نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. الحاجة إلى تجديد الخطاب الإسلامي 

  تاريخ النشر :١٢ أغسطس ٢٠١٥ 

 بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مقال الأسبوع- تجديد الخطاب الديني ركيزة أساسية في مساعي الوحدة الوطنية وان يشمل الجانب السياسي والاجتماعي

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13655/article/36957.html

 تجديد الخطاب الديني فكرة انبثقت في أعقاب أحداث سبتمبر 2001 عند تفجير برجي التجارة في نيويورك. تم تشكيل لجنة في وزارة الخارجية الأمريكية باسم «لجنة تطوير الخطاب الديني في الدول العربية والإسلامية» انتهت إلى توصيات يتم تبليغها الى الدول الإسلامية. كانت تلك الدعوات موجهة إلى حالة معينة وهي الإرهاب، ومن وجهة نظر مختلفة إن لم تكن معادية للأمة وبأهداف وغايات غير بريئة. العالم الإسلامي بحاجة إلى تجديد الخطاب من داخل المؤسسة الدينية ومن الأنظمة العربية لتخليص الأمة مما تعاني من أمراض لها علاقة بفهم الدين ومنها الطائفية والاتكالية وتهميش الفرد وعزله عن الشأن العام وتجهيله بأسباب التخلف الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، هذا لا يعني أن الدين مسئول عن هذا التخلف، لكن يمكن للدين أن يلعب دورا في التغيير لو أن الخطاب الديني توجه نحو معالجة القضايا التي تحول دون التقدم.

 الجريمة الإرهابية في مسجد عسير وغيرها من التفجيرات التي تحدث وتهز المجتمعات ليست جرائم عادية وإنما لها سببان، إما فكر تكفيري يعتبر كل «كافر» حلال سفك دمه، وإما قناعة سياسية ضالة ترى أن العنف سبيل إلى تحقيق مطالب سياسية. 

 فمثلا هناك تغريدة في التويتر لرجل دين يقول «لماذا يفجرون في المساجد ولا يفجرون في الملاهي»، مثل هذا القول الصادر من رجل دين يوحي بأنه في قرارة نفسه لا يعتبر حرمة لدم مرتادي الملاهي ويعتبرهم كفارا ويوحي بتحليل قتلهم، مثل هذه الإيحاءات لها خطورتها، وقد تكررت مثل هذه الإيحاءات من رجال دين آخرين، هذا من ناحية ومن ناحية ثانية نجد أن رجال الدين يركزون في خطبهم على إصلاح الفرد وإقناعه بالصبر وتكرار الوعظ في العبادات والأخلاق من دون تركيز على القيم الإسلامية الكبرى مثل العدالة والمساواة والحق التي تصلح المجتمع.

 في كتاب للدكتور محمد يونس بعنوان «تجديد الخطاب الإسلامي»، يتناول الكاتب قضية الخطاب الديني ونتائجه على المجتمع وليس على الفرد فقط ويتحدث عن تجديد هذا الخطاب من عدة جوانب: أولا يرى أن تحدد أجندة لتجديد الخطاب نابعة من حاجة المجتمعات الإسلامية والعربية وليس استجابة لضغوط أمريكية أو غربية، يدعو إلى امتلاك زمام المبادرة في عملية التجديد لإعادة الاعتبار لقدرات الأمة وكفاءاتها، عبر آلية جديدة للاجتهاد الجماعي تتجه نحو البناء وليس الدفاع عن الإسلام، مع استيعاب مقتضيات الواقع الاجتماعي للدول العربية والواقع الإقليمي والدولي. 

 ثانيا: أن ينطلق التجديد من القيم والتحديات التي حددتها حركات الربيع العربي لبناء الدولة مثل قيم الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية لإصلاح المجتمعات وتحقيق رخائها في مساواة وإنصاف، والتي فشلت النخب السياسية والدينية في تحقيقها. ثالثا: يطالب الكاتب بأن تكون البداية وثيقة الأزهر في جانبها السياسي المفضي إلى إصلاح المؤسسات الدينية وتحقيق استقلالها لتكون قائدة لمسيرة تجديد الخطاب. رابعا: إعادة بناء المسلم المعاصر ليكون إنسانا حضاريا فاعلا في مجتمعه ومنتجا وليس عالة على الآخرين، يفهم حقيقة الإسلام ومهمته وهي عبادة الله وتعمير الأرض. خامسا: خلق جيل يمكنه أن يحرك معاني المقاومة والممانعة ويؤسس لنفسية العزة وعقلية الاختيار الحر المسؤول في مقابل نفسية العبيد وعقلية القطيع.

 هذه العملية لن تتم بالتمني أو الكلام الإنشائي أو الدعوات غير المستجابة التي يطلقها العجزة، بل يرى الكاتب أن عملية البناء هذه تحتاج إلى أن يسبقها عملية هدم للكثير من المفاهيم التي ربت في الإنسان المسلم الاتكالية والنفاق والتزلف، وإزالة الركام الضار الذي تجمع على مدى قرون من الزمن خلق مجتمعا مفككا عبارة عن أفراد لا تجمعهم روح الجماعة ويفتقرون إلى الطموح والتطلع إلى المستقبل، خلق ذلك جيلا جُبل على الخنوع والقناعة والرضا وعدم طرح الأسئلة، جيلا ينظر إلى واقعه السياسي والاقتصادي والاجتماعي على أنه قدره ونصيبه من الدنيا، ووفقا لرؤية الكاتب فإن عمليات الهدم والبناء هذه تتم في خلايا جسم المجتمع لضمان بقائه وصحته ونموه وتطوره.

 هناك محاولات أخرى للتصدي لعملية «تجديد الخطاب الإسلامي»؛ فقد أطلق الأزهر الشريف دعوة لتجديد الخطاب تركز على التسامح الديني، ودعا إلى إصدار فتوى «تحرم على الشيعي أن يقتل السني وتحرم على السني أن يقتل الشيعي وتعزز ثقافة التعايش والسلام». هل مثل هذه الدعوات كافية لمعالجة الوضع؟ ثانيا هل تكفي مثل هذه الدعوات من دون أن تشمل تحريم قتل أي إنسان، وليس المسلم فقط، وكما قال الله تعالى «من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا». 

 يقول أحد الأزهريين في وثيقة تقدم بها لتجديد الخطاب الديني «إن تجديد الخطاب الديني في هذا الوقت المهم من تاريخ أمتنا أمر حتمي، وضرورة حياتية، نظرًا إلى ما تواجهه الأمة في عصرها الراهن من تحديات، وما تعيشه من حالة السبات العميق، الأمر الذي يستلزم إيقاظ الأمة وبعث قيم التقدم في الفكر الإسلامي في نفوس شبابها، وتقوية الجهاز المناعي لديها، وترسيخ الحصانة الفكرية والسلوكية لشباب الأمة».

 لذلك ينبغي أن يكون الجهد للتجديد عميقا يتناسب مع فداحة الانحطاط في الأمة الذي بدأ منذ القرن الخامس الهجري ومازال، وألا يقتصر على الخطاب الديني بل ينبغي أن يشمل الجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

 mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *