نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. الدولة المدنية – مفهوما وممارسة

تاريخ النشر : 10 اكتوبر  2011 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

في جملة مفعمة بالامل يستهل سمو ولي العهد خطابه في بيت التجار مع المجتمع التجاري ويؤكد اهمية تكاتف اعمدة المجتمع الثلاثة من قيادة ومواطنين وقطاع خاص، داعيا الى “الانطلاق من جديد في بناء مستقبلنا”. فعلى اي اسس سيكون البناء بعد ان اهتز المجمتع واركانه باحداث فبراير ومارس، وكيف سنداوي جراح الوطن ومن سيبدأ الخضوع للعلاج في ظل مكابرة العديد من الاطراف. قوى المجتمع مُطالَبة اليوم بإيجاد معادلة مختلفة عما كانت سائدة لكي ينطلق من جديد نحو بناء مستقبل يمنح الأمل لشبابنا ويقود الى بناء الدولة الحديثة الجديرة بالتنافس في عالم القرن الواحد والعشرون.

مع بداية العام بدأ العالم يتحرك نحو رفض هيمنة القوى التقليدية وهاهي امريكا تنتفض رافضة هيمنة رجال المال والاعمال على الحياة السياسية وتجيير السياسات لمصالحها ورفضها التام لفرض ضرائب على رجال المال والاعمال وتقليص بدلا منه الخدمات المقدمة الى الطبقة الفقيرة والمتوسطة. هذا يدل على ان الانظمة الديمقراطية يمكن ان تنحرف في حالة استكانة المجتمع وقبوله بان ياخذ دور المشاهد بدلا من المشارك، المتلقي بدلا من المبادر، المهادن بدلا من الناقد. ان القبول بما يفرضه الساسة على المجتمع هو بداية الاستبداد سواء كان ذلك في مجتمع ديمقراطي او دكتاتوري اوشمولي، والنقد الجاد الايجابي والحراك المجتمعي المنظم السلمي في مواجهة السياسات الخاطئة في مهدها هو الضامن الوحيد لاستمرار مسيرة البناء دون عثرات مدمرة ومعطلة.

ان أسس بناء الدولة الحديثة الذي نريد ان تتشكل في البحرين هي الدولة المدنية التي اوردها معالي وزير الخارجية في مقابلته في جريدة الشرق الاوسط (29 سبتمبر 2011) حين اكد “أن مستقبل البحرين في دولة مدنية” واكبر معطل وتحد هو اعادة اللحمة الوطنية. ويرى ان في تقرير لجنة تقصي الحقائق فرصة مواتية سينتهزها جلالة الملك “لعلاج النفوس” وقيادة المجتمع نحو “الانطلاق الجديد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا”.

الانطلاقة الجديدة نحوالمستقبل كما اوردها سمو ولي العهد واكدها معالي وزير الخارجية بتاكيده على ان “شعب البحرين لديه مطالب حقيقية” نأمل ان لا تعيق تقدمنا نحوها “أمراض المنطقة المذهبية والفكرية والتخلف”. ومالم “نضع نفسنا على اعتاب بناء الدولة المدنية” فان المستقبل سيكون مظلما. اثبت التاريخ ان المجتمع المتنوع لا ينجح الا “تحت دولة مدنية تحفظ حقوق الجميع”، وان وضع اسس الدولة المدنية الحديثة يتطلب التخلص من ارث الماضي وان “لا نبقى أسرى أخطاء سابقة” وان نتقبل الآخر كما هو. 

فما هو مفهوم الدولة المدنية وكيف ستساهم في حل ازمتنا؟ يقول جون لوك: ان “سلامة الشعب هي السُنَّة العليا، مبدأ عادل أساسي لا يضِّل مَن أخذ به بأمانة قط”. ويجب أن تهدف “القوانين إلى غرض واحد أخير، هو خير الشعب … ولا يحق للسلطة التشريعية ولا ينبغي لها أن تُسَلم صلاحية وضع القوانين لأية هيئة أخرى أو تضعها في غير الموضع الذي وضعها الشعب فيه”.(خالد يونس، مؤتمر الدولة المدنية في لندن 2005). اي ان الدولة المدنية الديمقراطية مهمتها المحافظة على حياة كل مواطن في المجتمع بغض النظر عن دينه او جنسه او فكره، وتضمن له حقوقه وحرياته، كما تحفض له صحته ورخائه، فهي دولة المواطنة ولا مواطنة بدونها. لذلك لا بد من وضع اهداف للمبادرة التي نطالب بها الجمعيات السياسية، ومن هذه الاهداف: 

  1. تهيئة المجتمع وتقويته بزرع الثقة بين مكوناته، 
  2. تعزيز مسيرة الديمقراطية والمشاركة السياسية وحماية الحريات العامة والخاصة،
  3. وضع معايير ملزمة في جميع التعينات واسناد المهام. 
  4. محاربة الفساد والمفسدين.
  5. فصل الثروة والاعلام عن السلطات من خلال قوانين تنظم ادارتهما لضمان ذلك.

في خطاب الشيخ عبداللطيف المحمود الاول (22 فبراير) قال فضيلته اننا “نسعى لدولة ومجتمع يسودهما الحرية والديمقراطية وتلتزم بالقيم الإنسانية النبيلة التي تحافظ على الإنسان .. نريد أن نعيش آمنين مطمئنين في وطننا”. وفي خطابه الثاني ينادي بتثبيت “دولة الحقوق والواجبات للجميع .. وان الشعب والنظام شركاء في هذا الوطن”. وهذا لا يكون الا في الدولة المدنية الديمقراطية. كما طالبت قيادات المعارضة المختلفة بذات المطالب التي نوه عنها وزير الخارجية وان تجاوز البعض ذلك في تهور غير مبررة. 

يطرح الكاتب خالد يونس خالد (مجلة الحوار المتمدن، العدد: 1305) سؤال كيف تنجح الدولة المدنية في كسب ثقة المواطن؟ ويجيب ليس المهم التأكيد على المواطنة في دستور الدولة المدنية كقاعدة قانونية، بل الأهم تفعيلها في الممارسة العملية. ويواصل بان “المشاعر الوطنية المخلصة تجاه الدولة تتعمق في ظل الحرية السياسية والديمقراطية الليبرالية وبناء المؤسسات الديمقرطية المدنية، ولا يمكن ذلك في ظل دولة دينية او دكتاتورية او استبدادية”.

لذلك نرى انه لا بد ان تلتزم مبادرة الجمعيات المرتقبة بالاهداف التي وردت على لسان القياداة المختلفة واهمها تأصيل الدولة المدنية مفهوما وممارسة. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *