نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

التنمية المستدامة في نهاية المطاف تعالج الفقر والجهل والمرض، علينا ان نضع معاييرنا الخاصة بنا لمحاربة ذلك والدخول في تفاصيل كل منها ولا نعتمد المتوسطات المضللة.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13725/article/48649.html

يلخص الاقتصادي انجس ديتون (الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد لهذا العام) مفهوم التنمية في ثلاثة أسئلة أساسية هي: كم سنة نعيش، هل نعيش بسعادة؟ وكم هي معارفنا؟ السؤال الأول يوضح أهمية الصحة والقضاء على الأمراض وسوء التغذية والتلوث وتوافر الخدمات الصحية، والثاني يتعلق بنوعية الحياة وجودتها من حيث توافر العمل والدخل المناسب والشعور بأمن المواطن والعدالة والتخلص من الظلم والحرمان والفساد والقدرة على التأثير في القرارات المتعلقة بحياته، والحصول على حقوقه دون اللجوء إلى العنف. ويتطرق السؤال الثالث إلى العلم والمعرفة ومحاربة الجهل وما يوفره ذلك من تقدم الإنسانية ونجاحها في تعاملها مع البيئة ومع الآخرين. ويذهب المفكر عبدالله القصيمي في كتابه (هذه هي الاغلال) إلى ربط مفهوم التنمية في الإسلام بتلافي ثلاث آفات إنسانية اجتماعية هي الفقر والجهل والمرض.

اعتمدت التنمية المستدامة في نسختنها السابقة (2000-2015) ثمانية أهداف لا تخرج عن التصنيفات الثلاثة السابقة. أصدر الجهاز المركزي للمعلومات تقريره عن النصف الأول من 2015 أوضح فيه ان الهدف المتعلق بالفقر «العيش بأقل من دولارين» لا ينطبق على البحرين وكذلك الهدف الثاني المتعلق «المعاناة من الجوع» لذلك اغفلت الدولة التعامل معهما. تم التركيز في التقرير فقط على متوسط خط الفقر وتحسين مستوى معيشة السكان في فئات الدخل الدنيا. لكن تعريف ذلك كان بشكل عام ولم تفصل الشرائح التي تعيش بأقل من 700 دينار مثلا ولا حاولت معالجة مشاكل هذه الشريحة. بل ركزت فقط على أعداد المستفيدين من المساعدات الاجتماعية. ولا نعرف إلى أي مدى تمثل هذه المساعدات كعلاج فعال.

نفس التعامل يتكرر مع الهدف المتعلق بالتعليم، فقد اعتبرت الحكومة انها حققت أهداف التعليم (98% من الأطفال يدخلون المدارس). لا شك ان التعليم في البحرين بدأ مبكرا وأن نسبة الالتحاق بالتعليم عالية تفوق متطلبات أهداف الألفية. وهذا يحسب للسلطات القائمة على إدارة الدولة، غير ان الهدف في شكله الوارد في أهداف الألفية لا يتناسب مع البحرين، وكان من المفترض ان تضع السلطات تعريفا اخر لمستوى التعليم المراد تحقيقه وإعادة تعريف المصطلحات لتناسب طموحاتنا ومتطلبات التنمية في البلاد. ركز التقرير بشكل كبير على المشاريع والبرامج التي نفذتها الوزارة مثل إطالة الزمن الدراسي، وتحديث المناهج بإضافة المواطنة والانتماء الوطني والتنمية المستدامة، وزيادة عدد المرشدين الاجتماعيين، وتعميم استخدام التكنولوجيا، لكن ما هو تأثير ذلك على جودة التعليم التي مازالت تحقق مستويات متدنية بحسب تقارير هيئة ضمان الجودة وبحسب مشاهدات لجان القبول في جامعة البحرين؟ كما ان المشاريع المستقبلية جميعها تتعلق بتحسين البيئة المدرسية اكثر من تحسين فعالية التعليم.

أما بالنسبة إلى الهدف الثامن المتعلق بالتنمية فإنّ التقرير يتعامل مع التنمية بشكل كلي اجمالي ومتوسطات، فمثلا يقول إن النمو زاد 66% خلال عشر سنوات، ويفصل القطاعات التي ساهمت بشكل فعال، لكن الأهم ما هي القطاعات غير النفطية التي ساهمت وهل هذه القطاعات قادرة على الصمود من دون النفط؟ نجد ان القطاعات الأخرى تعتمد على النفط في معظمها. وما هي فرص العمل التي تم خلقها وهل هذه كافية لتحقيق طموحات الشباب خريجي المدارس والجامعات؟

مهما كانت الإنجازات التي ذكرت في التقرير فإنّ الوضع الراهن يثبت ان ذلك لا يعكس الواقع، فلا المواطن يشعر بأن وضعه تحسن بصورة قياسية، فمازال البعض يعاني من غياب فرص العمل ومن تدني مستوى المعيشة والغلاء، ولا الدولة تشعر بأنها قادرة على استدامة الوضع الراهن من دون اللجوء إلى فرض مزيد من التقشف ومن الضرائب والرسوم ورفع الدعم. لذلك فإنّ البلد بحاجة إلى توجه مختلف في التعامل مع أهداف الألفية القادمة. توجه يسعى إلى ترجمة روح الأهداف وغايتها العليا في تحقيق رفاه وسعادة الانسان وفق الموارد والقدرات الوطنية ووفق العدالة والمساواة في توزيع الثروة بناء على الجهد المبذول.

صدرت أهداف الألفية للمرحلة المقبلة (2015-2030) في سبعة عشر هدفا تتمحور حول عناصر مثل التعليم والصحة والفقر وتنمية والبيئة واستدامة هذه العناصر واستمرار تطورها. يورد المنسق العام للأمم المتحدة (بيتر جرومان) في كلمته في تقرير البحرين 2015 شروطا يتوجب توافرها لضمان استمرار مسار التنمية تتلخص في تنويع مصادر الدخل، وزيادة الإنتاجية، ورفع مستويات المعيشة، وتوفير فرص عمل، والحماية الاجتماعية من عدم المساواة، وضرورة المشاركة السياسية والاقتصادية، والتغيير البيئي. تشكل هذه العناصر روح أهداف الألفية وعلينا ان نضع معايير وطنية في كل منها بعد نقاش مستفيض على مستوى المجتمع، وسنجد ان هذه العناصر لا تخرج عن محاربة الفقر والمرض والجهل.

يتوجب اخذ هذه الأهداف على انها معايير عامة تحتاج إلى الدخول في تفاصيلها كما أوصى الاقتصادي الكبير انجس ديتون بعدم الاكتفاء بالمتوسطات العمومية والمؤشرات الكلية. فلو اخذنا الهدف الأول مثلا والمتعلق بالفقر، فإنّ صيغته قد اختلفت في النسخة الجديدة (2015-2030) وأصبح يركز على «انهاء الفقر في جميع اشكاله». هذه الصيغة تحث الدول على الدخول في تفاصيله وفق مستوى البلد وليس وفق مستويات الدول الفقيرة. هذا يعني ان تقوم الدولة بتحديد استراتيجيتها لتحقيق هذا الهدف وتكليف جهة حكومية معينة لتحقيقه. وأول خطوة في ذلك هو تحديد الوضع الحالي فيما يتعلق بهذا الهدف وثانيا وضع تعريف وطني للفقر وقياس مستواه في البلد بالأرقام ومستويات الدخل ومعرفة أسباب وجوده وكيفية التغلب عليه.

وهكذا الامر يتم التعامل مع باقي الأهداف وخصوصا تلك المتعلقة بالإنسان وتعليمه وتنمية قدراته ومستوى مشاركته السياسية والاقتصادية وقدرته على المحاسبة والمساءلة كما هو في الدول التي حققت نتائج مبهرة مثل سنغافورا وهونج ونج ودول شمال أوروبا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *