تحقيق هذه الاهداف. عند وضع هذه الاستراتيجية كانت اسعار النفط في طفرتها الثانية واليوم نحن في تراجع وتذبذب وعدم استقرار في اسعار النفط مع تنبوات باستمرار التراجع. فما هو وضعنا التعليمي ولماذا لم يحقق ما ورد في هذه الاهداف التنموية؟

في تقرير حول التعليم بالبحرين تحدث عن ازدهار القطاع التعليمي في البحرين. يتحدث التقرير عن قضايا مثل بلوغ نسبة الاستيعاب 100% ونسبة 97% في نسبة قيد التعليم الثانوي. كما يتحدث عن زيادة ميزانية التعليم الى 343 مليون دينار عام 2016 بعد ان كان 232 في عام 2009. والقضاء شبه التام على الامية وزيادة عدد الجامعات الحكومية والخاصة، وارتفاع عدد المدارس، والتوسع في البعثات، وزيادة عدد الملتحقيق بالتعليم العام والخاص. ويذك التقرير مشروع مدارس المستقبل والتمكين الرقمي وانتقال البلاد الى مجتمع المعرفة. واطلاق الاستراتيجية الوطنية للتعليم 2006-2020 وانشاء المجلس الاعلى للتعليم وتاسيس الهيئة العليا للموهلات وضمان جودة التعليم والمشروع الوطني لتطوير التعليم والتدريب وجهود في تشجيع البحث العلمي وفق الاستراتيجية الوطنية لتطوير التعليم العالي والاستراتيجية الوطنية لتطوير البحث العلمي 2015. 

كل هذه الانجازات هي انجازات كمية لا تعبر عن نوعية المخرجات ولا تتحدث عن اي معايير يمكن ان تجيب على السؤال المطروح وعلى ما هو ملمووس في سوق العمل وفي امتحانات القبول في الجامعات التي تشير الى تدني مستوى خريجي المدارس الحكومية بشكل خاص.

عودة الى الاستراتيجية الصناعية لدول مجلس التعاون نجد انها تولي سياسات التعليم اهمية خاصة نظرا لاهميتها لنجاح عملية التصنيع في المنطقة والتحول نحو اقتصاد انتاجي والتخلص من الاعتماد على النفط. وتوكل الاستراتيجية في المحور الرابع “متطلبات تنفيذ الاستراتيجية”، وتحت عنوان “سياسات التعليم والتدريب والتقنية والعمالة” ان تلتزم الحكومات بربط نظام التعليم والتدريب باحتياجات الاقتصاد الوطني وتخريج كوادر بشرية بتخصصات مهنية وفنية من خلال اولا توافق خطط وسياسات التعليم والتدريب مع متطلبات الخطط الصناعية بدول المجلس والاهتمام بانشاء مراكز للبحث والتطوير بدول المجلس وربطها ببعضها البعض وبالجامعات والمشروعات الصناعية بدول المجلس وتوجيهها نحو البحوث التطبيقية. ثانيا زيادة نسبة البحث والتطوير في الميزانيات العامة وتحفيز الشركات الصناعية على زيادة هذه المخصصات في ميزانياتها. ثالثا التنسيق بين انشطة البحث والتطوير في دول المجلس وتحديد اولويات الابحاث بما يخدم اغراض التنمية الصناعية.

يتضح من هذه المتطلبات ان هناك مسئولية محددة على وزارات التربية والتعليم لنجاح تنفيذ استرايتيجة التنمية الصناعية وان هناك حاجة ماسة لرفع مستوى التعليم وتوافقه مع متطلبات التنمية والصناعة. برزت هذه الحاجة في 1985، وتكررت في 1998 واليوم وبعد مضي ما يقارب 35 سنة مازلنا نتحدث عن تلاؤم مخرجات التعليم مع متطلبات التنمية ومازالت وزاة التعليم تعدد المنجزات الكمية ولا تضع معايير نوعية تفيد عن مستوى التعليم الحقيقي وكيف تطور منذ ذلك الوقت الى اليوم. من الواضح ان الجهاز الاداري في التعليم اما انه مصر على عدم نشر مثل هذه المعايير او انه لا توجد لديه خطط لرفع مستوى التعليم بما يتفق مع متطلبات التنمية، او انه غير قادر على تطوير التعليم لتلبية متطلبات التنمية. هذ مع العلم بان التقرير يذكر انه “ياتي على اولوية استراتيجية التربية والتعليم تطوير المهارات المهنية المطلوبة لسوق العمل” لكن الحل بالنسبة للوزارة هو ايضا معيار كمي فتقول “لتحقيق ذلك زاد عدد المدارس للتعليم الفني الى عشر مدارس ويلتحق بها 6666 طالب عام 2016، اربع من هذه المدارس تطبق المسار الصناعي.” اين يعمل هؤلاء الخريجين يا معالي الوزير؟ 

استراتيجية التعليم العالي 2014-2024 التي وضعت عام 2013 تقول بان نقاط الضعف في التعليم العالي هو : غيااب المؤسساات العلمية، والتمويل والبنية التحتية وثقافة البحاث العلمي بدرجة عالية؛ وثانيا ضعف التعاون والروابط مع الشبكات العالمية والمعلومات والتوجيه الاستراتيجي وضعف تمويل البحوث العلمية. وهذا بعد 15 سنة من صدور استراتيجية التنمية الصناعية. فماذا حققنا خلال هذه الفترة؟ والجواب يأتي من ضمن الاستراتيجية الوطنية للبحث العلمي الصادرة عن الجهاز التعليم لدينا فيقول “ان اهم التحديات التي يواجهها البحث العلمي هي ان البحث العلمي لا يقع ضمن الاولويات الوطنية الملحة“. 

وجواب اخر ياتي كذلك من ضمن المؤسسة التعليمية  وفق احد التربويين “ان المدارس التي تسهم في انعاش الاقتصاد الوطني هي تلك التي تقوم على تنمية مهارات البحث والفكر النقد وفهم قضايا العصر بدلا من الاعتماد على حفظ الكتب البعيدة عن الواقع”. هذا يشير الى الخلل في مناهج وزارة التربية والتعليم وطرق تدريسها ورفضها الاخذ بما يعرفه الجميع من تنمية القدرات الفكرية والنقدية والتحليلية وعدم التسليم بالمسلمات دون نقض واثبات وبراهين. اي التعليم للعصر الحاضر وليس التمسك بالماضي القائم على “ليس في الامكان الا ما كان”. بعد سبعة عشر عام هل هذه الادارة لديها حل؟ وهل مازلنا ننتظر من هذه الادارة اي حل؟

mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *