نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. لعدل والمساواة وعلاقتهما بالأمن والتكامل الاقتصادي

تاريخ النشر :٧ يناير ٢٠١٥ 

 بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13438/article/875.html

في هذه الأيام التي تتسارع الأخبار عن انخفاض أسعار النفط يشعر المواطن في دول الخليج بكثير من القلق إزاء مستقبل المنطقة التي أصبحت مرتهنة لتقلبات أسعار النفط. النفط كونه سلعة استراتيجية فإن الدول الكبرى تتدخل في جميع مراحل إنتاجه وتحديد أسعاره ومستعدة لخوض الحروب للحفاظ على إمداداتها منه وثبات أسعاره في نطاق يناسبها. الاقتصاد الخليجي وبعد مرور عقود من الزمن مازال يعتمد وبشكل كلي على هذه السلعة. خطورة الوضع لا تنحصر في دول الخليج فقط بل تشمل جميع الدول العربية التي بشكل أو بآخر متخلفة اقتصاديا، تعتمد إما على تصدير معادن وإما غلات زراعية وإما سلع ناضبة وإما تحويلات من عمالة في دول الخليج أو على مساعدات من دول الخليج ودول غربية. 

 برنامج الأمم المتحدة في شهر يوليو 2014 أصدر تقريرا، من جملة تقارير كثيرة، يحذر من خطر الاعتماد على سلعة واحدة تحت عنوان «التكامل الإقليمي مفتاح التنمية المستدامة في الدول العربية»، ويطالب الدول العربية بتبني التكامل إذا أرادت الإسراع في تقدمها نحو أهداف الألفية الثالثة. في المنتدى السياسي حول التنمية المستدامة الذي شارك فيه عدد من الدول العربية، تقول ولاسيما باهوس، مدير مكتب برنامج الأمم المتحدة للدول العربية، تقول إن الدول العربية تدرك أهمية التكامل الاقتصادي لتطورها وبقائها ولكن مازال هناك مجال كبير للتطوير وأبواب كثيرة لم تطرق. وما لم يتحقق ذلك فإنه لا يمكن للدول العربية تحقيق أي نوع من التكامل الاقتصادي. أي أن القيادات العربية تدرك وجود التخلف لكنها إما عاجزة عن المعالجة وإما انه ليس أولوية بالنسبة لها. في هذا المنتدى ناقش المجتمعون أهمية تعديل وتحديث أهداف الألفية الثالثة. يأمل المنَظمون استكمال المشاورات حول وضع إطار تنموي يستفيد من المشاركة الجماعية ويبني على النجاحات التي تحققت في الأهداف الألفية السابقة والتي وضعت في 2001 والتي تنتهي في 2015. 

 جَمَع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الجهات المعنية من القطاع الخاص والقطاع العام من تسع دول عربية في هذا المنتدى للتوافق على إطار الأولويات لما بعد 2015. رأى المشاركون في هذا الاجتماع ان الإطار الجديد يجب ان يعتمد عل مبادئ أساسية هي العدالة والمساواة والسلام لكي يتحقق التقدم الاقتصادي. وكأنهم يقولون لا يمكن فصل السلم والأمن والسلام عن العدالة والمساواة والتقدم الاقتصادي. وهذا ما يجب ان يدركه كل مسئول في جميع دولنا العربية والخليجية والبحرينية بشكل خاص. أما الأساس الثاني الذي اتفق عليه المشاركون فهو ضرورة ان يشمل إطار العمل الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية. وبناء على ذلك فإن جميع المشاركين أقروا بوجود تلاحم شعبي في المنطقة العربية وما ينقصه هو تلاحم أنظمة. 

 هذه المداولات وما تمخض عنها من مبادئ وأسس سوف تنعكس على أهداف الألفية الجديدة. يرى منظمو المنتدى المزمع إقامته في تونس خلال هذا الشهر (يناير 2015) ان لدى الدول العربية فرصة للتحرك نحو التكامل، لكن هذا التفاؤل لا يستند إلى أي بارقة أمل حتى في الدول المستقرة مثل دول الخليج. 

 منطق التكامل الاقتصادي لا يقتصر على الدول العربية ويجب ألا يستهدف فقط أهداف الألفية التي في كثير من جوانبها لا تنطبق على دول الخليج مثل خط الفقر والتعليم والصحة. بعد ما حدث في العالم العربي من ثورات وتطورات إقليمية وصراعات يتوجب على دول الخليج أن تدرك أن مستقبلها يكمن في قدرتها على الاستقلال الاقتصادي لتحرير قرارها السياسي. هذا لا يعتمد فقط على تكاملها الاقتصادي فيما بين دول مجلس التعاون ولكنه وبقدر كبير يعتمد على تكاملها الاقتصادي مع منظومة الدول العربية. أثبتت الأحداث التي مر بها العالم العربي ان الامن والاستقرار الذي تنشده الدول والشعوب وأنظمة السلطة له عدة عناصر أهمها العدالة والأنصاف والمساواة على المستوى الإنساني وكذلك عنصر الإصلاح السياسي على مستوى الشعوب والتنمية الاقتصادية على مستوى الدول. 

 هذه الأسس التي تقوم عليها التنمية مترابطة ولا يمكن التقدم في أحدها من دون تحقيق تقدم في عناصرها الأخرى. جميع الدساتير العربية والخليجية تضع قيمة العدالة أساسا للحكم ولكن بعض الأنظمة تتجاهل هذه القيمة المهمة التي تأسست عليها الشرائع السماوية والدساتير الوضعية ولا تختلف عليها أي ثقافة من الثقافات العالمية. 

 تسعى بعض الدول إلى استبدال ذلك بمفهوم الأمن والاستقرار ليكون أساس الحكم وهذا لن يحقق أمنا ولا عدالة ولا تنمية. حدوث اضطرابات في أي دولة عربية يؤثر في دول أخرى ودول الخليج ليست بعيدة عن هذا التأثير، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن إشاعة العدل من شأنه ان يخلص الأمة من التطرف والانقسامات في المجتمعات وتغليب الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية. من ينشد الأمن يجب ان يحقق العدالة، معادلة سماوية وناموسا كونيا.

 أمام دول الخليج كل على حدة ان تهيئ مجتمعاتها للتكامل من خلال أولا وأخيرا إشاعة العدل والمساواة لتحاشي الهزات التي تصيب من يتجاوز هذا القانون الإلهي. متى ما تحقق ذلك فإن الأمن نتيجة حتمية والتكامل سوف يكون ممكنا لأنه لن يبقى ما يقلق.

 mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *