نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. الدكتور جلال أمين وموقفه من الديمقراطية

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٠٦ ديسمبر ٢٠١٧ – 01:20

http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1100122

يقول الدكتور جلال أمين ان الحديث في المقابلة «أُخرج من سياقة وأن ما نشر غير دقيق ولا يعبر عن رأيه»!!

في مقال للكاتب السيد زهرة (أخبار الخليج 27 نوفمبر الماضي) بعنوان «عن أكذوبة الديمقراطية.. ما قاله الدكتور جلال أمين». ما هو المقصود من المقال وما هي الرسائل المراد إيصالها؟

يوحي المقال برفض الديمقراطية كنظام للحكم لكنه لا يقدم أي بديل ممكن يضمن استمرار تقدم ونمو الدولة وتجنب الصراعات العنيفة على الحكم التي صاحبت المسيرة الإنسانية عبر التاريخ قبل تأصيل الديمقراطية. 

فمنذ البداية والإنسان في صراع على الموارد وعلى الأرض وعلى الثروات لتأمين بقائه أو لفرض هيمنته. بحسب الفيلسوف هيجل فإن التاريخ انتهى في عام 1806 عندما انهارت الامبراطورية الرومانية المقدسة وأن الشعوب طورت أهم المبادئ والأسس التي تقوم عليها الدولة وهي الدولة القوية المحتكرة للعنف، وحكم القانون، والمساءلة. 

ليس مصادفة ان الثورة الصناعية بدأت في إنجلترا وهي أول دولة تحقق فيها هذه العناصر الثلاثة بعد الثورة المجيدة في 1688، هذه المبادئ هي التي تقوم عليها النظم الديمقراطية فلماذا نرفضها؟

الديمقراطية تتطلب دولة قوية ومجتمعا قويا يحقق التوازن بين الاثنين، وتتداول فيها السلطة، ومن يحكم، يحكم وفق القانون ويخضع له كباقي الشعب، ويخضع للمساءلة والمحاسبة على أدائه وعلى نزاهته واحترامه للملكية الفردية والمال العام. هذا لا يعني انتهاء الصراع والاختلاف في الدول التي اعتنقت الديمقراطية الليبرالية لكنه ليس صراعا مسلحا على الحكم بل على الموارد وعلى النفوذ والمصالح وفق قواعد دستورية متفق عليها مجتمعيا. فالحروب بين الدول الديمقراطية انتهت منذ الحرب العالمية الثانية، والتي كانت ضد ديكتاتور نازي وديكتاتور فاشي. هذا لا يعني ان الممارسات الديمقراطية خالية من العيوب لكنها أفضل ما يمكن وأمنت لمن اعتنقها الاستقرار وجنبته ويلات الحروب فيما بينهم. فالشعوب لا تتقاتل بل القتال كان مهنة الطبقة الارستقراطية والديكتاتوريات. نظرة لما يحدث في الوطن العربي يثبت ذلك! وقد يكون جوابا للسؤال: لماذا التخلف والحروب وعدم الاستقرار في دولنا العربية؟

الرسالة الثانية من المقال هي ان حرية الصحافة هي قضية يتاجر بها الغرب ولا يتمسك بها وأنه لا توجد حرية صحافة في أي مكان في العالم الغربي. هذا صحيح إلى حد كبير فالحرية المطلقة لا توجد، ولكل سياسته في وضع الحدود التي يقف عندها. الفرق هو ان القيود على حرية التعبير في الدول الديمقراطية توضع من قبل المجتمع ولا توضع من قبل أجهزة الاستخبارات. فالرأي العام يفرض القيم التي يقبلها المجتمع ولا يريد المساس بها وفق العملية السياسية البرلمانية. أي ان القانون يصدر وفق أسس ديمقراطية يتفق عليها وفق قواعد مقبولة مجتمعيا. 

ومع ذلك نقول إن الصحافة في الغرب تمكنت من نقد سياسات وسلوك وتصرفات أدت إلى استقالات واعتذارات. هذه المسؤولية المجتمعية تقوم بها مؤسسات وجمعيات وأحزاب أدت إلى كشف الكثير من فساد المسؤولين وتجاوزاتهم. ولا يمكن الاستدلال على عكس ذلك بما تكتبه جريدتا، (التايمز والتليجراف) ذوات الميول المحافظة بينما هناك جرائد أخرى ذوات ميول عمالية أو ليبرالية وهي تنتقد سياسات الحكومة والنظم الأوروبية.

النقطة الثالثة هي وجود خلط في المقال بين مبادئ الديمقراطية والممارسة التي تقوم بها الدول الغربية والتي تتعارض في كثير من الأحيان مع مبادئ الديمقراطية. هذا لا يجعل الديمقراطية، كمفهوم، مرفوضا ولا يصلح كنظام حكم. بل الإنصاف الأدبي يقود إلى القول ان الديمقراطية هي مفهوم وفكرة ومنظومة من القيم يمكن إساءة استخدامها وتوظيفها لخدمة مصالح معينة، هذا لا يجعل منها نظاما غير صالح، بل ينبغي التفريق بين مختلف التطبيقات للديمقراطية يعتمد على تاريخ الدولة وكيف تطورت القيم والمبادئ الديمقراطية داخل هذه الدولة وتفاعلت مع عملياتها الإنتاجية. لا تختلف الديمقراطية في ذلك عن آيديولوجيات ومفاهيم وأديان. فمثلا نجد ان الدين الإسلامي هو منهج حياة وقيم عليا واحترام للإنسان وكرامته وحريته في الاختيار. لكن الممارسات الإسلامية تختلف عن ذلك بكثير، فهناك من يقتل باسم الإسلام، وينتهج الإرهاب. بطلان الممارسة لا ينتقص من الإسلام كدين الحق.

ما توصّلتُ إليه من قراءة المقابلة والمقال أوصلني إلى استنتاج آخر هو ان الدكتور أمين كان «ينعي الديمقراطية ولا يرفضها»، فهو يقول «لا توجد ديمقراطية ولا حريات في العالم كله، بل العكس تماما، فالعالم أصبح يسير بكل قوة في عكس اتجاه الديمقراطية». أي ان الدكتور يرى ضرورة العودة إلى الديمقراطية والحريات بدلا من الابتعاد عنها. يدل على صحة هذا الاستنتاج ما ورد في تغريدة للكاتب الكبير علاء الاسواني الذي قال ان الدكتور جلال أمين لم يقصد ما نشر في المقابلة وأن الحديث «أُخرج من سياقة وأن ما نشر عن جلال أمين غير دقيق ولا يعبر عن رأيه» ويواصل الاسواني «ان جلال أمين أكد لي ان الحديث الذي أجراه غير دقيق» وأن «جلال أمين تبرأ من حواره مع جريدة مشهورة». 

السؤال الأخير الذي نطرحه: ما هو البديل؟ هل هي الديكتاتورية، أم العودة إلى النظم التقليدية، أم العودة بالتاريخ لاستدعاء الدولة الإسلامية في عصر الخلفاء الراشدين التي قامت على هدي الرسول الأعظم؟ للأسف هذه العودة لم تعد متاحة وما يطرح كبديل هي الدولة الإسلامية التي تنادي بها الجماعات الإسلامية القائمة على الإرهاب والفكر المنحرف الرافض للاختلاف؟

لذا علينا ان نؤمن بقدرتنا على تطوير نظام ديمقراطي يقوم على المبادئ الإنسانية التي وصل إليها التاريخ البشري والقيم الإسلامية (دين الحق) التي تنادي بالعدالة واحترام حقوق الإنسان وكرامته واحترام المال العام وتفرض المساءلة والشفافية والحوكمة الرشيدة. هذا ما تحتاجه التنمية وهذا ما يحقق الأمن والاستقرار وهذا ما يؤمن عدم تدخل الدول الأخرى في شؤوننا الداخلية واستخدامنا كساحات حروب.

mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *