نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. التعليم والتنمية.. نحو رؤية وطنية متكاملة

http://www.akhbar-alkhaleej.com/AAK/images/date_icon.jpg  تاريخ النشر :١٣ يوليو ٢٠١٦


بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

مقال الاسبوع- اصلاح التعليم لا يتم إلا من خلال النظر إلىه على انه جزء من منظومة قيمية مجتمعية شاملة وجامعة تتفاعل فيما بينها لتخلق التفوق والتقدم والازدهار، من يضع هذه الرؤية؟ ولماذا يتأخر؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13991/article/31023.html


اصبحت التنمية في العالم العربي مثار جدل وانشغالا وطنيا بعد انخفاض سعر النفط وانكشاف هشاشة الاقتصادات القائمة على النفط والإيرادات الريعية وتوزيعها بما يخدم استمرار النظام الريعي ومصالحه. بدأت الحكومات والشعوب تنظر إلى مستقبل مختلف وتبحث عن أدوات تحقق التغيير المفروض عليها بهبوط إيرادات الدول المعتمدة على النفط وضرورات التنمية. 
التنمية التي تسعى اليها الدول العربية والخليجية بشكل خاص تقوم على التعليم بالدرجة الاولى، لكن التعليم لا يمكن ان يعيش في معزل عن باقي النظم الاجتماعية المؤثرة في الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية في المجتمع. والإصرار على التعامل مع التعليم في معزل عن باقي النظم الاجتماعية التي تمثل البيئة المؤاتية للتعليم يعرقل التعليم والتنمية والاستقرار.
لذلك فإن أي حديث عن التعليم له اهمية كبيرة وانعكاسات مؤثرة على التنمية والاستقرار. من هذا المنطلق فإن حديث وزير التربية في المقابلة مع أخبار الخليج (30 يونيو 2016) يكتسب اهمية كبيرة، لذلك نرى ان نوليه اهتماما لمحاولة فهم المشاكل التي تعترض التعليم بشكل خاص في البحرين والحاجة إلى تطوير مستواه.
انقسم الحديث إلى ثلاثة محاور: المحور الأول يتعلق بالمعلم، والمحور الثاني تحدث عن التعليم العام والمحور الثالث اختص بالتعليم العالي. اتسم الحديث عن التعليم العام بالخوض في مواضيع كثيرة عامة. حاولنا الحصول على بيانات اكثر تحديدا من موقع الوزارة لكن للأسف لا تعرض الوزارة أي مؤشرات عن مستوى التعليم وتطوره والمؤشرات المعتمدة للتقييم. فمثلا في القسم الخاص بإدارة التقييم والمتابعة لم نر بها غير عدد الشهادات التي صادقت عليها الادارة أو أصدرتها. 
عودة إلى حديث الوزير عن المحور الاول، فقد حدد وزير التربية المعلم على انه أهم عنصر في عملية التعليم وأنه العمود الفقري لأي تطوير. هذا صحيح إلى حد كبير إذا افترضنا ان المعلم يعمل في بيئة مجتمعية مؤاتية للتعليم، ولديه رؤية واضحة للغاية من التعليم، والقدرة والصلاحيات التي تمكنه من تطبيق هذا الرؤية، والتحفيز والتقدير الضروريين للإبداع في مهنته وتحقيق متطلباتها. التراجع يمكن ان يأتي من اي من هذه المقومات اللازمة لنجاح عملية التعليم وليس فقط ناتجة من عدم كفاءة المعلم.
مع الاخذ في الاعتبار العوامل المذكورة أعلاه فإن المعلم في البحرين، «بحسب تقرير نشر في الصحافة المحلية»، يواجه تحديات كبيرة قد تؤثر في عطائه وقدرته على التعليم. يقول التقرير ان أول المحبطات للمعلم هو المستوى الاجتماعي الذي انحدرت اليه مهنة التعليم والصورة النمطية للمعلم لدى الطلبة وأولياء الامور. فكثير من المعلمين مصابون بالاحباط لوضعهم المادي والمعنوي والاداري (البيروقراطي) مما جعل المهنة غير جاذبة للكفاءات، بل اصبح التعليم في نظر البعض «مهنة من لا مهنة له». فمثلا هناك شكاوى من نظام الترقيات في السلم الوظيفي الذي لا يستند على الكفاءة (كما هو الحال في كثير من الوزارات)، وكثرة المعاملات البيروقراطية، وإثقال المعلم بالكثير من التقارير. نتيجة الاحباط لم يعد المعلم يعي معنى الرسالة والرؤية والأهداف التي تكتب على جدار المدارس لأنها في نظره شعارات لا تجد طريقها إلى الواقع العملي. ويرى آخرون أن الوزارة اصبحت تطالب المعلم بالكثير من التقارير والورق الذي يحد من قدرته الابداعية ويقتطع من وقته على حساب التعليم. وطالب البعض بإعادة النظر في الفلسفة التعليمية برمتها.
بغض النظر عن مدى دقة ما ورد على لسان بعض المعلمين فإن المهم ان هناك فئة كبيرة تؤمن به وبالتالي كان من المفترض على وزارة التربية ان تناقش هذه القضايا علنا وأن تشرح وتفسر ما يقال من خلال النتائج التي تتحقق وليس بالحديث المتكرر عن كثرة المشاريع التي تنفذها الوزارة من دون تقييم النتائج الناجمة عنها. المعلومات في موقع الوزارة للأسف غير كافية ولا تختلف عن التصريحات المتكررة.
الآن مهمة الوزارة، أو احد مهامها، غرس قيم مجتمعية مثل التنافسية والحرية والعدالة والمساواة في الطلبة، كيف يمكن غرس مثل هذه القيم في الوقت الذي يشعر فيه بعض المدرسين بعدم المساواة والإنصاف في الترقيات وفي التعيينات وحتى في المعاملات الادارية البيروقراطية؟ فهي لا تخضع للتنافسية. وكيف يمكن زرع قيم الابتكار في الطلبة من قبل معلمين مثقلين بالبيروقراطية والروتين الذي هو نقيض الابتكار؟ 
هنا يأتي الحديث عن إعادة النظر في الفلسفة التعليمية، هل يمكن لهذه الفلسفة ان تستند على مفهوم عام لكيفية إدارة المجتمع والقيم التي يرتكز عليها والأهداف التي يتطلع إلى تحقيقها من دون ان تدخل الوزارة في تناقضات بين الواقع والنظرية، ومن دون ان تدخل في اختلاف مع بعض المدرسين الذين لا يرون الانصاف ومعيار الكفاءة مطبقا في الوزارة وفي المجتمع فكيف يمكن لهم غرسها في الناشئة؟
لذلك نرى ان إصلاح التعليم ليس بالعملية السطحية التي يمكن ان تتم داخل جدران وزارة التربية والتعليم فقط حتى ولو حاولت الوزارة ان تصلح حالها. ينبغي ان يتبنى المجتمع بأسره معايير وقيم الإنصاف والمساواة والحرية والتنافسية والابتكار والإبداع المصاحبة لها، وأن يمتلك القدرة والشجاعة للدفاع عن هذه القيم وعدم الاخلال بها تحت اي مبرر. هذا لا يتم إلا من خلال النظر إلى التعليم على انه جزء من منظومة قيمية مجتمعية شاملة وجامعة تتفاعل فيما بينها لتخلق التفوق والتقدم والازدهار، وبالتالي الاستقرار المنشود.
mkuwaiti@batelcoc.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *