نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء 10 اغسطس 2022

مقال الاسبوع – لماذا تخلف العرب وتقدم الاخرون. في ذكرى الهجرة واستشهاد الامام الحسين الا يجدر بنا التفكر في وضعنا. الحضارة الاسلامية قامت على قيم انسانية واسلامية وعلى مبادئ ترفع شأن العقل والتدبر والبحث، وتعلي من قيمة الانسان وحريته وهي اساس وجودة. ما الذي حدث؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1304854

العالم الاسلامي ودروس الماضي

بمناسبة العام الهجري الجديد وذكرى استشهار الامام الحسين نرى ان تكون التطلعات للامام في طرح السؤال او تكرار طرح نفس السؤال الذي طرحه كثيرون  منذ منتصف القرن التاسع عشر احساسا بما وصل اليه العالم الاسلامي والعربي من تراجع عن ركب الامم المتقدمة وفي ضوء ما تعانيه الامة من تمزق وصراع وزيادة ضحاياها. كيف ننهض بالعالم الاسلام ونحيي القيم والمبادئ التي هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم لاقامتها وسار الخلفاء الراشدين على نهجها وضحى الامام الحسين من اجلها كما ناضلت لها الشعوب؟ هل يمكن ان نستفيذ من الماضي ونستحضر الاسس التي قامت عليها الحضارة الاسلامية في القرون الاربعة الاولى ونستدرك جذور التراجع ونعيد طرح السؤال متى بدأ التراجع ولماذا؟ 

طرح هذه السؤال حديثا الدكتور عقيل خان استاذ الكيميا البيولوجية، جامعة نجبور، مهاراشترا، الهند. يرى الدكتور خان ان المحرك الاهم لعجلة الاقتصاد هو التقدم العلمي والتغيرات التكنولوجية، وهما مصدران رئيسيان للثروة وتوفير حياة كريمة وتحسين جودة الحياة من جميع جوانبيها. المعرفة المتحصلة من الابحاث الاساسية تُستغل في الابحاث التطبيقية وينتج عنها ابتكارات وافكار جديدة وسلع وخدمات، تخلق قيمة اقتصادية واجتماعية وملكية فكرية ومعرفية ترتقي بالمجتمع، وهذا مصدر للثروة المستدامة، ومصدر للتقدم الانساني. لكنه في ذلك يغفل دور الدوافع والحوافز الانسانية التي تشكل الاحداث، ويغفل عن القيم والمبادئ الاساسية التي قامت عليها مفاهيم التقدم والتنمية، وتاثير الاصلاح الديني وانتشار حرية الرأي وحرية البحث وحرية النشر وحرية الاعتقاد والاختلاف، وتاثير الحركة الليبرالية التي اعلت من قيمة الانسان الفرد ورفض الظلم ايا كان وتكريس قيم العدالة والمساواة. كما يزدهر هذا المصدر باشتراك المؤسسات الحكومية والمنظمات الاهلية، والقطاع الخاص والعام والجامعات والصناعات في انتاج هذا الابتكار والتقدم. وهذه العناصر الثلاثة (العلم والقيم والمشاركة) تشكل في كليتها منظومة التنمية الشاملة المستدامة. وكلها من اسس التعاليم الاسلامية التي تراجع العمل بها.

لذلك وبالرغم من الماضي الاسلامي المجيد الذي ازدهرت فيه العلوم والتكنولوجيا والابتكارات في القرن الثامن الى الثالث عشر الميلادي،  لم يتم طرح السؤال حينها لماذا توقف التقدم في العالم الاسلامي، ولماذا فشلت القوى الحاكمة والقيادات النخبوية آنذاك في ادراك هذا التراجع، ولماذا لم تعي التقدم الذي يدور حولها في اوروبا في العلوم والتكنولوجيا والابتكار المادي والفكري والذي مثل تهديدا حقيقيا وخطيرا للعالم الاسلامي. لذلك، يقول الدكتور، ان العالم العربي الاسلامي (غالبية مسلمة) يواجه ازمة علمية ومعرفية حقيقة يشهد عليها النشر المحدود جدا في الابحاث العلمية.

 ما توصل له الدكتور وغيره من الباحثين ان المشكلة ليست في الدين الاسلامي بكل تاكيد. القرآن يحث الانسان على العلم والمعرفة وملاحظة الكون والتدبر فيه واستنباط قوانينه، وهذا ما فعله المفكرون الاوائل الذين نشط لديهم الفكر الحر والبحث والاختلاف والحوار. نتج عن ذلك عصر ذهبي ومجتمع كان مركز العالم العلمي في بغداد والاندلس. وفعلا كان علماء الدولة الاسلامية محيطين بالمنهج التجريبي والملاحظة والتحليل والاستنباط قبل عصر النهضة والثورة العلمية الاوروبية، وانتاجهم العلمي مازال متوفرا في مقررات جامعية وباللغة العربية التي كانت لغة العلم. يرى الدكتور خان بان الانحدار بدأ في 1258 ميلادي مع الغزو المغولي وسقوط بغداد. هنا نطرح السؤال لماذا تمكن المغول من غزو بغداد واسقاطها؟ والسؤال الاهم لماذا توقفنا عن طرح اسئلة التخلف والبحث عن اسبابه؟

لم تعد هذه الاسئلة وغيرها تُناقش في العالم العربي الاسلامي بنفس القدر الذي كانت تمثل مركز اهتمام مفكري القرن التاسع عشر والنصف الاول من القرن العشرين. فكان الطهطاوي وخير الدين التونسي ومحمد عبده والافغاني وعلي عبدالرازق وشكيب ارسلان وغيرهم. يطرح المستشرقون عددا من النظريات عن اسباب تراجع الامة. يدور كثير منها حول استغلال الدين في السياسية لكسب الشرعية والهيمنة على حرية الفكر ورفض الاختلاف. كما طُرحت فكرة اختراع المطبعة 1440 ميلادي التي رفضت الدولة العثمانية استخدامه ما يزيد على 250 سنة، فكانت سببا في التخلف الفكري. وفكرة الاصلاح الديني في القرن الخامس عشر وظهور المذهب البروتستانتي الذي عظم من قيم العمل والكسب واعتبره تكليف من الله. طرح البعض مرض الطاعون الذي قلص من القوى العاملة ورفع رواتب العمالة محفزا استخدام الالة. ويقول اخر مثل خالص جلبي فكرة اكتشاف الامريكيتين التي منحت الغرب ثراء غير مسبوق بينما ظل العرب حبيسوا البحر الابيض المتوسط. ماطرح من افكار لا تفسر ما حدث وانما قد تفسر جوانب كثيرة لسنا مجبرين على قبولها.

المسئولية الان تقع علينا لمعرفة الاسباب. لسنا مجبرين بقبول نتائج ابحاث الغرب، فالثقة مفقودة بين الطرفين. نحن مطالبون ببذل جهد خاص ومخلص يبحث عن الاسباب وينشر النتائج. هذا يحتاج الى امرين اولا بيئة منفتحة على جميع المطروح من الافكار وموضوعية في تحليلها لمعرفة اسباب الطفرة في تقدم الغرب في العلوم والتكنولوجيا وانتاج المعارف والابتكار. وثانيا تحليل اسباب تراجع الامة بعد العزة؟ او كما قال الاولون لماذا تخلفنا وتقدم الاخرون؟ هنا نحتاج الى المبادئ الانسانية والاسلامية التي اسست لها الهجرة في صحيفتة المدينة وسيرة الخلفاء الارشدين واتي ضحى من اجلها الامام الحسين وناضلت من اجلها شعوب العالم. تلك المبادئ الانسانية الاسلامية التي تعظم الانسان وتعلي من شأنه، وترفض الظلم والتسلط والغلبة. نحتاج ان نعيد مركزية العقل في حياتنا، ان نرفع قدر العقل والتفكر في خلق الله، وان نؤمن بصدق في حرية التفكير والبحث والنشر حتى وان اختلف مع مسلمات الموروث البشري. وان نحرر الفكر الديني من القيود والسياسة واغلال الماضي، نحتاج الى الصدق والاخلاص مع النفس ومع الاخر.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *