نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. الديمقراطية في يومها العالمي

http://www.akhbar-alkhaleej.com/AAK/images/date_icon.jpg  تاريخ النشر :٥ أكتوبر ٢٠١٦


بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

في اليوم العالمي للديمقراطية ألا ينبغي ان نضع اللوم عينا ونقر بفشلنا في بناء نظم ديمقراطية فاعلة قادرة على تحقيق التنمية بدلا من إلقاء اللوم على المؤامرات والتدخلات؟ هل يمكن لهذه التدخلات ان تحدث لولا اننا فتحنا المجال لها بخلافاتنا وصراعاتنا؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/14075/article/42996.html

في الشهر الماضي (21 سبتمبر) احتفل العالم بيوم الديمقراطية، كان بودنا أن نشارك هذا العالم هذه الاحتفالية لولا أن العالم العربي يرزح تحت الحروب الأهلية التي تهدده بالانقسامات والمستقبل المظلم الذي ينتظره والاغتيالات وآخرها اغتيال الكاتب الأردني ناهض حتر الذي يعتبر مقتله تعديا على حرية الكلمة سواء اتفقنا مع ما يقول أم لم نتفق. القاتل هذه المرة ينتمي إلى فكر متطرف يرفض الرأي الآخر والاختلاف ويصر على التزام الناس بما يراه هو على انه حقيقة مطلقة واحدة. هناك جموع كثيرة في العالم العربي تشترك مع القاتل في هذه النظرة الاحادية إلى العالم، هذه الرؤية الاحادية إلى الحق والعدالة، ومنهم الكثير من مسؤولي ومثقفي العالم العربي. 
ما حدث ويحدث في العالم العربي من صراع على السلطة عرَّض ويعرض الأمة للكثير من التدخلات الخارجية وجعلها فريسة سهلة لكل المشاريع المتصارعة في المنطقة والتي تعمل من اجل مصالحها القومية والآيديولوجية والتوسعية. ومع ذلك نجد ان بعض الدول العربية تصطف مع هذه المشاريع لتقوية تمسكها بالسلطة. اختلت القيم في المجتمعات وأصبح المثقف يتلون وفق قرارات السلطات وسياسات الأنظمة أو يسرح في ريعها أو يخشى بطشها وجبروتها. 
الوضع الاستبدادي والقسوة في التعامل مع المختلفين وأصحاب الرأي المغاير والناقد أدى إلى انقسام مثقفي كل دولة إلى فريقين، فريق يروج للنظام ويصور البلاد التي ينتمي اليها على انها جنة عدن، ويصفها بالعدالة والحرية وحكم القانون ودولة المؤسسات والحضارة والتقدم والحداثة، وإن تطرق إلى نقد فلا يتجاوز نقده نتائج السياسات التي تنتهجها الحكومات لكنه لا يطول جوهر المشكلة. 
الفريق الآخر يصور النظام والدولة نفسها على انها دار الظلم والإخفاق التام ولا مجال لإصلاحهما ويُرجع كل مشكلة وكل نقيصة إلى النظام القائم. وتضاءلت من الساحة الفئة الوسطى العقلانية التي تنتهج الموضوعية في تناول قضايا المجتمع ونصرتها والمطالبة بالإصلاح ومحاربة المفاسد التي تنخر الدول والمجتمعات، وأصبحت هذه الفئة منبوذة لا يراد سماعها من أي طرف. تُوجَّه إليها سهام الطرفين في ثنائية ممقوتة، إما معنا وإما ضدنا. في حين ان هذه الفئة تحب الوطن ومستعدة للتضحية من اجله، وتميز بين الوطن وبين السياسات الفاسدة التي اوصلت الامة إلى هذا الوضع.
ما اوصل الدول العربية إلى هذه الحالة من الحروب والانقسام والتخلف الاقتصادي والعلمي هو الصراع على الحكم وما يفرزه من ضرورة رفض الصوت المختلف ورفض النقد واختراع تعريفات للمفاهيم والقيم الديمقراطية والإسلامية توافق هوى السلطات والطبقة المثقفة التي تروج لها. اصبح مفهوم العدالة مختلفا ومقتصرا على فئة من الشعب، اما الطبقات الحاكمة والمسيطرة على القرار فهي خارج هذه الفئة، كما لا يشملها حكم القانون ولا تخضع للمؤسسات. 
لا تستطيع الدول العربية ان تنكر ان النظام الديمقراطي هو النظام الامثل وأفضل ما توصل اليه الانسان بعد مسيرة طويلة، لذلك فهي جميعا تَدّعي الديمقراطية. هذا الادراك بافضلية الديمقراطية وسيادة القانون جعل كل دولة عربية تكتب دستورا وتجعل الشعب يتبناه بطريقة أو بأخرى، وتضع في الدستور العبارات المعروفة التي تدل على ان الشعب مصدر السلطات وهو المسؤول عن التشريع وأن العدل أساس الحكم، وتصور نظامها على انه نظام ديمقراطي خاضع لسيادة القانون وفصل السلطات وقمة في العدل والمساواة. وتسمح بتكوين أحزاب سياسية لتكملة الشكل الديمقراطي. 
بعد ذلك تسعى بعض دولنا العربية بكل الوسائل إلى تشويه معاني الديمقراطية. تنظم الانتخابات لكنها تعبث بأصوات الناخب وتستخدم كل أدوات الإغراء والترهيب لمنع الشعب من ممارسة سلطته كما يشاء وكما تمليه عليه مصالحه. تهيمن على السلطة التشريعية، فيتم وضع القوانين لإضعاف المجتمع المدني وسلبه قدرته في المشاركة في القرار ومناقشة القضايا المهمة التي تؤثر على مصيره. وتعيد تعريف النقد إلى نقد بناء ونقد هدام، فكيف يتم تحديد تعريف النقد البناء وما هي المعايير التي يتم هذا التعريف بموجبها ومن له الحق في وضع هذا التعريف؟ ومن يضع المعايير التي تحكم الجميع؟ توضع الاستراتيجيات والرؤى في معزل عن المشاركة الفاعلة وبعدها تعجز عن تحقيق نتائج، وفي غياب المساءلة تنفق الكثير من الأموال هدرا على هذه المشاريع. 
ما مر على الامة العربية من مآس كثيرة بسبب انظمة الحكم الاستبدادية الانفرادية، والمثل الصارخ على سوء العواقب هو غزو الكويت. هذا الغزو كان نتيجة مفجعة للانفراد بالرأي والحكم الدكتاتوري التسلطي «الأبوي». لم يستطع حينها أي عراقي انتقاد ذلك الغزو في الصحافة أو الاعلام العراقي ولم يتمكن أي إنسان من رفع صوت العقل تجاه هذه الهمجية. ومع ذلك كان النظام يصف حكمه بالديمقراطي وحكم الشعب وصوت الشعب. أصبحت الديمقراطية رداء لتغطية كل المظالم وكل أنواع الاستبداد. 
في هذا اليوم العالمي للديمقراطية وفي ضوء ما يحدث للأمة العربية من تشرذم وصراعات، ألا ينبغي ان نعيد النظر في سلوكنا وفي كيفية تعاملنا مع قضايانا ونضع جزءا من المسؤولية فيما يحدث لنا كأمة وكدول وأنظمة ومجتمعات وأفراد، وأن نقر بفشلنا في بناء نظم ديمقراطية فاعلة قادرة على تحقيق التنمية والتقدم، بدلا من إلقاء اللوم كله على الخارج وعلى المؤامرات والتدخلات؟ هل يمكن لهذه التدخلات ان تحدث لولا اننا فتحنا المجال لها بخلافاتنا وصراعاتنا؟ ألم يحن الوقت لتقبل الآخر وفتح الحوار معه ومشاركته في القرار وفي تحمل مسؤولية نتائجه بدلا من اغتياله جسديا أو فكريا أو معنويا؟
mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *