نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٠٧ يوليو ٢٠٢١

مقال الاسبوع – ازمة الديمقراطية في الوطن العربي- بالرغم من القناعة بان الديمقراطية هي افضل نظام سياسي الى حد الان وتؤمن مشاركة الناس وضمان تداول سلمي للسلطة مع احترام حقوق الانسان والحفاظ على كرامة الناس الا ان الوطن العربي يرفض الديمقراطية وسقط في صراعات على السلطة فما السبب في هذا التخلف؟

العمل البرلماني كركيزة للعمل الديمقراطي يمثل افضل ما توصل اليه الانسان حتى الان في اشراك المواطنين في ادارة شئون بلادهم بصفتهم مواطنين يتمتعون بكامل حقوقهم ولا يستثنى احد من المشاركة، على عكس بدايات العمل البرلماني اليوناني الذي كان مقتصرا على فئة من الناس. العمل البرلماني اذا ما تهيأت له الظروف المناسبة والصحية فانه يخلق بيئة من التواؤم بين مكونات المجتمع تعالج فيها القضايا المختلفة دون اللجوء الى اساليب العنف والنزاعات المسلحة التي انتهت بها كثير من الحضارات وانهارت دول عدة. الارتقاء بالعمل البرلماني هو مصلحة وطنية تخدم الجميع وتؤمن الامن والاستقرار الضروريان للتنمية وتحسين مستويات المعيشة وحفظ الحقوق وتيسر التعاون في المجتمع لمعالجة قضاياه.

لكي يتمكن العمل البرلماني من خدمة الدولة والمجتمع لا بد من التزامه بمبادئ اساسية اهمها العدالة والمساواة، وتاديته وظائف هامة اهمها الرقابة والمساءلة التي تؤمن سلامة العمل ونزاهة الاجهزة التنفيذية المختلفة، وتمثيل المجتمع بطرح قضاياه وسن تشريعاته. اختلال هذه المهمة بتقصير البرلمان في تاديتها او ضعف الالتزام بالمبادئ الاساسية قد يعرض البلاد الى تجاوزات وفساد تبدد الثروات وتخلق جذور النزاعات التي قد تنتهي بكوارث على الدولة والمجتمع.

من هنا تاتي اهمية العمل البرلماني وسلامة ادائه، يوجه الثروات نحو التقدم والازدهار ويحفظ الامن والاستقرار ويرتقي بالعمل السياسي وتاصيل القيم الديمقراطية. هذا يعني ضرورة قيام البرلمان بتقييم ادائه وبصفة مستمرة ودورية في هذه الجوانب المهمة والمؤثرة في حياة الناس لكي يضمن حسن ادائه ويتدارك الاخطاء والتقصير والمخاطر في وقتها وتفادي المفاجآت التي تحدث وحدثت في دول عربية كثيرة، بالاضافة الى تدهور الاداء التنفيذي والاداري في الدولة. التقييم يجب ان يكون سليما ، فلا يمكن ان يقاس العمل البرلماني بـكـم التشريعات التي وضعها او عدد المواضيع الذي تناولها، او اي اعداد كمية اخرى لانشطة النواب داخل المجلس. يجب ان يكون التقييم بالنتائج وتاثير التشريعات والرقابة والتمثيل في المجتمع وحياة المواطنين وفي مستوى الرفاة الاجتماعي وجودة الحياة بجميع ابعادها ومستوياتها وتحويلها الى مؤشرات اداء تُجمع عنها وحولها البيانات والاحصائيات.

ادوات التقييم كثيرة لكن اهمها الصحافة الحرة النقدية الاستقصائية التي تعبر عن رأي المجتمع في اداء المجالس البرلمانية من ناحية، ومن ناحية اخرى التقارير الدولية التي تقيم مستويات الفساد والنزاهة والشفافية والتنافسية لمؤسسات وهيئات الدولة والمجتمع المختلفة. لكن هذا لا يعفي المجالس النيابية من العمل على وضع منظومة قياس لادائه، واجراء استقصاء ودراسات ميدانية ترصد مستوى الاداء وتتعرف عن قرب وبشكل منهجي وعلمي على رأي المجتمع في ادائه وكيفية تطويره بناء على رؤية مجتمعية ورسمية لمفهوم التقدم والتطور والازدهار.

بالاضافة الى ذلك، فان المصلحة العامة تقتضي ان تعمل الدولة نفسها على دعم المجالس البرلمانية وتقويتها اولا لان في ذلك تحسين اداء المنظومة الادارية والتنفيذية برمتها، وثانيا لانه عامل مساعد في تعزيز حيوية المجتمع وتفاعله مع القضايا ورفع مستوى النقاش الموضوعي وتقليل فرص النزعات الفئوية في المجتمع. هذا التفاعل من نقاشات وحوارات وغيرها يسهم في انضاج العمل البرلماني. ثالثا اهمية ضمان تمثيل المصالح المختلفة الممثلة في البرمان لكي تكون التشريعات متوازنة تحفض مصالح الجميع وتقلل تاثير المال و الايديولوجيات على القرار. ورابعا تشجيع التعاون بين الفئات المختلفة والمصالح في تحقيق اهداف المجتمع العليا. مما يعني الاهتمام بالقانون الانتخابي ليكون ما يفرزه من نتائج تدفع في هذه الاتجاهات.

صحيح ان العمل البرلماني الديمقراطي يشهد بعض التراجع في دول عدة، غير ان التقدم في اداء المسيرة البرلمانية في الوطن العربي بطيئة بصفة خاصة. وفي بعض الحالات اصيب بتراجعات ادى بعضها الى احباط المجتمعات، وهنا تكمن الخطورة. فهل التراجع في الاداء سببه تراجع الالتزام بالديمقراطية وعدم اعتناق مبادئها والايمان بوظائفها، ام ان التراجع بسبب الاوضاع الاجتماعية ومستويات الجهل المرتفع في كثير من الدول العربية، ام انه بسبب مستويات الفقر المرتفعة وضعف الاداء الاقتصادي؟ او، وكما يرى البعض، ان ضعف الالتزام الديمقراطي هو السبب في تراجع الاداء البرلماني وتوتر الاوضاع بشكل عام؟

هناك عدة اسباب لتراجع العمل البرلماني الديمقراطي في معظم الوطن العربي تسوقها الادبيات منها القيم ، الثقافة ، الدين ، التنمية الاقتصادية، طبيعة الحكومات وتوفر الثروات الطبيعية، وكذلك التاريخ الاستعماري. معظم هذه الاسباب قد تم نفيها، خصوصا وان هناك نسبة كبيرة من المسلمين يعيشون في دول ديمقراطية ودول اسلامية اصبحت ديمقراطيات. احدى الدراسات ترى ان المشكلة تكمن في كيفية تمويل الخدمات الاجتماعية والدينية التي  تقدمها هيئات دينية (على المستوى المحلي) من مساعدات للفقراء وتعليم وبناء دور العبادة وادارتها وتعيين القضاة ودفع اجورهم. في الغرب كان هذا التمويل ياتي من الاسفل، من الناس ومن منظمات المجتمع المدني على شكل ضرائب محلية (يدفعها المواطن مستقلة عن الضرائب المركزية) ويخضع للمساءلة ومطالب بالشفافية من قبل دافعي هذا التمويل، بينما في الدول العربية الاسلامية كان التمويل مركزيا من الدولة او من هيئات الاوقاف التي يديرها رجال الدين مما يعني انها غير مساءلة من قبل الناس ولا تخضع لسلطة المجتمع، بل سلطتها مستقلة عنه وفي حالات خاضعة للدولة، فلم تصنع ثقافة المشاركة، السؤال الى اي حد هذا الرأي يعبر عن الواقع؟

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *