نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٠١ يونيو ٢٠٢٢ – 02:00

مقال الاسبوع – قصة نجاح سابك يعبر عن اهمية قيادة الدولة للتنمية وليس القطاع الخاص. القطاع الخاص محدود القدرات في دولنا الخليجية ومن الضروري ان تقوم الدولة بقيادة التنمية كما كان الحال في دول شرق اسيا وغيرها. نجحت سابك لانه حققت استقلال فعال عن تدخلات المتنفذين واعتمدت على كوادر قيادية نابعة من الشركة نفسها.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1297165

الدولة والتنمية الاقتصادية..شركة سابك نموذجا

بعد الحرب العالمية الثانية نشطت دول في تطوير نظامها الاقتصادي وقدرتها الانتاجية ومنها دول خرجت مهزومة من الحرب العالمية الثانية مثل اليابان ودولا حديثة التحرر من الاستعمار ورأت في التنمية حماية من تكرار التجارب المريرة مثل كوريا وتايوان، او دول نشأت حديثا بفعل التوازنات الاقليمية مثل سنغافورا او دول اكتشفت ثروات نفطية حديثة ورات ان تستثمر الثروات في تنمية مصادر اخرى للدخل والتنويع مثل دول الخليج. في جميع هذه الحالات كان للدولة دورا في قيادة التنمية. نجحت دول بدرجات متفاوتة وفشلت اخرى لاسباب مختلفة.

اتخذت دول الخليج طريق التنمية بقيادة الدولة وانشأت في السبعينات عدد من الشركات الانتاجية الصناعية معتمدين على الثروة النفطية كرأسمال من جهة وعلى المواد الخام البتروكيماوية والطاقة المتوفرة كمواد اولية من جهة اخرى. ضمن هذه المبادرات كانت شركة سابك (السعودية) في بداية هذه التجارب وبالتحديد في 1976 تاسست كشركة مملوكة للحكومة بمرسوم ملكي وبدعم من ولي العهد الامير فهد (قبل ان يصبح ملكا في 1982)، بهدف تنويع الاقتصاد في تصنيع مشتقات نفطية وتخصصت في البتروكيماويات والحديد والصلب والاسمدة الزراعية. تُمثل الشركة قصة نجاح في منطقة الشرق الاوسط من حيث نشأتها وهيلكها واستراتيجيتها وعلاقتها بالنخب في الدولة. فقد عمل الامير فهد على اعداد كادر وطني مؤهل، وبحث عن القدرات من الجامعيين السعوديين لاعدادهم لتولي المناصب القيادية في الشركة تم تعيين الدكتور غازي القصيبي على رأس الشركة وكذلك تم تعيينه وزيرا للصناعة والكهرباء في 1975، وتعيين الاستاذ عبدالعزيز الزامل رئيسا تنفيذيا للشركة. اصر الوزير غازي القصيبي على ان تعمل الشركة بادارة مستقلة عن القرارات السياسية وان تعتمد الكفاءة في التعيينات. وكان ذلك اول خطوات النجاح.

ثاني خطوات النجاح كانت باشهار سابك كشركة مستقلة هدفها الربحية، وان تختط لنفسها طريق يختلف عن سابقتها (بترومين) التي تم حلها فيما بعد. تَمثل الدعم الحكومي لسابك في قروض ميسرة من الاستثمارات العامة. في البداية لم تحصل سابك على تقييم عالي من الشركات العالمية التي لم تتحمس للمشاركة معها. سرعان ما تغير ذلك ومنذ الثمانينات (1979-1981) بدأت سابك في انشاء مشاريع بتروكيماوية بمشاركة مع شركات عالمية. بمنتصف الثمانينات كانت معظم الشركات في ينبع والجبيل (مدينتين صناعيتين تم انشائهما بمرسوم ملكي تحت قيادة الامير فهد) تابعة لسابك تقوم بانتاج الكيماويات والبلاستك ومواد البناء كبديل للاستيراد. كون مدينتي ينبع والجبيل وشركة سابك مرتبطة مباشرة بالملك فهد منحهم استقلالية ادارية وحماية من البيروقراطية الحكومية في ادارة المشاريع والشركات وتدخلات المتنفذين.

في 1993 كانت معظم المشاريع في الجبيل وينبع تعمل بنجاح. في 1993 تم وضع 25% من اسهم سابك للمساهمين السعوديين والخليجيين، في حين لم تنجح جهود الخصخصة لشركة بترومين التي تم حلها. تمثل سابك قصة نجاح لانها تمكنت من حماية نفسها من التجاوزات الادارية والمالية، وهذا عامل ثالث من عوامل النجاح، يعود بشكل اساسي الى علاقتها المباشرة مع رأس الحكم، وجهود وزراء صناعة قديرين، ووزيري مالية قريبين من رأس الحكم، وفروا لها الحماية من المنافسات في استغلال الشركة اداريا وماليا والاستفادة الريعية.

العامل الرابع في نجاح سابك هو انها اكتسبت سيطرة على قدرتها التنافسية ووضعت سياسة تنافسية في التوظيف يقوم على التفوق في المراحل الاكاديمية، والترقيات والتعيينات معتمدة على مبدأ الكفاءة. اليوم معظم الادارات العليا والرؤساء التنفيذيين هم من الموظفين الذين التحقوا بالشركة في 1976 وتم تدريبهم وتاهيلهم خلال خدمتهم بالشركة واكتسبوا قيم الشركة وتشربوا مبادئها الادارية وفهموا اهدافها واستراتيجيتها الساعية الى خدمة المجتمع والربحية والنمو. وصلت نسبة السعوديين في الشركة 85% في 2007 وبنت بذلك خبرات محلية ذات كفاءة عالية، ومع ذلك تمكنت من زيادة استقلاليتها التكنولوجية كما هو الحال مع ارامكو، وقامت بشراء شركات اجنبية بريطانية وهولندية لزيادة هذه الاستقلالية ونقل المعرفة. 

حافظت سابك على علاقة جيدة مع القطاع الخاص، لم تخلوا من بعض الخلافات حول تفضيلها التعامل مع السوق الخارجي. اضطرت الحكومة الى اجبار سابك على بيع بعض منتجاتها على السوق المحلي لتمكين التنمية الصناعية المحلية، ادى ذلك الى قيام صناعة وطنية في البلاستك (توليد صناعات مشتقة منها) وصل الى 800 شركة في 2008 من مختلف المستويات، ومنحتهم فرصة شراء اسهم في مشاريعها مثل ابن حيان للبلاستيك في 1984 ومشروع ابن رشد للفيبر الصناعي في 1993، وشراء شركة جي اي بلاستيك في 2007. اي انها اندمجت بنجاح في السوق المحلي وطورت قدراته التصنيعية، وهذا عامل خامس من عوامل نجاحها بالاضافة الى انها دخلت في شراكات مع دول خليجية اخرى.

كل من عوامل النجاح له اهميته الخاصة، غير ان الاهم تفاعلها معا والابتعاد عن التوظيف الايديولوجي والاستغلال الريعي لحشد الدعم السياسي الجماهيري. ساهم كل ذلك في النتائج والربحية التي تحققت بشكل مستمر دون خسائر، فقد زاد انتاجها من 13 مليون طن في 1992 الى 56 مليون طن في 2008، وحققت ربح بمقدار6.3 بليون دولار على مبيعات بلغت 40 بليون دولار او (15%)، مقارنة مع (9%) حققته مثيلاتها، متفوقة بذلك على معدل السوق.

قيام الحكومات بانشاء مثل هذه الشركات يمنحها قدرة وسيطرة على عملية التنويع الاقتصادي، وقدرة في ايجاد قطاعات واعدة تتولد من الصناعات الثقيلة عالية رأس المال، وتتخطى عقبة ضعف القدرة التمويلية للقطاع الخاص وتردده في الاستثمارات الكبيرة. فبالرغم من ارتفاع قدرته على التمويل مع الوقت الا ان ميله للخوف من المخاطرة مازال حاضرا، وطبيعته العائلية مازالت عوامل مؤثرة في ضعف الاستثمار الصناعي.

كذلك يمكن لمثل هذه الشركات الكبيرة ان تسهم في الميزانية العامة من خلال ريع اسهم الحكومة فيها. كما تسهم في توزيع الثروة ورفع مستوى معيشة المواطنين من خلال بيع اسهم للمواطنين باسعار مناسبة وباعداد محددة يستفيد منها نسبة كبيرة منهم، وتخفف بذلك على ميزانية الضمان الاجتماعي وتضيف عمق على سوق الاسهم المحلي.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *