نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٠٩ يونيو ٢٠٢١ – 02:00

مقال الاسبوع- تسعى دول الخليج الى التنويع الاقتصادي منذ السبعينات والى الان مازال الهدف في طور التحقيق. تقدمت الدول بعض الشيء لكن التحديات كبيرة واهمها اصلاح التعليم وتكريس الثقة في المجتمع وفي الشباب، وبدون وضع مؤشرات تبين تقدمنا في هذا الجانب تعلن بانتظام وتوضع السياسات الداعمة للمجتمع المدني للمشاركة في وضعها بكل حرية فان الطريق سيكون صعبا للغاية.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1253885

ناقشنا في الاسبوع الماضي التنويع الاقتصادي في الخليج وبشكل خاص في مجال التصنيع وتساءلنا عن مرتكزات هذا التنويع وآلياته التي ستدفع بالدول الخليجية نحو اقتصاد مستدام اقل اعتمادا على النفط واقل تاثرا بتقلبات اسعاره وبنتائج الحرب العالمية على التاثير المناخي للوقود الاحفوري والتوجه نحو بدائل الطاقة.

من الصعب القول بان هذا التوجه هو نتيجة لاستراتيجية خليجية واحدة تطبق دولة الجزء المتعلق بها من هذه الاستراتيجية. كنا نامل ان يكون هذا هو الواقع لكن لا توجد ادلة على مثل هذه الاستراتيجية المشتركة. فكل دولة طرحت بشكل منفرد رؤيتها للمستقبل في عدد من الرؤى (2030-2035-2021 الخ) وان كانت لا تخلوا من التشابه بسبب الظروف المتماثلة ولكنها لا تنطلق من رؤية مستقبلية خليجية موحدة. في الوقت نفس ، هذا لا يمنع ان يكون نجاح اي دولة هو نجاح للخليج بشكل عام بحكم الجوار والتفاعل والارتباط الاقتصادي القائم.

يحذر اقتصاديون من اعتبار مشتقات النفط جزء من التنويع الصناعي، فهو يعطي انطباع بان التنويع متقدم في دول الخليج اكثر مما هو فعليا. كما تنتقد الاوساط الاقتصادية اولا ضعف توفر المعلومات عن مؤشرات التنويع مثل تصنيف العمالة وفرص التوظيف في القطاعات غير النفطية، وعدم توفر معلومات عن مختلف الصادرات والقيمة المضافة وانتاجية العمالة في القطاعات المختلفة سواء كان في قواعد البيانات المحلية او في قواعد بيانات اخرى. وثانيا تقتصر معلومات الصادرات، والتي هي احد اهم المؤشرات، على عدد المنتجات المصدرة، الاسواق، والقيمة النسبية لكل منتج. هذا النوع من القياس يقدم معلومات خاطئة في حالة هيمنة منتج معين على الصادرات (النفط) تتذبذب اسعاره ويعطي انطباع بزيادة كبيرة في الصادرات غير موجودة بسبب ارتفاع السعر.

بالاضافة الى ذلك فان هناك معوقات للتنويع تفرضه طبيعة الاقتصاد الريعي وهو التوظيف في القطاع العام وكبر حجم القطاع العقاري وتوجه النظام المالي نحو هذه الاستثمارات بنسب كبيرة، وقلة نسبة الصادرات غير النفطية وتغليب القطاع التجاري للاستهلاك المحلي الممول بايرادات النفط. هذا بدوره يؤثر على نوعية وجودة التعليم وعلى الريادة والابتكار وتفضيل التوظيف في القطاع العام وفي توجيه اغلب الاستثمارات نحو مجالات متدنية الانتاجية. هذا التشابه في الاقتصاد الريعي ينعكس في الرؤى التي وضعتها الدول الست ويؤثر في زيادة المنافسة غير الحميدة فيما بينها ويضعف التوجه نحو التكامل.

لذلك لابد ان تتجه دول الخليج نحو التنويع بشكل اكثر منهجية وشمولية، ووضع نظام يقيم التنويع والتكامل ويحدد متطلباته. ثانيا تحفيز كبار التجار واصحاب رؤوس الاموال للتوجه نحو الاستثمارات الصناعية الانتاجية، وبناء القدرات لتوطين التكنولوجيا واستيعابها وانتاجها، وثالثا التوجه نحو الاسواق العالمية لرفع القدرة التنافسية المحلية، ورابعا توفير جهاز بيروقراطي صارم يدير رؤوس الاموال ويستخدم معايير واضحة لتقييم احقية الدعم واستمراره، وخامسا العمل على رفع مستوى استيعاب التكنولوجيا واستخدامها في تنوع المنتجات ورفع مستوى الانتاجية. ولكي تنجح مثل هذه السياسات لا بد من تغيير نوعية وطبيعة الحوافز الاقتصادية للقطاع الخاص لتشجيعه على التوجه نحو الانتاج والتصدير (IMF Survey-June 3, 2014). ويرى صندوق النقد الدولي من خلال المسح الذي اجراه  ان تغيير الحوافز ضرورة كون القطاع الخاص يعتمد على عمالة اجنبية لتوفير سلع وخدمات للسوق المحلي ويجد ذلك اكثر ربحية من المخاطر المصاحبة في التصدير للاسواق الخارجية التنافسية، اي اننا ازاء تغيير سلوك التجار ومن هنا تاتي اهمية فعالية الحوافز.

كذلك يحتاج هذا التوجه الى رفع مستوى المعرفة الانتاجية المتاحة والقدرة على التعلم من التجارب، ووضع نظام لتقييم المشاريع على مستوى الشركة ونظام لتقييم التنويع الاقتصادي على مستوى الدولة. وهذا المشروع ان كتب له النجاح يبدأ بوضع الغاية من التنويع، واهمها تحقيق الاستدامة. اي خلق اقتصاد قادر على توفير مستوى معيشة ومعايير اقتصاد كلي مستقر على مدى طويل لا يخضع لهزات او تقلبات آنية بشكل كبير. احد نتائج هذه الاستدامة خلق فرص عمل جيدة للشباب، ورفع المستوى المعيشي وتحسين جودة الحياة.

ادركت دول المنطقة ان التنويع لا يمكن ان يتم اعتمادا على القطاع العام لوحده بل لا بد من اشراك القطاع الخاص بشكل رئيسي. تقييم النجاح في التنويع يعتمد على عدد من المؤشرات منها مستوى تصدير سلع وخدمات متنوعة للسوق العالمية وليس مواد اولية مثل النفط والالمنيوم. مؤشرات اخرى يمكن استخدامها ضمن منظومة المؤشرات مثل نسبة العمالة (الوطنية الماهرة وغير الماهرة) في قطاعات تصدير السلع والخدمات والمحتوى المعرفي والتكنولوجي في هذه السلع والخدمات، وجودة فرص العمل وتنوعها؛ ومؤشر ثالث هو تعدد الاسواق التي تصل اليها هذه السلع ونوعيتها، هل هي اسواق مفتوحة تنافسية ام اسواق مغلقة احتكارية. ومؤشر رابع مستوى الانتاجية في هذه القطاعات ونسب زيادتها وارتقاءها التكنولوجيا. هذا يعنى اننا نحتاج الى اعتماد منظومة من السياسات لتنمية عملية تقدمنا في التنويع وتقييمها، بما في ذلك تعدد وتنوع المدخلات في الانتاج التي تعبر عن تنوع القدرات المعرفية والانتاجية وتعقيدها (complexity)، والاهتمام بعملية انتاج هذه القدرات وما تتطلبه من تعليم وبحث علمي وتطوير ومعارف واستخدام مؤشرات لتقييم تقدمنا فيها ونشر نتائجها.

واخيرا يتطلب الامر اشراك منظمات المجتمع المدني المعنية في وضع السياسات مثل غرف التجارة والجمعيات المهنية. هذا يعزز من تنمية رأس المال البشري والاجتماعي، ويرفع مستوى الثقة في المجتمع اذا صاحبه سياسات توزيع الدخل لمحاربة الفقر وسياسات ضمان اجتماعي (شبكة من الحماية الاجتماعية) عادل يقوم على اعادة توزيع الدخل والحد الادنى، ورفع مستوى الشفافية وسيادة القانون. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *