نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

التقرير المالي في مركز الجزيرة الثقافي

 تاريخ النشر :٢ يناير ٢٠١٤ 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي  

مقال الأسبوع – الفساد المالي يتسبب في زيادة عدد الفقراء الذين يحصلون على المعونات الاجتماعية من 39356 مواطن في بداية 2012 الى 75904 مواطن في نهاية 2012. يتغذى الفساد على فكرة في المجتمع بان المال العام والثروة الوطنية هي ملك خاص يتكرم بها النظام على المواطن وليست ملك للمجتمع.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13068/article/216.html

انشغل المجتمع البحريني بالتقرير المالي وسوف تخبو هذه القضية السنويةوينشغل المجلس النيابي والمجتمع بقضايا أخرى لا تقل أهمية والحاحا. اقاممركز الجزيرة الثقافي ندوة حوارية طرحت عدة تساؤلات حول التقرير وكيفيةالتعامل معه، أهمها ما مدى تأثير التجاوزات والفساد على المواطن البحريني؟وهل تعريف الفساد واختزاله في المال العام كافٍ لمواجهة جميع حالاتهوتداعياته؟ وهل مجلس النواب وما يملك من أدوات ونظام داخلي وعلاقة تعاملمع السلطة التنفيذية قادر على معالجة التجاوزات والفساد؟ وهل الصحافة وبماتملك من حرية قادرة على التعامل مع المشكلة وتوجيه المسؤولية في مكانهاوسياقها الصحيح؟ وأخيرا ما دور المجتمع المدني في محاربة الفساد وإصلاحالوضع وهل يملك المعلومات التي تمكنه من مواجهة مثل هذه الحالات؟ شاركفي الندوة كل من الخبير الاقتصادي الدكتور أكبر جعفري والدكتور إبراهيمالشيخ الصحفي في اخبار الخليج والنائب محمد العمادي، والأستاذعبدالجليل النعيمي من جمعية الشفافية. 

بالإضافة إلى الأسئلة أعلاه تطرق المتحدثون إلى طبيعة التجاوزات والفسادوتأثيرهما على المواطن والمجتمع وعلى الاستثمار والتنمية بشكل عام. بينالمتحاورون ان ما ورد في التقرير هو جزء يسير من حجم التجاوزات والفسادوانه ينعكس بشكل مباشر على المواطن. فقد ارتفع عدد الذين يعتمدون علىالمعونات الاجتماعية من 39356 في بداية عام 2012 إلى 75904 في نهايةالعام. كيف يكون ذلك في دولة متوسط دخل المواطن فيها بلغ 28 ألف دولار؟،لدينا الأرباح تُختطف في الربع الأول من دورتها ولا تصل إلى الفقير. وبينالمتحاورون ان حجم التجاوزات هذا العام بلغ 395 مليون دينار بزيادة 90% عن العام الماضي،وان مركز البحرين في مؤشر مدركات الفساد قد تراجع منالمركز 27 في 2003 إلى 57 في 2013.  

المتضرر الأول من مستويات الفساد والتجاوزات المتزايدة هو المواطن العاديالذي يُقتطع ذلك من رزقه ومن فرص عمله ومن مستوى الخدمات المقدمة اليهومن تعليم أبنائه وعلاج عائلته ومسكنها. بالإضافة إلى ذلك فان له تأثيرا سلبياعلى قيم المجتمع واخلاقياته ومدى التزامه بالقوانين وبالاجتهاد في العملوالالتزام والإنتاج. اما الأغنياء فلا يتأثرون بالفساد ويعرفون كيف يحمونانفسهم منه. 

ما اظهره التقرير هو جزء من مجمل التجاوزات والفساد، فمثلا هناك إيراداتالدولة غير معروفة بسبب عدم شفافية الحسابات، فبند تكاليف الإنتاج من حقلالبحرين هو بند واحد ويستهلك ما يزيد على 90% من الإيرادات التي تقدربملايين الدنانير دون توضيح عن تفاصيل هذه التكاليف وتحليلها، لذلك لا يدخلفي الميزانية (من حقل البحرين) سوى 250 مليون دينار فقط. بالإضافة إلىذلك فان الشركات المملوكة للحكومة لا تساهم في الميزانية بل قد تنفق الحكومةعليها من الميزانية العامة. 

يعبر الفساد عن ازمة تقوض جهود ومسيرة الديمقراطية قبل ان يكون خسارةمادية وضياع فرص استثمارية وتنموية. ولكون الفساد مرتبطا بالإصلاحالسياسي فقد تفاءل المجتمع في بداية المشروع الإصلاحي بقدرات المؤسساتوالقوانين التي سوف يتيحها الإصلاح وممثلو المجتمع للتغلب على هذه الافة. للأسف اكتشف المجتمع ان الأدوات التي وجدت في مجلس النواب وفي ديوانالرقابة لم تتمكن من محاصرة الفساد بل ما حدث هو العكس. وضع الناسأملهم في المجلس النيابي ولكنه فشل. اما ديوان الرقابة المالية فقوانينه مشروطةلا تمكنه من تحويل احد إلى النيابة دون وجود الدليل الجنائي. ومع ان القانونمنح الوزارات حق التحويل إلى النيابة بناء على شبهة جنائية لكن إلى الان لميتم الاستفادة من ذلك. والمجلس النيابي فاقد القدرة والاستقلالية. هذه خلاصةالحديث الذي دار في الندوة. 

والسؤال لماذا يحدث ذلك هل هو قصور في أدوات المجتمع ومنظماته المدنيةوتشريعاته، ام قصور في مؤسسات الدولة ام غياب الإرادة السياسية؟ يرىالمنتديون ان مجلس النواب، بآلياته وتركيبته الحالية وطريقة الوصول إلىالبرلمان، عاجز عن التصدي للفساد حتى ولو كان متلاحما ومتفقا بكل أعضائهوكتله. وقد تبين ذلك من تقرير أملاك الدولة الذي اتفق النواب عليه دون ان يحققأي نتائج. لذلك فان المشكلة أكبر من التقرير. 

والان ما هو الحل؟ النيابة والقضاء لن يجديا نفعا، وان الحل يكمن في وجودالإرادة السياسية وحمّل المنتديون المسؤولية على عدة جهات منها ديوان الرقابةوالمجلس النيابي والوزارات. ويرون ان الحل الأفضل يكمن في اكمال منظومةمكافحة الفساد من خلال عدد من الخطوات منها تحويل ديوان الرقابة إلىديوان محاسبة بصلاحيات ضبط قضائي، تعزيز الشفافية بسن قانون حقالحصول على المعلومات وتقوية صلاحيات المجتمع المدني. بالإضافة إلى ذلك لابد من سن قانون مكافحة الفساد وانشاء هيئة مستقلة لمكافحة الفساد لكيينسجم ذلك مع اتفاقية الشفافية والنزاهة التي وقعت عليها الحكومة، وأخيراتفعيل قانون الذمة المالية. ان نجاح ذلك سوف يعتمد على حرية الصحافة التيهي جزء من منظومة مكافحة الفساد، فالحرية المتاحة قد تكون كافية نظريا،لكن المشكلة في التطبيق، فهل سيتمكن قانون الصحافة الجديد من معالجةذلك؟ 

mkuwaiti@batelco.com.bh  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *