نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. الدعوة الاصلاحية  في تشكيل لجنة التحقيق

تاريخ النشر :3 يوليو  2011 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

في خطوة هامة ومفصلية في تاريخ البحرين وفي تطورها ونضالها نحو الديمقراطية اقدم جلالة الملك على تشكيل لجنة تقصي الحقائق فيما حدث في شهري فبراير ومارس. انطوت كلمة جلالته على محطات كبيرة للمسيرة الديمقراطية في البحرين كما انها اكدت على مفاهيم هامة تستحق ان نعرج عليها. اولا ان الغاية من فتح تحقيق محايد فيما جرى هي التصدي للاحتقان الطائفي واستعادة اللحمة الوطنية التي قد تستغرق جيلا كاملا والكثير من المبادرات لكي تمحوا اثارها.

ثانيا هي ان جلالته يريد من الحوار “استعادة الثقة وتوحيد الرؤى بغية ان نستمر في مسيرتنا لمزيد من الاصلاح”. وهنا لا بد ان نذكر ان الهدف من الاصلاح هو توفير حياة حرة كريمة للمواطن والتحرر من آفات الفساد والمحسوبية وتمكين المجتمع من خلق فرص عمل ومساواة في إشغالها مع توزيع عادل للثروة. هذه هي معاني الاصلاح للمواطن. اما تحقيقها فمن الصعب ان نجد وسيلة غير الاصلاحات الدستورية والسياسية التي تؤسس لثقافة المساءلة والصحافة الحرة الناقدة ولهذا امر جلالته بالحوار.

النقطة الثالثة في خطاب جلالته هي الاصرار على المضي في الاصلاح رغم ادراكه لما ينتاب الناس من خوف بان المسيرة الديمقراطية والانفتاح قد تؤدي الى “اختطاف المتشددين” من جميع الاطياف لهذه التجربة الوليدة، او ان تؤدي الى “الفوضى والتطرف”. هذا الخوف نستشعره في كثيرمن شرائح المجتمع وخصوصا الذين لا يربطون بين الانفتاح والاصلاح السياسي واهميته للتنمية الاقتصادية. نفس الذين يتخوفون من الانفتاح ويتهمونه بالتسبب في الفوضى هم انفسهم يطالبون بحقوق في الاسكان والتوظيف ومحاربة الفساد واصلاح التعليم والصحة. هذه الاصلاحات لا تتم الا من خلال الاصلاحات السياسية التي نوه عنها جلالة الملك. الكل يدرك ان هناك مخاطر وسلبيات لاي مسار يتخذه الانسان ومسار الديمقراطية له مخاطره ومساوؤه، ولكن فوائده اكبر واعم. اما سلبياته فيمكن التعامل معها من خلالا التوازن في المصالح والصحافة الحرة وسيادة القانون وحقوق المواطنة. لذلك يشدد جلالته على ان لا تكون مشاركتنا في الحوار مدفوعة من الخوف من الآخر، فذلك يشل فكرنا ويعيق حركتنا ويخفض سقف مطالبنا.

رابعا: ان المسيرة الديمقراطية التي نسعى جميعا لتطويرها بقيادة جلالته هي ليست ترف او تقليد لمفاهيم غربية بل هي مسيرة بشرية تسعى الى تعميم القيم الانسانية التي نشترك فيها كمسلمين واهمها تكريم الانسان وجعله غاية التنمية ووسيلتها. وقد اكد جلالته على اهم معانيها في توقيع البحرين على معاهدة حقوق الانسان. لم يعد بالامكان التخلف عن هذه الحركة التاريخية في التقدم نحو حرية الانسان وكرامته. لذلك فان مبادرة التحقيق المحايده متماشية مع هذا التيار الذي يجتاح العالم لينطلق منه الاصلاح فيعطي المجتمع قوته وقدرته على الرقابة واصلاح مؤسساته من خلال المشاركة الفعالة في القرار، وتمنحه فرصة الاندماج في المسيرة العالمية وحركة التاريخ التي نشهد تجلياتها في الربيع العربي نحو الارتقاء والمساهمة العلمية والعملية في اعمار الارض التي جعلها الله غاية الانسان.

خامسا: يتعهد جلالته في هذا الخطاب بالعمل مع قوى المجتمع لضمان عدم تكرار ماحدث، وهذا يتطلب من الجميع المساهمة في خلق الظروف الملائمة لمنع تكراره واول هذه الخطوات هو هذا التحقيق الذي امر به جلالته والحوار. بالنسبة للحوار فان انطلاقه يُقر بالبعد الموضوعي المحلي للاحداث. هذا يضع على الاعلام مسئولية كبيرة في الارتقاء الى مستوى تطلعات جلالة الملك والمجتمع في العمل على رأب الصدع ولم الشمل وايقاف بعض البرامج التي توحي بالتشفي وتساهم في شق الصف. فجلالة الملك يؤكد على “حرية التعبير بالطرق السلمية” كما يؤكد على “مشروعية المطالبة بالحقوق من دون ان يقابل ذلك بعنف” سواء كان ذلك عنف مادي او معنوي. ويعبر جلالته عن الحاجة للتغيير في هذا الاسلوب بالقول باننا “لا يمكن ان نسير في خطواتنا للأمام دون علاج هذه الجراح ومعرفة الحقيقة كاملة”. ومعرفة الحقيقة دائما تتطلب الحيادية في تعاطينا مع القضايا سواء كان في الاعلام اوغيره.

اما فيما يتعلق بالحوار فان جلالته طرح امرين هامين الاول يتعلق بالقضايا التي يتناولها الحوار والثاني هو الاستفادة من التحقيق في نسج المستقبل. بالنسبة للحوار فان جلالته ربط ذلك بمبادرة سمو ولي العهد عندما قال “دَعَوْنا إلى إطلاق حوار للتوافق الوطني ليكون امتداداً لدعوة سمو ولي عهدنا، وليشمل الجميع”. فهل يمكن ان نفسر ذلك على ان الحوار سوف يشمل المبادئ السبعة التي اطلقها سمو ولي العهد؟ فاذا كان كذلك فان ذلك يعتبر دعوة للمعارضة لنبذ التمنع والمشاركة في الحوار. اما النقطة الاخرى التي ذكرها جلالته فتتعلق بالنجاح في الحوار وفي المسيرة المقبلة وان “ندون فصلاً جديداً من تاريخنا يكون مفعماً بالنجاح وإرادة العطاء”. وينوه الى ذلك المستشار البسيوني (رئيس فريق التحقيق) في مقابلته “ان عملنا قد يصبح أساسا للاصلاحات في هذا المجتمع”، مما يشير الى ان الغاية الثانية من هذا التحقيق هو رسم طريق للاصلاح القائم على عدم السماح لتكرار ماحدث من خلال معالجة الوضع الداخلي واشاعة العدالة الاجتماعية وتعزيز حقوق الانسان وتوسيع الممارسة الديمقراطية والمساءلة والمحاسبة. هذا يدعونا الى مناقشة معايير النجاح للحوار سواء كان من وجهة نظر المواطن او المجتمع او الدولة، وهذا حديث آخر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *