نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

 التكامل الخليجي لضمان الامن الاجتماعي

حالات الفقر في المجتمعات تعتبر مشكلة اجتماعية كبيرة وتعمل الدول على تخفيف اثارها على الفرد وعلى المجتمع من خلال أنظمة الضمان الاجتماعي الذي يسعى الى الاهتمام بالفئات الضعيفة والفقيرة. هذه الفئة ليست صغيرة وليس لها تعريف ثابت. فهي تختلف باختلاف المجتمعات. فتعريف الطبقة الفقيرة في بعض دول افريقيا وبعض مناطق الهند مثلا لا ينطبق على دول مثل المنطقة العربية بشكل عام ومنطقة الخليج بشكل خاص. أي ان تعريف الفقر والطبقة الفقيرة والضعيفة هو تعريف خاص بكل دولة. 

لدينا في البحرين حالات من الفقر تعمل  وزارة العمل والشئون الاجتماعية على مساعدتها ورفع معاناتها من خلال مساعدات شهرية مستمرة. لكن مع تزايد الاعداد ومع تطور تعريف حالات الفقر والحرمان تحتاج الوزارات الى إعادة النظر في مقدار الإعانات المقدمة ونوعيتها لكي تواكب المتطلبات الضرورية للعيش الكريم، مما يرفع فاتورة المساعدات الاجتماعية. 

من ناحية أخرى هناك حالات الإسكان التي أصبحت في كثير من الأحيان مؤلمة للعائلات التي تعاني من تأخر وحداتها السكنية واضطرار الابن المتزوج وعائلته المكونة من ذكور واناث في سن المراهقة ان يسكن مع والديه في حجرة واحدة. ومثل هذه الحالات أصبحت تنتشر في التواصل الاجتماعي.

تدريجيا ومع تزايد الضغط على ميزانية وزارة العمل والشئون الاجتماعية وعلى ميزانية وزارة الإسكان، وتقلص المتوفر من الاراضي سوف تزداد هذه الحالات. تعتمد الحكومة في ميزانيتها بنسبة كبيرة على إيرادات النفط، ومع تناقص هذه الإيرادات النفطية فان الدولة اتجهت نحو سياسات تقشفية مع فرض رسوم وضرائب على المؤسسات والمواطنين مما سيزيد بشكل اكبر من المعاناة ويضغط على صغار التجار والفئة الضعيفة في المجتمع ويرفع من معاناتها وتعرضها للعوز والفقر. وقد تصبح مشكلة اجتماعية وسياسية تهدد الامن والاستقرار وتعيق جهود التنمية.

إدراكا لذلك عملت دول الخليج على الاتجاه نحو التنويع الاقتصادي الذي من المفترض ان يعالج مشكلة اعتماد الدولة على النفط. لكن دول الخليج باستثناء السعودية صغيرة وعدد سكانها محدود مما يجعل اسواقها لا تتحمل الكثير من الصناعات التي تعتمد على الانتاج الكمي. تنبهت دول المجلس لذلك بتشكيل مجلس التعاون ووضع التكامل الاقتصادي كهدف استراتيجي لتوسيع السوق. بالنسبة لنا في البحرين كوننا اصغر دول الخليج مساحة وسكانا نحتاج الى التكامل الاقتصادي الخليجي والسوق العربية المشتركة اكثر من الاخرين. 

النجاح في التكامل الاقتصادي وفتح أسواق عربية وإقليمية ودولية يعتبر احد اهم مقومات نجاح التنمية، والتكامل بدوره يعتمد على قدرة دول المجلس على تنويع اقتصادها بعيدا عن النفط وتقلباته.

في دراسة لصندوق النقد الدولي صدرت عام 2014 بعنوان “التنوع الاقتصادي الماضي والحاضر والمستقبل” تحدثت عن التنوع الاقتصادي وما يواجهه من تحديات، احد هذه التحديات هي التقلبات الاقتصادية الناتجة من تقلب أسعار النفط. تقول الدراسة ان إيرادات النفط تفسد الحوكمة ومؤسسات الدولة ويعرض العملة الى سعر صرف غير واقعي، وتشير التجارب الدولية ان النجاح في التنويع الاقتصادي وفق هذه الدراسة يعتمد على وضع سياسات وبرامج التنويع الاقتصادي عندما تكون إيرادات النفط عالية وليس بعد ان يهوى السعر. فمثلا دول مثل ماليزيا واندونيسيا والمكسيك استطاعت ان تنوع اقتصادها بعيدا عن النفط من خلال تحقيق بيئة اقتصادية مواتية ومناخ عمل مناسب والتركيز على التصدير وجودة الإنتاج، بالإضافة الى التركيز على التعليم وتدريب مخرجاته لبناء قدرات ومهارات ترفع الإنتاجية. بالرغم من ان دول المجلس وضعت سياسات عديدة وقامت بتطوير البنى التحتية وتحسين بيئة العمل وتوفير التمويل للشركات خصوصا الصغيرة والمتوسطة لكن مع ذلك ارتفع الاعتماد على ايرادات النفط.

التقدم في التنوع الاقتصادي يتطلب تغيير في الحوافز للشركات والعمالة بحيث تكون الحوافز متوافقة مع مصالحهم. في الوقت الحاضر فان المؤسسات وتوزيع إيرادات النفط يقصي الإنتاج الصناعي غير المعتمدة على النفط من عدة اوجه. أولا: ان النشاط التجاري والانتاجي المعتمد على انفاق الحكومة واموال النفط اقل مخاطرة واكثر ربحية للشركات والتجار. ثانيا: توافر العمالة الرخيصة غير الماهرة تساعد على زيادة “الريع“. ثالثا: توافر فرص العمل الحكومية والمشاريع والاعمال المجزية المعتمدة على النفط يحرم الاقتصاد من العمالة الوطنية الأكثر استعداد على اقتحام الاعمال والريادة. لذلك فانه بالإضافة الى إجراءات لتحسين بيئة العمل والريادة، مطلوب كذلك تغيير هذه المحفزات بصورة جذرية وتوفير الحلقة المفقودة في السياسات الحالية. من هذه السياسات والإجراءات إعادة توجيه الانفاق الحكومي أولا نحو خلق بيئة تنافسية في القطاع الخاص، ثانيا نحو الإنتاج والتصدير، ثالثا نحو تطوير التشابك الامامي والخلفي بين القطاعات التي تملك ميزة تنافسية، رابعا: اصلاح سوق العمل من خلال تحفيز القطاع الخاص على توظيف المواطنين والتكنولوجيا لرفع مستوى الإنتاجية.  

هذا التنوع يحتاج الى تكامل خليجي على الأقل في مجال الإنتاج الصناعي والتشابك الخلفي والامامي لكي لا تحتدم المنافسة بين دول الخليج كما كان في انشاء الموانئ وفي البتروكيماويات والالمنيوم والحديد الصلب. كذلك هذا النوع من التكامل يحتاج الى مبادرة من الحكومات واجراء دراسات لتحدد نوعية الصناعات الأساسية وتوزيعها على دول المنطقة وفق الميزة التنافسية لكل دولة. 

التحديات اليوم كبيرة تتطلب تحول في السياسات الإقليمية والخليجية والعربية وإرادة سياسية وادراك بان  المنطقة هي وحدة جغرافية توازي الوحدات الجغرافية الأخرى التي استطاعت ان تتكتل. الظروف الاقليمية اليوم قد لا تكون مواتية لمثل هذا التوجه. لكن هذا ليس قدرا بل على الحكومات والشعوب ان تعي مصالحها وان تدير سياساتها الخارجية في وفق هذه المصلحة وان كان تدريجيا. ان انتشار الديمقراطية في المنطقة وتمكن الشعوب من المشاركة في القرار السياسي سوف يساعد في تسريع العملية.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *