نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. العلم  و الامن القومي لمجلس التعاون .. رسالة ثالثة!

تاريخ النشر :11 ابريل  2011 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الثورات التي تجتاح العالم العربي قد يكتب لها ان تغير حياة الملايين وتطورها نحو الافضل وقد تخلق واقعا جيوسياسي مختلف في المنطقة. لكن هناك ثورات اكبر تختمر في العالم اكثر عمقا واتساعا في تداعياتها وقد تغير حياة البلايين من الناس وتبدل الواقع الجيوسياسي على الارض. هكذا بدأ ديفد روثكروف مقاله في مجلة السياسة الخارجية (Foreign Policy) العدد  29 مارس 2011. 

ويواصل بان بوادر الثورة الكبرى هي أكثر هدوءا واقل ظهورا في الاعلام وتتمثل في خبر صغير مفاده ان الصين سوف تتخطى الولايات المتحدة الامريكية خلال سنتين في مؤشر مهم جدا من مؤشرات التقدم العلمي وهو عدد الابحاث المنشورة سنويا. ففي عام 1996 انتجت امريكا 290 الف ورقة علمية في حين انتجت الصين 25 الف فقط، (اقل من 10%). وفي عام 2008 كان انتاج امريكا 316 الف ورقة علمية والصين 184 الف. وعلى هذا الاساس فانه في عام 2013 سوف تتخطى الصين الولايات المتحدة وكل دول العالم في انتاج المعرفة العلمية. والسؤال هو كيف تمكنت الصين من هذا الانجاز الذي يعتبر باروميتر للقدرة التنافسية والنجاح الاقتصادي؟

الصين جعلت العلم وانتاج المعرفة من اأهم اولوياتها وزادت الانفاق العلمي بما يفوق 20% سنويا منذ عام 1999، والان بلغ الانفاق على البحث العلمي والابتكار اكثر من 100 مليار سنويا، وبلغ عدد الخريجين في العلوم والهندسة مليون ونصف سنويا. هذه البيانات لها تداعيات على عدة مستويات. اولا انها تشير الى تحول هام وعميق قادم في توازن القوى الفكرية بين امريكا والصين، هذا التحول العلمي ارتبط تاريخيا بالحيوية الاقتصادية وبتحول في توازن القوى الاقتصادية والتي بدورها تؤثر في  توازن الثقل السياسي والعسكري لصالح الدول التي تقود الحركة العلمية. ثانيا انها تنبئ بمستقبل افضل للصين ولمنطقة شرق آسيا. وثالثا فانها تخبر ببداية تقليل النفوذ الامريكي العالمي. اما بالنسبة للعالم العربي الذي يجاهد اليوم من اجل حياة افضل، فان الثورة العلمية هي افضل واقصر طريق نحو الاصلاح والتغيير الحقيقي، ونحو العزة وفرص التقدم والعيش الكريم، ونحو تمكين المجتمعات العربية من تحقيق ذاتها وتوسيع دائرة خياراتها واخذ مكانها الطبيعي بين الامم.

في الواقع التاريخي، الثورات الصامته، كالتي تاتي من العلم والتكنولوجيا، هي اكثر اهمية واعمق اثرا في حياة الشعوب من الثورات الصاخبة وان كانت الاخيرة مهمة لوضع المجتمع في مسار الديمقراطية والعدالة والتنمية. لذلك فان نشر اخبار التقدم العلمي قد تكون ابلغ تعبيرا عن تقدم الشعوب، وانه من المؤكد ان مستقبل العالم سوف يتحدد بما يحدث في الصين من ثورة علمية أكثر من تأثره بما يحدث في العالم العربي من ثورات مالم يصاحب هذه الثورات مشروع نهضوي عربي علمي.

العبرة في ذلك هي ان القوة الامريكية قامت على التفوق العلمي وليس على التفوق العسكري، وان التفوق العسكري هو نتيجة وليس سببا. بالنسبة لنا في الخليج وفي دول مجلس التعاون بالتحديد فان هذا النتيجة هامة جدا وعلينا ان ندرك مدلولاتها فيما يتعلق بتوازن القوى في المنطقة. في الوقت الحاضر هناك تقدم علمي كبير في الجانب الآخر يقابله تجاهل رهيب لدور العلم في خلق النهضة الخليجية العربية وغياب تام لاي مشروع يواجه المشاريع التي تهدد امننا ومستقبلنا. ومع اننا تاخرنا كثيرا في البدء، فاليوم امامنا فرصة سانحة ونحن بصدد اعادة كتابة تاريخ المنطقة وتحديد معالمها من جديد على ضوء الاحداث والثورات واعادة ترتيب التوازنان، ان نسارع في وضع اللبنات لنهضة علمية تكون الاساس لمشروع وطني قومي يخلق حالة من التوازن الخارجي ويقوي البيت الداخلي ويفتح فرص العمل والمشاركة في البناء. 

ان اول خطوة في هذا الاتجاه هو اطلاق هذا المشروع بمبادرة من مجلس التعاون، وبتمويل سخي من الدول الكبيرة والغنية في المجلس، على ان يتضمن المشروع افساح المجال لقوى المجتمع ان تساهم في وضعه واطلاق الحريات العامة التي تسمح بالمشاركة الفاعلة الناقدة. ان اولى خطواته هي تغيير جذري في فلسفة التعليم واهدافه ومخرجاته للمساهمة في هذه النهضة وتخريج ما يحتاجه الامر من مهندسين وعلماء على المدى البعيد، ولا ضير في جلب الكوادر اللازمة من الخارج في الوقت الحالي. كما نامل ان يتضمن تحديدا واضحا للمسار العلمي للمنطقة وتوطين التكنولوجيا والمعرفة كمرحلة اولى وليس فقط استخدام منتجاتها المستوردة من الدول المتقدمة كما هو الحال اليوم.

وبمناسبة تغيير الامين العام الجديد فاننا نهيب به ان يتبنى مثل هذا المشروع واتخاذ الخطوة الاولى كما فعلت الصين في زيادة الانفاق العلمي والتكنولوجي وتهيئة البنى التحتية والمناخ المنفتح لنشر نتائج الابحاث. ان التفكير في الامن القومي الخليجي والعربي يفرض علينا ان نبدأ من النهضة العلمية وليس في زيادة الانفاق العسكري. فالتهديدات التي نتعرض لها ليس آنيا فحسب بل هي تهديدات طويلة الامد كذلك تسعى التي تغييرات تراكمية في المجتمع، ومواجهته يجب ان تكون طويل الامد. على المستوى السياسي يتمثل المشروع في دفع عجلة الوحدة قدما وعلى المستوى العلمي يرفع القدرات العلمية والاقتصادية والعسكرية بشكل متوازٍ. لم يعد هناك متسعا من الوقت لاضاعته في قضايا جانبية او مواصلة الاعتماد على القوى العالمية. فالوضع خطير ياقادة. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *