نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

 التنمية الشاملة المستدامة – وقدرة المجتمع على التقييم

التنمية المستدامة في تقارير الأمم المتحدة تشمل على 17 عنصرا، بعضها يتعلق بالحالة الصحية والحالة التعليمية وحالة الفقر. هذه الحالات في مستواها الأدنى الذي يتحدث عنها تقرير التنمية المستدامة لا ينطبق على الدول المتقدمة وبالتالي فهو لا يندرج ضمن معايير تقدم ونجاح هذه الدول في تحقيق التنمية المستدامة، بل يستعاض عنها بمعايير أخرى مثل مساهمتها في الحفاظ على البيئة ونسبة الانبعاثات الحرارية وقدرتها على خفض مستويات الفقر النسبي في بلادها وقدراتها التنافسية ومستوى معيشة مواطنيها وتطورها الديمقراطي ومستوى الحريات وحقوق الانسان. أي ان المعايير السبعة عشر المستخدمة في التنمية المستدامة لا تنطبق على الدول المتقدمة، وكذلك لا تنطبق على الدول النفطية الغنية مثل دول مجلس التعاون. دول مجلس التعاون تحتاج الى مؤشرات متطورة نسبيا لتحديد مدى نجاحها في التنمية المستدامة 2030. وبهذا الصدد فقد تطرق سعادة الوزير محمد المطوع الى هذا الموضوع في اثناء اجتماع اللجنة الوطنية للمعلومات مع وفد إدارة التنمية المستدامة بالأمم المتحدة لبحث أوجه الدعم الفني في اعداد التقرير الوطني الطوعي الاول حول تنفيذ اهداف التنمية المستدامة 2030 الذي سيقدم يوليو المقبل. 

هذا التقرير الذي ستقوم البحرين بإعداد بالتعاون مع هذا الوفد، ينبغي ان يعكس الواقع التنموي في البحرين بناء على معايير تناسب ما توصلت له البحرين من تنمية ولا يعتمد المعايير الموضوعة والتي تختص اكثر بالدول الفقيرة مثل كثير من الدول الافريقية وبعض الدول الاسيوية. البحرين، ودول مجلس التعاون بشكل عام، ينبغي ان تضع لنفسها معايير تمثل تحدٍ لها ولا تعتمد معايير تم تجاوزها قبل نصف قرن، سواء في التعليم او في الحالة الاجتماعية والصحية ومستوى المعيشة وجودة الحياة بشكل عام.

اعتماد معايير متقدمة تعكس ظروف دول مجلس التعاون يحتاج الى وضع تصور يربط المعايير هذه بالاستراتيجيات الوطنية في التنمية المستدامة. أي انه لا بد لكل من دول المجلس ان تكون لها استراتيجية تنموية تستمد منها المعايير التي ستعتمدها. وللأسف في ظل غياب مثل هذه الاستراتيجيات التنموية، فان وضع المعايير يصبح عملية تكرار لمعايير مستخدمة في دول أخرى وبرامج اممية. هذا لا يعني ان هذه المعايير غير مفيدة، ولكنها تصبح غير مترابطة ولا تؤدي الى تحقيق اهداف وضعت ضمن خطة استراتيجية.

مع ذلك نقول ان هناك بعض المعايير العامة التي يمكن اعتمادها. من هذه المعايير مثلا مستويات التعليم ومستوى الفقر والصحة وجودة الحياة والمعايير البيئية المتعارف عليها لدى المختصين. لكن علينا أولا، في اعتماد مثل هذا المعايير، ان ننشر المستوى الذي تحقق اليوم، وان لا نكتفي فقط بنشر المشاريع التي تقوم بها الوزارات والهيئات. فهذه المشاريع لا تعني بالضرورة ان تقدما قد حدث فعلا. ثانيا ان نعتمد المعايير النسبية وليست المعايير المطلقة. فمثلا لا يمكن ان نعتمد مستوى الفقر المقرر في الأمم المتحدة، أي دولارين في اليوم للفرد، ولا نعتمد معيار مستوى القيد في المدارس ومستويات الامية. فهذه معايير تم تجاوزها بالنسبة لدول المجلس.

اعتماد المعيار النسبي يعني ان نحدد مستوى الفقر في البحرين في سنة الفين مثلا، ونقارن نسبة الفقراء هذه مع نسبة الفقر في عام 2018. هذا النوع من المعايير تبين مدى التقدم الذي تحقق، وتسمح بتقييم السياسات التي اعتمدت لتحقيق التقدم. نفس المبدأ يستخدم في التعليم. فمثلا كم نسبة الخريجين الذين توظفوا خلال 12 شهر من تخرجهم في عام 2000، ونقارنه بنسبة الخريجين الذين توظفوا خلال 12 شهرا من تخرجهم في عام 2015. وان ننشر النتائج والسياسات التي اعتمدت لتحقيقها وتعريضها للنقد والتحليل والتعديل. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى نحتاج الى عقلية مختلفة في التعامل مع المعايير. العقلية الحالية هي محاولة تجميل الصورة باي شكل، فمثلا يقول وكيل وزارة الخارجية للشئون الدولية “… معربا عن شكره وتقديره للجهود التي تدفع الى تقديم الصورة المشرفة والحقيقية عن مملكة البحرين”. مثل هذه التصريحات تضع ضغوط على من يجمع المعلومات ويحللها بان يبين الصورة المشرفة وقد يتصرف في بعضها لإبراز الصورة وفق توقع المسئول، وكلنا يعلم ان المعلومات ليست محايدة، واذا وجد من يريد اظهارها بشكل معين فهي مطواعة. لكن في النهاية هذا يضر الدولة والمجتمع ويخفي مشاكل قد تتفاقم في حين انه كان يمكن ان تبرز ويتم علاجها.

التقرير الذي نريد يجب ان يبين مستوى التعليم الفعلي ولماذا مازلنا ننادي بضرورة تناسبه مع سوق العمل، التقرير الذي نريد يجب ان يبين من هي الفئة الأضعف في المجتمع (الطبقة الفقيرة ومحدودة الدخل) وكيف تأثرت بسياسات التنمية المستدامة، هل ارتفع مستواها المعيشي ام بقيت كما كانت ام تراجع وضعها وزادت نسبتها في عدد السكان؟ التقرير الذي نريد يجب ان يبين مستوى المساواة في الدخل والثروة ومقدار التفاوت وضرره على المجتمع. هذه قضايا يجب ان يظهرها التقرير وان تكون محايدة وواضحة ولا داعي لتحسين الصورة، فالصورة لا تشوهها الحقائق بل ان الحقائق تؤدي الى الإصلاح في المستقبل وهذا هو الأهم.

يطالب المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة ان يتضمن التقرير ثلاثة أمور، اولا مشاركة المجتمع في صياغة التقارير. ثانيا ان يتم تحويل اهداف التنمية الى رؤية واهداف وطنية يتباها المجتمع. ثالثا ان توضع آليات وإجراءات مؤسسية تتناول عملية تحقيق اهداف التنمية ومتابعة الأداء في الجهات المسئولة. وفق ما نشر في الصحافة فانه تم الاستعانة بالمجتمع المدني. السؤال هل كان ذلك في جميع المراحل؟ والى أي حد كان ذلك فاعلا ومؤثرا في وضع المعايير التي تبين التقدم في أسس التنمية الشاملة (الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والبيئية) المستدامة عمليا وليس فقط لتلبية متطلبات الأمم المتحدة، والى أي حد يستطيع المجتمع المدني والصحافة متابعة النتائج وتقييم الأداء والمحاسبة على التقصير ان وجد؟

mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *