نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. الحوار واللحمة الوطنية مسؤولية مشتركة

تاريخ النشر : الأربعاء 10 سبتمبر 2012

 بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

تولدت قناعة لدى المجتمع بمختلف قواه السياسية بان هناك حاجة ملحة لحل الازمة وان السبيل هو الحوار بين المجميع وبمشاركة الجميع. كما ان الدولة وعلى رأسها جلالة الملك تنادي بالحوار، وسعت من خلال وزير العدل باخذ مرئيات الجمعيات. تطرقنا في مقالات سابقة عن اهمية الجدية في الحوار وضرورة وضع اهداف له تخرج البلد من ازمتها وتضغها على طريق الاصلاح.

لا يختلف المجتمع عن وجود مشاكل حقوقية وسياسية وتنموية اسهمت في خلق المشكلة وقد عبر عنها جلالة الملك في خطابه بمناسبة العشر الاواخر من رمضان وحددها بضرورة الارتقاء باحوال الناس “دون تمييز ولا اقصاء في ظل حكم القانون والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد بجميع اشكاله”.

لكن والاخطر، ان الازمة افرزت مشكلة كبيرة اصبح يعانيها المجتمع وهي الطائفية والانقسام على مستوى المجتمع وفي الصحافة ووسائل التواصل وبشكل فج وكاننا نعيش في بلدين، اصبحت المشاركة في تعزية فقد عزيز محط انتقاد. يحاول البعض معالجة هذا الانقسام من خلال الفعاليات الاجتماعية المشتركة. لكن هذه لن تجدي نفعا. كما ان هناك من يساهم في اذكاء هذا الانقسام اما بسبب استفادة شخصية واما فكر منحرف، او لتحقيق مكاسب انتخابية. ساهم الاعلام، وفقد البوصلة واصبح منقسما هو الاخر “وكل حزب بما لديهم فرحون”. تطورت في المجتمع مخاوف وهواجس ناتجة من سلوكيات معينة ومن استغلال فج للخلافات السياسية المشروعة وتحويلها الى قضايا مذهبية وربطها بقضايا اقليمية ودولية قليل منا يستطيع ان يبرئ نفسه من المساهمة فيما وصل اليه الوضع.

والسؤال الذي يجب ان يطرحه كل مواطن على نفسه، الى ماذا سيوصلنا هذا الوضع؟ هل سيعالج القضايا المعيية التي يعانيها المواطن؟ هل سيؤدي الى الاستقرار الذي تتطلبه جهود التنمية؟ هل سيغير من سياسات الدول الاقليمية او الدولية التي تسعى الى تحقيق مصالحه؟ هلي يمكن للمشكلة ان تختلفي بتجاهلها واعتبارها غير موجودة؟ وهل يمكن الركون الى ان الشعب البحريني واع وانه عاش في تآخ طوال عقود؟ هل سيؤدي السكوت والتجاهل الى معالجة الفساد؟ وهل يمكن التعويل على البرلمان لحل الازمة؟ وهل هو المكان المناسب بعد ان اصبح جزءأ من التجاذبات السياسية؟

ان استعادة اللحمة الوطنية تحتاج الى ان يتحمل الجميع مسئولياته متسلحين باليات جديدة وبفكر مختلف ومنهج يضع امامه حلولا عملية لا تستند الى افضلية احد على الاخرين ولا على صحة هذا التوجه او ذاك الطرف. ينطلق الحل من البحث عن الغاية المشتركة والفكرة الجامعة. القومية العربية كانت فكرة جامعة. الليبرالية كانت فكرة جامعة. اليوم الديمقراطية وحقوق الانسان والعدالة والمساواة كلها افكار جامعة لا يرفضها احد.

الحل يجب ان يكون على مدى بعيد ويساهم فيه جميع المعنيين الذين خلقوا المشكلة وخاصة الجمعيات السياسية ورجال الدين. لا نعتقد بوجود حل سريع لمشكلة الطائفية والتشظي وخطر الانفجار. لكننا نرى ان لدينا مسارين للحل. احدهما طويل الامد يركز على المجتمع ومعالجة الشرخ الذي احدثته الاحداث والمسار الاخر هو حل الازمة السياسية وما يرتبط بها من قضايا الحريات والفساد والتوزيع العادل وقضايا تدني الاداء الاقتصادي الناتج عن الازمة. ونجاح هذا المسار في معالجة اللحمة الوطنية يتطلب الكثير من النزاهة الفكرية والانصاف والعدالة والقبول بالاخر.

التوصل الى هذا الحل يحتاج الى تهيئة الاجواء. واول خطواته هو ان تدرك الاطراف وتبين للمجتمع ان الاختلاف المذهبي ليس وليد اليوم، فهو موجود منذ 14 قرنا كما انه كان موجودا في الستينيات والسبعينيات ولم يتسبب في تقسيم المجتمع كما هو الان. وان الظروف الاقليمية والدولية موجودة ولن تتغير مصالح الدول المحركة لها، وان اختلفت التحالفات الاقليمية. ثانيا ان عملية المصالحة الوطنية ليست ذات جدوى، فسلوك البحرينيين كافراد يدل على قناعتهم بان قضية المذاهب والاديان هي قضية شخصية تخص الانسان في علاقته مع خالقه. ثالثا ان تقوم كل جهة بدورها في تهيئة الاجواء لبدء الحوار.

هذا يتطلب ان تدرك الجمعيات السياسية من الطرفين ان هناك الكثير من الهواجس والمخاوف والمحاذير الناتجة عن الازمة اوجدت حالة من عدم الثقة. والتحدي هو التعامل معها بجدية وتفهم اسبابها. والتخلص من نزعة الدفاع عن النفس ورفض هذه المخاوف واعتبارها من صنع الاعلام فقط او بسبب عوامل خارجية. قد يكون ذلك صحيحا ولكنها موجودة وتسمم الاجواء وتؤخر امكانية التوصل الى حل واستعادة اللحمة الوطنية. والاهم ان عدم الجدية في معالجة الهواجس هذه يفقد المجتمع القدرة على الضغط والمطالبة السلمية بالحلو السياسية والعدالة الاجتماعية.

كذك على الدولة مسئولية كبيرة في تهيئة الاجواء لانجاح الحوار، ولا اعتقد اننا اقدر منها في معرفة ماذا ينبغي ان تفعل لاظهار الجدية في الحوار الذي اصبح مطلبا مجتمعيا. ان استمرار تحميل اي طرف لكامل المسئولية لن يعالج المشكلة وعلى الجميع الاقرار باخطائه وبدوره في هذا المازق وبالتالي فعليه مشئولية الخروج منه. يصاحب هذا الجهد، وفي نفس الوقت نرى ان يبدأ الحوار فيما بين الجمعيات السياسية وان تتوصل الى حل سياسي يقوم على الديمقراطية والدولة المدنية ليخرج البلد والمجتمع من مخاطر الانقسام، ومن ثم يعرض هذا الحل على الدولة لكي يكون مؤثرا وفاعلا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *