نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

التنويع الاقتصادي واستثمار الثروات الشخصية

في ضوء الوضع الاقتصادي في البحرين ووجود بعض القضايا التي مازالت تلح لإيجاد حلول لها مثل قضية تعديل قانوني التقاعد وقضية العجز في الميزانية والدين العام والبطالة بين الشباب. وفي ضوء محاولاتنا ومفاضلة خياراتنا للخروج من الصعوبات الاقتصادية. فان حاجتنا ستكون اكثر من مجرد زيادة في الرسوم والضرائب الحكومية لتحفيز الاقتصاد.

في هذه الظروف صدر تقرير عن بوسطن جروب يضع توقعاته خلال السنوات الخمس القادمة. ويقول في ملخصه ان الثروات القابلة للاستثمار في البحرين سترتفع بمقدار 4.5% لتصل الى 200 مليار دولار في عام 2022. وفي موضع اخر يقول بان نسبة الزيادة في الثروات الشخصية في البحرين بين عامي 2016 و 2017 وصلت الى 7% وان بعضها نما بنسبة 8% الى 12% في بعض السنوات. وان هذا النمو كان نتيجة تحسن أسواق المال. هذا يجعلنا نتساءل عن صندوق التقاعد ولماذا نموه لا يزيد عن 3%؟ 

يواصل التقرير بان الثروات القابلة للاستثمار قد نمت كذلك بواقع 7% في الأعوام من 2012 الى 2017 ولكنها قد تتباطأ في 2017 – 2022 الى 4%. وان ما يقارب 60% من الأصول القابلة للاستثمار تستثمر في الخارج. وباقي الأصول تستثمر في العملات والودائع وليس في خلق فرص عمل في البحرين. 

اما الزيادة في الرواتب ومعاشات التقاعد فان الزيادة فيها لا تتعدى 3% فقط ومعظم هذه الرواتب يتم انفاقها واستهلاكها في البحرين بينما معظم الثروات تستثمر خارج البحرين في الأسواق المالية العالمية والأخطر هو ان نسبة زيادة رأس المال تفوق 7% بينما زيادة الناتج المحلي لا يتجاوز 4% خلال الفترة نفسها، هذا يعني ان الفجوة بين الفقراء والاغنياء في اتساع متسارع وستتركز الثروة في يد فئة صغيرة، مع كل ما يحمله ذلك من خطر اختلال المجتمع. وقد وعدت الرؤية الاقتصادية بمضاعفة الرواتب في 2030، ونحن الان في منتصف المدة فماذا تحقق من زيادة؟

ينصح التقرير بان يتم استخدام جزء من هذه الثروات في تحسين الإنتاجية والتنافسية في البلد من خلال إقامة مشاريع صناعية إنتاجية. لكن هذه الثروات الشخصية لا تُقدم في الغالب على هذا الاتجاه ولا تجازف في مشاريع صناعية تحمل أي قدر من المخاطرة في الوقت الذي تضمن لها الأسواق المالية أرباح تتجاوز 5% سنويا. هذا يؤكد ما طرحناه في مقالات سابقة بان القطاع الخاص والثروات الشخصية لا يمكن الركون اليها في التحول نحو التنوع الاقتصادي والانتاجي. وتبقى الكرة في ملعب الدولة وهي المطالبة بإيجاد حلول لمشكلة البطالة ومشكلة العجز في الميزانية والدين العام والعجز الإكتواري وتزايد العمالة الوافدة والسائبة التي تستنزف نسبة كبيرة من الأموال وتنافس في سوق العمل على حساب شبابنا.

في نفس الوقت نجد ان تقرير مجلس التنمية الاقتصادية للربع الثاني يقول بان النمو في القطاع غير النفطي في البحرين ينمو بنسبة 4.3% ويقر بان ذلك ليس كافيا لتعويض الانخفاض في القطاع النفطي، لكن للأسف حتى هذا النمو هو مجرد نتيجة لانفاق حكومي على البنى التحتية، وليس نتيجة لصادرات بحرينية الى الخارج او تطوير في قدراتنا الإنتاجية.

الاستنتاج من ذلك هو انه يتوجب على الحكومة ان تعتمد على امكانياتنا وقدراتنا والميزات التنافسية المتوفرة في قطاع الالمنيوم والبتروكيماويات وقربنا من السوق السعودي والعربي وعلاقاتنا الدولية في تسويق منتجات صناعية. اما اذا اعتمدنا على القطاع الخاص كما هو وارد في رؤية 2030، فسوف يطول انتظارنا. 

البحرين امامها خيار اما ان تتجه لوحدها نحو التصنيع معتمدة على السوق الخليجية وعلاقاتها الخارجية لتسويق منتجاتها او تنتظر وتؤخر الحلول الى ان تنتهي المنطقة من صراعاتها وتحسين المناخ الاقتصادي الاقليمي. بعض الاقتصاديين يرون ان تتجه البحرين الى التصنيع ومنهم د. جعفر الصايغ الذي قال بان “الحل يكمن في تصحيح المنهج الاقتصادي بحيث يتحول اقتصادنا من الاعتماد على القروض والمنح والمساعدات والاعتماد المفرط على النفط الى الاعتماد على الذات والإنتاج المتنوع والاستثمار المحلي معتمدين على قدراتنا الفكرية والبشرية. بهذا المنهج ستخلق فرص العمل المطلوبة وسنحقق النمو المستدام”.

هذا الحل يتطلب وضع سياسة صناعية طموحة تركز على القطاعات التي حددها مجلس التنمية ومنها قطاع التصنيع. وان تكون السياسة مستندة على سياسة تنموية شاملة للجوانب الأساسية في التنمية مثل الجانب الاقتصادي والجانب السياسي والجانب الاجتماعي والجانب الثقافي. وان يكون الهدف من هذه السياسة هو المواطن البحريني وتحسين مستوى معيشته وجودتها بتعريفها الاوسع والاشمل، من خلال توجه تنموي اقتصادي مقنع تقوده الحكومة وان “تتشجع” القطاع الخاص باستثمار نسبة من هذه الثروات الشخصية.

التنمية بهذا التعريف ستكون عملية طويلة المدى تبدأ بتحديد نوعية المجتمع الذي نريد، وان نضع اهدافنا على قواعد سليمة خاضعة لمبادئ الحق والعدالة والمساواة والانصاف والتسامح وان نلتزم بتحقيق هذه الأهداف في زمن محدد مع تحميل مجلس التنمية الاقتصادية مسئولية ادارتها بعد تغيير مهمته ورسالته من مجرد الترويج لجلب الاستثمارات الخارجية الى جهة مسئولة عن تحقيق نتائج ملموسة في زمن محدد، وان يكون مساءلا عن هذه النتائج. هذا كذلك يستوجب احداث تحولات هيكلية في الاطار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وان يتوافق هذا الهيكل مع الميثاق الوطني وروح الدستور لبناء قاعدة إنتاجية وفق خطط طويلة الاجل ومتوسطة الاجل وقصيرة الاجل لتطوير إنتاجية القطاعات الصناعية وانتاجية الفرد والمجتمع. 

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *