نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

29 العلاقة الصينية العربية والتحول نحو الدولة الصناعية

نتساءل ماذا يمكن ان يتمخض عن منتدى التعاون الصيني العربي الذي عقد في 10 يوليو 2018 وحضرته قيادات عربية مع الرئيس الصيني؟ وكيف تستفيد الدول العربية من التقدم العلمي والصناعي الصيني؟ يقول الرئيس الصيني انه وجه دعوة لدول الوطن العربي للتشارك في بناء “الحزام والطريق” واليوم يحمل لهم مستقبل افضل للتعاون الصيني العربي. فما هي طبيعة هذا التعاون؟ وهل يمكن ان يؤثر على التنمية في الخليج؟

سيوقع الطرفان الإعلان التنفيذي للتعاون الصيني العربي وتُعلَن الشراكة الاستراتيجية القائمة على التعاون الشامل والتنمية المشتركة والتصنيع لمستقبل افضل. ويعبر الرئيس الصيني عن انطلاقة جديدة للصداقة والتعاون بين الجانبين اسماها “الطريق والحزام” تتلخص في ثلاثة اهداف هي، صيانة السلام والاستقرار في الشرق الأوسط؛ الدفاع عن العدالة والانصاف والدفع بالتنمية المشتركة لفائدة الطرفين؛ وبذل جهود لبناء مجتمع عربي صيني بمصير مشترك. وتقوم على أربعة مبادئ هي الثقة المتبادلة والنهضة والمنفعة والتسامح.

المبدأ الأول، تعزيز الثقة الاستراتيجية المتبادلة، تبدأ بإزالة العوائق التي تحول دون السلام والتنمية. يكون ذلك بالتعاون في تكريس أسلوب الحوار والتشاور بين مختلف الدول العربية وشعوبها حيث ان الأمور متشابكة تستدعي مشاركة الجميع شعوبا ودولا ولا يمكن لاحد الانفراد بالقرار، مع الالتزام بمبدأ السيادة ورفض الاستقطاب والانفصال. يكون ذلك من خلال مكافحة الإرهاب والتكامل وتحسين معيشة الشعوب على مختلف الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ويقدم الطرف الصيني قروضا بقيمة 20 مليار لدعم نهضة صناعية ومساعدة في اعمار اقتصادي وانشاء مشاريع لخلق فرص عمل، بما في ذلك مساعدات إضافية للدول التي تحتاج الى إعادة اعمار بعد الحروب الاهلية.

اما فيما يتعلق بالمبدأ الثاني، تحقيق حلم النهضة العربية، فسيقوم الطرف الصيني ببناء شبكة الموانئ العربية وشبكة سكك الحديد وشبكة لوجستية تربط اسيا الوسطى بشرق افريقيا والمحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط، أي أولا: انشاء ممر اقتصادي وتطوير الصناعة والخدمات البحرية. ثانيا: انشاء ممر فضائي للمعلومات وتطوير التعاون في مجال الفضاء والملاحة عبر الأقمار الصناعية. ثالثا دفع التعاون في مجال النفط والغاز والطاقة قليلة الكربون والتعاون في سلسلة صناعة النفط من التنقيب والاستخراج والتكرير والتخزين والنقل. رابعا: تطوير الصناعات الخضراء والاستخدام السلمي للطاقة النووية والطاقة الشمسية والمائية والهوائية.

تحقيق المنفعة المتبادلة والكسب المشترك، المبدأ الثالث، سيعتمد على التزام الصين بتعميق الإصلاح الشامل والانفتاح الداخلي والخارجي وبناء الوطن على أسس متينة. هذا سوف يشمل إصلاحات سياسية تقوم بها الدول بمشاركة شعوبها لكي تستفيد من واردات الصين التي تبلغ ثمانية تريليونات دولار واستثماراتها في الخارج التي ستصل الى 750 مليار دولار. هذا سوف يتيح فرص تعاون مع الدول العربية، والعمل على تقديم قروض ميسرة لتطوير المناطق الصناعية بمشاركة شركات صينية لتساهم في بناء العملية الصناعية.

المبدأ الرابع، تعزيز التسامح والتنافع، يتم من خلال انشاء “مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية” ليعمل على استعادة التعاون الذي كان بين الحضارتين العربية والصينية. وسوف يسعى المركز ليكون منصة فكرية لتبادل الخبرات في الإصلاح والانفتاح والحكم الرشيد والإدارة الفعالة، يخدم الجانبين من خلال نشر السلام والتناغم واحقاق الحق وحسن تنظيم الحوار بين الحضارتين واقتلاع التطرف بأشكاله المختلفة ومنها الديني والسياسي والثقافي. كذلك ستقوم الصين بدعوة مبدعين وعلماء شباب وتقنيين وشخصيات دينية وحزبية لزيارة الصين وستوفر عشرة آلاف فرصة تدريبية للدول العربية. وسوف تؤسس مركز صيني عربي للتواصل الإعلامي ومشروع المكتبة الرقمية العربية الصينية وبناء شبكة انترنت تعمل ضد التطرف ونشر الكراهية.

ويختم الرئيس الصيني، بان الصين ودول المنطقة سوف تسعى الى السلام والإصلاح والتنمية وتلبي تطلع شعوبها الى الاستقرار والأمان والسعادة. ويحث الحكومات التجاوب مع تطلعات شعوبها بصدق لتحقيق النهضة الشاملة وحسن توزيع الموارد وتوظيفها. ويرى نبذ الانفراد بالقرار وتحقيق الامن والاستقرار للجميع بعيدا عن عقلية الغالب والمغلوب وتمجيد الذوات. وبذلك ستكون التنمية مفتاح لحل كثير من مسائل الامن والحوكمة وتسريع خطوات التقدم.

في نفس الفترة كتب الدكتور عمر العبيدلي (مركز الدراسات الاستراتيجية والطاقة)  مقالا بعنوان “أهمية الاستثمار في التصنيع”، يقول فيه بان البحوث الحديثة تقول بان تحقيق مستوى معيشة رفيع يتطلب الدخول في تصنيع السلع الأساسية وذلك لأهمية دورها في التطوير التكنولوجي وخلق قاعدة صناعية تحقق تنويع الاقتصاد الخليجي. وان هذا التطور يحتاج الى استثمار في البحث والتطوير لصيق بالصناعة والتنمية. اما قطاع الخدمات فلا يؤدي الى القفزات التكنولوجية المطلوبة لتحويل اقتصاد الخليج من الطابع الريعي الى الإنتاجي. تنسجم هذه النتائج مع التوجه الصيني العربي الذي يركز على الصناعة لتنويع الاقتصاد والخروج من مأزق الدولة الريعية.

المشكلة التي تعاني منها الدول العربية، وفق هذه التقارير، هي تردد البنوك الأجنبية في تمويل مشاريع الطاقة المتجددة التي تتوجه لها بعض الدول العربية مثل الأردن والمغرب والامارات. البديل هو الاعتماد على مؤسسات التنمية العربية. ومع توقف البنك الدولي عن تمويل أي مشاريع في النفط والغاز بعد عام 2019 فان مؤسسات التمويل العربية يصبح لها أهمية كبيرة لثلاثة اسباب. أولا ان التنمية والطاقة متلازمتين. ثانيا ان هذه المؤسسات ملتزمة بمعالجة التغيير المناخي، ثالثا الاستثمار تحفه مخاطر ويتطلب تمويل طويل المدى.  فهل التوجه الصيني الاستثماري سيسهم في معالجة هذه المخاطر ويتجاوز العقبات التي تقف امام الدول العربية والخليجية في التحول نحو الدولة الصناعية المنتجة؟ وهل الدول العربية قادرة على تبني حقيقي للانفتاح والشفافية والنزاهة لجعل هذا التحول سلس ويدار بعقلية تشاركية تعزز الإصلاح السياسي الضروري لهذا التحول؟

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *