نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. الديمقراطية .. حرية الرأي وحق الاختلاف

http://www.akhbar-alkhaleej.com/AAK/images/date_icon.jpg  تاريخ الكتابة :13 اغسطس ٢٠١٦


بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

مقال لم ينشر- الحكومات العربية هيمنت على المجتمعات واضعفتها فاضعفت الدولة وجعلتها في خدمتها ضد المجتمع!

يقدم العالم شرقه وغربه دروس في الديمقراطية ليس لنا كعرب ولكن لكثير من شعوب العالم التي مازالت ترزح تحت وطأة الحكم الشخصي التسلطي ايا كان مصدره. 

يأتي الدرس هذه المرة للاسف من العدو الصهيوني الذي يحتل الاراضي الفلسطينية على مدى اكثر من نصف قرن. فتاة تدعى تاير كامينر، عمرها تسعة عشر عاما حكم عليها بالسجن بسبب رفضها الخدمة العسكرية. 

تم اطلاق سراح هذه الفتاة بعد أكثر من 3 أشهر قضتها في سجن عسكري في إسرائيل. رفضت الفتاة الخدمة العسكرية ايمانا منها بعدم احقية الجيش في التعامل القاسي مع الفلسطينيين واهانة كرامتهم الانسانية في المعابر ومنعهم من ممارسة حياتهم، وشن الحروب عليهم بحجة الدفاع عن النفس. رفضت هذه الفتاة الخدمة العسكرية من موقف مبدأي يستند الى فهم لطبيعة الصراع العنفي الظالم وما يولده من كراهية وحقد بين الشعوب وبين الشعب الواحد. تقول البنت في مقابلة معها انها رفضت لان لها موقف من الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية.

رفضت لانها ترى ان الحرية والمساواة حق انساني يجب ان يتمتع به الجميع بما فيهم الفلسطينين. وكتبت قبل دخولها السجن “منذ سنوات لا يوجد أي تقدم في العملية السياسية، ولا توجد أي محاولة لجلب السلام، مع استمرار الطرق العسكرية العنيفة، فنحن نخلق في الطرفين أجيالاً من الكراهية ستفاقم الوضع، علينا وقف هذا، لذا أرفض الخدمة كي لا أكون جزءاً من الاحتلال للأراضي الفلسطينية، والجرائم التي تحصل للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال. هذا الموقف افضل بكثير من مواقف دولا عربية. هذه الفتاة التي رفضت الخدمة العسكرية لانها تنشد الحياة بمساواة وامن وحرية. هذه المساواة والامن والحرية يجب ان يكون للجميع لكي يعم الامن والاستقرار والسلام.

الدرس الذي علينا ان نستوعبه نحن العرب هو ما قالته الفتاة بعد خروجها من السجن في انها رفضت الخدمة العسكرية لانها تختلف مع “سياسة الحكومة” التي تعتمد العنف والقتل والتعدي على حقوق الغير. وتواصل قولها بانها ليست “خائنة لبلادها” بل تختلف مع سياسة حكومتها. هذا ما يجب علينا كعرب ان ندركه وهو الفرق بين الدولة والحكومة. الاختلاف مع الحكومة لا يمثل خيانة للدولة والوطن بل هو وجهة نظر يؤدي مناقشتها الى تعميق الفهم وتبيان اسباب الاختلاف.  موقف هذه الفتاة يذكرنا بموقف محمد علي كلاي الذي رفض الخدمة العسكرية بسبب رفضه الحرب الفيتنامية واعتبر حكومته معتدية على الشعب الفيتنامي، لكنه لم يوصف بالخيانة بل اصبح بطلا وطنيا في نظر المجتمع ولم ترفضه الدولة اوتعاديه. خضع حينها للقوانين المعمول بها ودخل السجن دفاعا عن مبدأ الحرية في الرفض وحق الاختلاف دون التخلي عن وطنيته.

الديمقراطية التي تبرزها هذه الفتاة، ومن قبلها كل من رفض سياسة حكومته، هي التي تعتبر الدولة ملك الجميع والحكومة هي سلطة تنفيذية تعتمد سياسات يمكن ان يختلف معها المجتمع او اي فرد منه دون ان يوصم بالعداء لوطنه او ان يتهم بالخيانة. 

من المؤسف ان نورد مثال من كيان خارج عن القانون مثل الكيان الصهيوني، لكن المهم هو سلوك البعض داخل هذا الكيان وكيف ينظمون مؤسسات مجتمع مدني ترفض الاحتلال وتساند الحق الفلسطيني وترفض المعاملة غير الانسانية التي تعتمدها حكوماتهم المتعاقبة. هذه المؤسسات المدنية في مجتمع مدني يقاوم حكومته حتى في وقت هي في حالة حرب. هذا المستوى من الفهم لحوق الانسان والكرامة الانسانية حتى وان لم تقر به الحكومة يكفي انها لا تستطيع منع المجتمع المدني من رفع صوت الرفض والاختلاف. وكما يقول احد المفكرين الفرنسيين “الحق في المقاومة هو الذي يضمن حرية المجتمع، والامتثال يضمن النظام” ونضيف حق الاختلاف يؤسس للعدالة والمساواة. فالمواطن الحر هوي الذي يستخدم الحجة في رفض سياسات الحكومة والحكومة العادلة والمسئولة هي التي تستخدم الحجة في فرض سياساتها.

لا يمكن ان يتم ذلك في الدول العربية. اكثر ما تقر به المجتمعات والحكومات العربية هو التسامح النابع من النظرة المتعالية. انا اتسامح معك واغفر زلتك، هذا ليس تسامح، فهو يقوم على فرضية ان الاخر مخطئ. هذا النوع من التسامح لا يؤدي الى السلام في المجتمع، فهو لا يتسع للتعامل مع الارهاب ولا يتسع لمعالجة التطرف ولا يتسع لمعالجة صراع المصالح. المطلوب هو التسامح القائم على الحق في احترام الاختلاف،  القائم على العدل كما وضعه ابن رشد، في قوله “من العدل ان ياتي الرجل من الحجج لخصومه بمثل ما ياتي بالحجج لنفسه”. او كما وصفه المعتزلة (اهل العدل) في قولهم “توفير حق الغير، واستيفاء الحق منه”. ويشمل ذلك الاختلاف السياسي والعقدي والمذهبي. 

هذا النوع من التسامح يحفظ سيادة الدولة ويجعلها في مكانها المحايد ولا تدخل في منازعات قوى المجتمع مع حكومته وايديولوجيتها وسياساتها التي اكسبتها شرعية الاداء والانجاز، والتي يمكن ان تفقدها اذا ما تعثرت في تحقيق متطلبات المجتمع، الحكومات التي تعتبر نفسها خادمة لهذه المجتمعات وليست سيده لها. سيادة مبدأ العدالة في المجتمع واحترام الحقوق وكرامة الانسان هي التي تضع حد لتجاوزات الكثير من الحكومات العربية.   

كثير من الصراعات العربية هي بسبب هذا الخلط بين الحكومة والدولة، هيمنة الحكومة اضعف الدولة، واضعف المجتمع وادى الى تسلط الحكومات عليها وعلى المجتمع. استخدمت الحكومات الجيش والقوى الامنية والاستخباراتية لفرض ارادتها على المجتمع واعتبار هذه الارادة وما ينتج عنها من سياسات هي ضمان المواطنة وشهادة الوطنية وكل من يختلف معها هو خائن لوطنه يستحق اقسى العقوبات.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *