نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. التكامل الاقتصادي والاصلاح السياسي

تاريخ النشر : 25 اكتوبر  2011 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

في الاسبوع الماضي وفي اللقاء الدوري للغرف التجارية العربية بالرياض خرج بثلا توصيات نحو التكامل الاقتصادي ركزت على اولا تنمية الصادرات العربية ورفع قدراتها التنافسية، وثانيا دور الغرف في ظل  المتغيرات والمستجدات العربية، وثالثا تطوير وتحديث الغرف لمواكبة تطورات العصر والتطورات الدولية والعربية. اكد المجتمعون ان الخليج مازال يعاني من فرط الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل بالرغم من التنوع الذي تنادي به هذه الدول منذ فترة طويلة. فيقول عبدالرحيم نقي أمين عام اتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي ان النفط مازال يشكل 80% من الايرادات الحكومية في الدول العربية ويشكل 60% من الناتج المحلي. ويرى ان الجهود يجب ان تبذل لرفع مساهمة الدول في تطوير صادراتها غير النفطية وهذا يتطلب المضي بجدية نحو التكامل الاقتصادي والاندماج السياسي وتغير هيكلة الاقتصاد من النفط الى الانتاج الصناعي والزراعي. ونتساءل ان كان لدى الغرف اي رؤية لكيفية تحقيق ذلك وهل تطوير القدارت العلمية والتكنولوجيا جزء من هذه الرؤية؟

تدرك الغرف التجارية بان التحديات التي تواجه التكامل وتنويع مصادر الدخل كثيرة جدا وتزداد تعقيدا بازدياد التذبذبات في اسعار النفط. كما ان الازمات العالمية المتلاحقة لم تظهر جميع تأثيراتها الى الان على اقتصاديات المنطقة ومع ذلك فقد تراجعت الاستثمارات الاجنبية الى دول المنطقة بنسبة 15.3% عن 2009 وهذا قبل تاثيرات الازمات السياسية الحالية. وبالرغم من العقبات والازمات فان تنويع مصادر الدخل واعادة هيكلة الاقتصاد ممكنا اذا ما توفرت الارادة السياسية الحرة في قراراتها والوطنية في منطلقاتها. ان ماعانى ويعاني منه العالم العربي من فساد وسوء توزيع للثروة والانفراد بالقرار السياسي والاقتصادي وتجييره لصالح فئة من القريبين من السلطة يؤثر في جدوى القرار وفي وضوح الرؤية وسلامة السياسات ويؤثر حتى في التشريعات والقوانين لذلك فان تنويع مصادر الدخل واعادة الهيكلة يصبح مشكوكا في امكانية حدوثهما. 

ان تراجع اهمية الموارد الطبيعية وتصاعد التنافس الدولي يفرض على الدول الخليجية بصفة خاصة مسئولية كبيرة في تحقيق نتائج في مجال تنويع مصادر الدخل واعادة الهيكلة. وقد اجمع الخبراء والعاملين في مجال الاستثمار والمال بان متطلبات تنويع مصادر الدخل يحتاج الى مناخ جاذب للاستثمرا، وبيئة مشجعة على الابتكار والبحث العلمي. غير ان ذلك يعتمد على قدرتنا على الاسراع في الاصلاحات السياسية وافساح المجال لاشراك القدرات الشبابية التي تفوق 60% من النسب السكانية. 

على المستوى المحلي، اكد السيد فاروق المؤيد في مؤتمر صحفي ضم مجلس الاعامال البحريني السعودي بان الوضع يحتم علينا مزيد من الجهد لتعزز المناخ الاستثمار بين البحرين والسعودية. فبالرغم من ان الارقام تثبت نمو كبير في حجم التجارة بين البحرن والسعودية بثلاثة اضعاف منذ عام 2004،غير ان تمحيص طبيعة هذا التباد تشير الى احتوائه على نسبة كبيرة من مواد انشائية ومشتقات نفطية ومعاملات مالية خدمية. مثل انشاء شركة لتصدير الرمل او شركة وساطة مالية، وحتى في هذه المجالات يتحدث الطرفان البحريني والسعودي في المؤتمر الصحفي عن عقبات تعترض تنميتها دون الافصاح عن طبيعة هذه العقبات وهل هي تتعلق بالانفتاح والشفافية؟ 

في الاسبوع الحالي اجرت اخبار الخليج (15 اكتوبر 2011) استطلاع رأي لرجال اعمال بحرينيين عن اهمة التسهيلات للمستثمر الخليجي في توطين رؤؤس الاموال الخليجية واثر ذلك في تحصين اقتصاديات المنطقة من الهزات العالمية. هذا الحديث يوضح تطلع رجال الاعمال الى اعتبار القطاع الخاص كشريك استراتيجي لاي خطة تنموية وقرارات سياسية. الاستطلاع شمل عدد من رجال الاعمال اجمعوا على ان التكامل الاقتصادي اصبح ضرورة وليست حاجة فقط. فيقول احد المستطلعين ” يتطلع أصحاب الأعمال البحرينيون الى أن يحصلوا على فرص تعزز فكرة التكامل الخليجي، وترحب بأية بوادر يقوم بها القطاع الخاص الخليجي بغية بناء جسر من التواصل يؤدي إلى التكامل والوحدة المنشودة”. 

ملخص ذلك ان رجال الاعمال يروا بان نقل الاموال الى الخارج في سندات حكومات اجنبية هو بمثابة التصدق على الدول الصناعية الغنية وحرمان الاوطان من امكانية الاستثمار وتشغيل الايدى العاملة الوطنية الخليجية والاستفادة من ثرواتهم. ومن ناحية ثانية فان الاموال الخليجية اذا ما استثمرت محليا من شانها ان تُسرِّع التكامل والوحدة الخليجية التي انتظرتها الشعوب الخليجية مايزيد على الثلاثة عقود.

 ان ما تواجهه الغرف التجارية في الخليج والعالم العربي هو في الواقع نتيجة انفراد عدد قليل من المسئولين بالقرار الاقتصادي والسياسي وعدم المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، ليس اليوم ولكن على مدى الخمسين عاما الماضية انفردت فئة بالقرار واسست لنظام اقتصادي استهلاكي قادته باستهلاك بذخي من جانبها وشوهت الاقتصاد وافسدت العادات وقضت على الابتكار والابداع. وما نداءات التجار ورجال الاعمال العلنية هذه الى غيض من فيض يقال في الغرف المغلقة.

هذا الطرح والاراء وردت كذلك في مداخلات المشاركين في منتدى الخليج والجزيرة العربية الذي اقيم في البحرين في الفترة من 13 الى 14 الشهر الجاري. ومع اننا سوف نتطرق الى ذلك في مقال منفصل لما له من اهيمة كبيرة الا اننا نجد من المناسب التلميح الى العلاقة بين مايطرحه رجال الاعمال من اهمية التكامل الاقتصادي والاستثمار وبين السؤال المركزي الذي طرحه المنتدى وهو هل يمكن تحقيق التكامل الاقتصادي والوحدة المنشودة – التي ينادي بها التجار كضرورة تنموية – قبل الاصلاحات السياسية؟ هذا ما سنتطرق له في مقال اخر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *