نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

 التعليم والحاجة الى تقييم موضوعي

في هذا العام التحق بالمدارس 12 الف طالب وطالبة مستجدون والتحق ستة آلاف طالب بجامعة البحرين لوحدها. هؤلاء وغيرهم يحتاجون فرص عمل بعد اربع سنوات وبعضهم قبل ذلك في حالة قطع دراستهم الجامعية. فكيف ستكون استعداداتهم لدخول سوق العمل؟ وهل ما سيكتسبونه من معرفة ومهارات سيكون مناسبا لدخولهم سوق العمل؟ التحدي الكبير الذي يواجه وزارة التربية والتعليم يتلخص في التسارع الكبير في تغيير متطلبات السوق مع الطفرات في التقنيات والابتكارات التكنولوجية في قطاع الصناعة وقطاع المال ومختلف القطاعات، مما يفرض على أي جهة تعليم ضرورة مواكبة هذا التغيير. التهيئة لا تتم من خلال مناهج التدريس فقط ولكن تتم كذلك من خلال تزويد الطالب بمعلومات ومهارات وقدرات أساسية مثل التعلم والتطوير الذاتي والتفكير النقدي الإبداعي واخذ القرارات وحل المشاكل وحرية التساؤل والمناقشة. هذه القدرات تجعل الطالب قادر على متابعة التطورات السريعة في المجالات العملية المختلفة. 

على مستوى مجلس التعاون حددت الاستراتيجية الموحدة للتنمية الصناعية لدول مجلس التعاون ثلاثة اهداف شملت أولا رفع نسبة اسهام العمالة الوطنية في قطاع الصناعة 75% كحد ادني بحول عام 2020، ثانيا إيجاد قاعدة للبحوث والعلوم التطبيقية المرتبطة بالصناعة وثالثا تشجيع توطين الصناعات في المناطق الأقل نموا. كما نرى فان الهدف الثاني يتعلق بالتعليم مباشرة والقدرة على البحث التطبيقي المرتبط بالصناعة. هذا يحتاج الى تغيير في اعداد الطلبة للأبحاث والتعلم الذاتي والبحث عن المعلومة والمعرفة. اما الأهداف الأول والثالث فان ارتباطهم بالتعليم غير مباشر ولكن تحقيق تقدم فيهما يتطلب قدر كبير من الإعداد وقدرة مناسبة لاستيعاب المهارات الصناعية لتوطينها.

يمر العالم بتحول كبير في ما يسمى بالثورة الصناعية الرابعة التي تعتمد على الرقمنة والابتكار وحرية الفكر. وقد حضر وزير التربية والتعليم قمة الابتكار في الشرق الأوسط وشمال افريقيا التي أقيمت في القاهرة في نهاية شهر يوليو 2018. قدم الوزير شرحا عن مدارس المستقبل في البحرين الذي دشن في 2005. تعتبر الوزارة ان هذا المشروع ناجحا، وقد يكون الامر كذلك، لكن ماهي مقاييس النجاح التي اعتمدتها الوزارة لهذا المشروع او أي من المشاريع الأخرى في مجال الابتكار والرقمنة. 

في مناسبة أخرى طرح وزير التربية والتعليم سؤالا حول ما ستكون عليه البيئة التعليمية في السنوات القادمة من حيث المناهج الدراسية وأنظمة التقويم والامتحانات وبرامج التدريب والبحث في كيفية تخريج طلاب مؤهلين لشغل وظائف المستقبل؟ هذه أسئلة وجيهة تنم عن ادراك بطبيعة التغيير في متطلبات التعليم. 

غير ان التقارير التي تنشرها وزارة التربية والتعليم، عادة ما يتم التركيز فيها على المشاريع التي تنجزها الوزارة وهذه إنجازات مشكورة لكنها لا تعطي تقييما صحيحا عن مستوى الطلبة ومستوى التحصيل وتأثير هذه المشاريع على المستوى العلمي وعلى مستوى الخريجين. ما نسمعه من الجامعات هو ان مستوى خريجي المرحلة التوجيهية بشكل عام ضعيف. هذا لا يعنى انه لا توجد نسبة صغيرة ممتازة وتجتاز المناهج بنجاح وتتفوق في الدراسات العليا. لكن نحن نقيس عملية تعليمية وليس جهود فردية. وقياس العملية التعليمية يعتمد على معدلات. فالسؤال هو كم نسبة من يتخرج من الجامعات من طلبة التوجيهي، ومن أي الجامعات؟ وماهي مستواهم عند التخرج؟ وما هو عطاؤهم في المجتمع بعد التخرج؟ 

هذا من ناحية ومن ناحية أخرى هناك فئة كبيرة من خريجي المرحلة التوجيهية تفوق معدلاتهم 95%. هذه الفئة وصلت الى 700 طالب وطالبة وتزداد سنويا، لذلك فانها تحتاج الى متابعة خاصة من قبل وزارة لمعرفة أسباب هذا التزايد، هل هو بسبب المستوى العالي في التعليم او يدل على هبوط في مستوى الأسئلة وطريقة طرحها وأسلوب التصحيح؟ وهل هذه النسبة معقولة احصائيا مقارنة بعدد الخريجين؟ امن انه يدل على خلل في التوزيع الاحصائي للخريجين ويعني ان هناك تضخم في العلامات تحتاج الى دراسة وتفسير. 

هناك كذلك الاعداد المتزايدة التي تلتحق بالمدارس الخاصة، والأخطر ان هؤلاء أبناء مسئولين في الوزارة او في وزارات الدولة الذين مفترض ان يؤمنوا بجودة مخرجات التعليم اكثر من أي فئة في المجتمع. يضاف الى ذلك ما نشر في الصحافة عن إدارة الفهم وهندسة التجهيل والتي اشارت الى عدة جهات تقوم بذلك ومنها مؤسسات التعليم من خلال الابتسار والتزلف وخذف جوانب من المعرفة تحرم الطالب من تطوير معلوماته وقدراته ومهاراته الأساسية وخصوصا في المواد الاجتماعية، منافيا بذلك روح المشروع الإصلاحي لجلالة الملك.

استخدام التكنولوجيا في التعليم والاستثمار في بنيتها التحتية هو خطوة أولى فقط في طريق النجاح. والاهم هي تغيير أسلوب تفكير الطالب ورفع قدراته ومهاراته والابداعية والابتكارية. فهذه تحتاج الى تغيير في المناهج وفي وسائل التدريس وفي ثقافة المدرسين ونوعية تدريبهم واستعدادهم العلمي وفي العقلية الإدارية التي تخطط وتقيم وتراقب. بذلك نكون قد اعددنا الطالب لنوعية الوظائف الجديدة التي ستبرز من خلال هذا التحول.

هذه المتغيرات والشروط التي يتطلبها تحتاج الى تحديث كيفية تقييم التعليم ونتائجه. تقييم العملية التعليمية بشكل عام تقوم به هيئة ضمان الجودة واليوم (الجمعة 14 سبتمبر) نُشر في الصحافة خبر عن تعاون بين الجهتين فيما يتعلق بتقييم ومراجعات المدارس الصناعية. وهذه خطوة إيجابية نتمنى ان تتبعها خطوات مماثلة لتقييم باقي المراحل على ان يكون هناك ربط التقييم بمتطلبات سوق العمل ومراجعات أخرى تشمل فلسفة التعليم وإصلاح المناهج وأساليب التدريس والتركيز على المهارات الأساسية. سوف يتطلب ذلك ادخال تحسين مستوى معيشة المدرس والبيئة المدرسية ومتابعة خريجي المدارس من المتفوقين في اداءهم في الجامعة وما بعد الجامعة.     

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *