نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. الطائفية .. البحرين لا تتحمل كل هذا!!

تاريخ النشر :11 مارس  2011 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

يمر العالم العربي بحالة من الذوبان “عدم الاستقرار” الذي يسبق التغيير (اعادة التشكيل). والحالة الصلبة والذوبان واعادة التشكيل والتجمد من جديد هي نظرية في ادارة التغيير (كيرت لوين 1943)  تحدد مراحل التغيير الجذري في النظم والمكونة في ثلاث خطوات هي الذوبان، التغيير واعادة التشكيل، والتجميد. ولكل مرحلة من مراحل التجمد والذوبان واعادة التشكيل والتجمد لها قواعدها واسسها. وبموجب هذه النظرية فان المنظومة تكون في حالة صلبة تسير وفق القوانين الداخلية التي تحكم تفاعل وعلاقة مكوناتها. وبقدر ما بهذه القوانين من تناقضات اوعدم توازن ناتج من فعل البيئة المحيطة او من تغيير في طبيعة التوازنات داخل مكوناتها فان حالة عدم الاتساق تزداد الى ان تصل المنظومة الى درجة من تفاقم التناقضات فيحدث الانفجار الذي ينتج عنه حالة من السيولة وعدم الاستقرار الوقتي الذي يسمح باعادة التشكُّل واعادة رسم قواعد المنظومة لتعود بعد ذلك الى حالتها الصلبة (التجمد) والاستقرار.

بالنسبة للمجتمعات العربية يمكن ان يفسر عدم التوافق على انه مدى استعداد الانظمة على اقامة العدالة واحترام الحقوق والحريات في مقابل مدى تطلعات الشعوب في حياة حرة كريمة قائمة على العدالة والمساواة ومساهمة في التقدم العالمي. وكلما كانت الفجوة بين التطلعات واستعداد الانظمة كبيرة كانت تداعياتها اكبر واعنف. بالنسبة لنا في البحرين كما في الكثير من الدول العربية نمر في هذه الحالة من الذوبان التي تمنحنا فرصة اعادة تشكيل المجتمع لمعالجة حالة عدم التوافق والتوازن بين مختلف المصالح.

بالاضافة الى هذه الحالة الطبيعية التي نعيشها والتي مرت بها جميع المجتمعات في العالم في مرحلة معينة من تاريخ تطورها، فان مجتمعنا البحريني يضيف مشكلة اخرى تحتاج الى قدر كبير من الحيطة والحذر والتروي من المعالجة وهي ما نشاهده اليوم من شحن طائفي تغلغل في جميع مفاصل المجتمع ونخشى ان يخرج عن نطاق السيطرة اذا لم نتداركه. فاذا لم نضع حل لها وتُرِكت تحت السطح فانها قد تنفجر لتعود وتشل المجتمع وتشوه قدرته على التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

يبدو من الحراك المجتمعي ان هناك ادراك بفداحة هذه الظاهرة وخطورتها. الكثير من التجمعات المشتركة من مجالس واندية ومحافل مختلفة تقوم بمحاولات للتخفيف من الشحن الطائفي، لكن هذه الجهود وان كانت ضرورية وجادة وبنوايا حسنة فانها تبقى سطحية في معالجتها. كما اثبتت التجارب فشل محاولات البعض في الترويج للوحدة الوطنية من خلال الاحتفالات وتوزيع الاعلام في وزارة التربية والمحافظات. قضية الطائفية بجذورها التاريخية واسبابها السياسية والدينية تجد للاسف اطراف تغذيها لتستفيد من ابقاء الجذوة متقدة فتسخرها في اي وقت تشاء، خصوصا وان هناك اطراف ترى ان من مصلحتها اللعب على هذه مخاوف الناس اما من منطلق ديني مثل رجال الدين الذين يدعون امتلاك الحقيقة ورفض الاخر، او سياسي مثل وسائل الاعلام المحلية والاجنبية التي تنشر من جانب واحد.

هذا يقودنا الى التساؤل هل هناك امل لخلق نظام سياسي يخفف الاحتقان الطائفي؟ وهل نكتفي بما تقوم به المجالس ام انه بالامكان، ومن خلال الاصلاح الدستوري، خلق حالة من التوازن والعدالة والانصاف لكل مكونات المجتمع بحيث لا يشعر اي طرف بالتهديد والحاجة للاصطفاف الطائفي؟

ان مصدر الخلاف بين الناس لا يخرج عن خمسة امور؛ اما الفساد والتعدي على المال العام والمال الخاص والاستئثار بالثروة او سوء توزيعها؛ واما الخوف على النفس من التعسف والظلم والبطش والسلطة المطلقة وكبت الحريات؛ واما الدفاع عن المعتقد عندما يشعر الانسان بمضايقات او تمييز يمس معتقداته؛ واما الدفاع عن العقل وانتاجه الفكري وحريته في الابداع والابتكار ونشره بوسائل التعبير المختلفة؛ واما الدفاع عن مستقبل ابنائه (النسل) والاعداد لهم من خلال سياسات تنموية يشارك في وضعها وتمنحهم فرصة العيش الكريم. فاذا أمن الانسان على كل ذلك فكم ستكون نسبة الخلاف والصدام في المجتمع؟

ان الاطمئنان على كل ذلك يتحقق من خلال ما نادت به قيادات المجتمع المختلفة بمافيهم تجمع الوحدة الوطنية وهي انشاء دولة مدنية ديموقراطية ثابته لا تهمش ولا تقصي احد، دولة المواطنة القائمة على العدالة والمساواة امام القانون الذي شارك المواطن في وضعه من خلال ممثليه ويستند الى دستور عقدي يحمي الجميع. دولة المملكة الدستورية التي تحقق فصل الثروة عن السلطة وتحمي المال العام وتحارب الفساد، دولة المستقبل التي تمنح الشباب فرصة الدخول في المنافسة العالمية بدون تمييز وتكون اضافة للمجتمع الخليجي والعربي، دولة المؤسسات التي تكون الدولة منفصلة عن الحكومة وعن القوى السياسية الاخرى بقدر يشعر الجميع بان الدولة ملك له وفي المقابل يُصدِقها الولاء.

الفرصة امامنا اليوم، ونحن في حالة الذوبان واعادة التشكيل، لتحقيق كل ذلك ومعالجة الطائفية علاجا جذريا من خلال وضع الاسس لمثل هذه الدولة المدنية الديمقراطية وتقديم التضحيات والتنازلات من اجلها. اما ما يحدث من المناداة بالوحدة الوطنية دون تأسيس لهذه الوحدة قانونيا وسياسيا وديموقراطيا فهي دعوة فارغة لا تحمي البلد من خطر الطائفية المحدق بها، فهل سنملك الارادة السياسية لتحويل الاحلام الى واقع؟   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *