نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

الـغـرفة الـتـجارية… هل التمييز ضد الأجـنـبي أم ضد الـبحـريـني؟

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

السبت ٠٦ يونيو ٢٠٢٠ – 02:00

نشرت إحدى الصحفِ المحليةِ نتيجةَ مقابلاتٍ مع رئيسِ غرفةِ التجارةِ والصناعة، ورئيسِ ديوان الخدمةِ المدنية ووزيرِ العمل. قالَ رئيسُ الغرفة: «إن تخصيصَ مهنٍ للبحرينيين فيه تمييزٌ ضد الأجانب». هذا المفهومُ للتمييزِ لدى الغرفة يحتاجُ إلى مراجعة! التمييز يكون تمييزا عندما نفرق بين متساويين. أي أننا نفضل زيدا على عمرو فقط لأنه من مواطنينا أو قريبا لنا أو من عائلتنا أو قبيلتنا. 

إن تخصيصَ مهن معينة للبحريني لا تعني تفضيله على الأجنبي، ولكن المشكلة أن الأجنبي له ميزاتٌ كثيرة تضع البحريني في موقفٍ تنافسيٍّ ضعيف. أول هذه الميزات هو أن الأجنبي يقبل براتبٍ أقل بكثير من البحريني للقيامِ بنفس الوظيفة. ثانيها يمكن للأجنبي أن يعيش في ظروفٍ لا تناسبُ معيشةَ البحريني ولا تتناسبُ مع مسؤولياته وحاجته لتكوين أسرة. ثالثها هي أن الأجنبي يحصل في الغالب على الوظيفة لأنه أجنبي بواسطة أقارب أو معارف، ومتى ما حصل على الوظيفة سوف يعمل على منع أي بحريني من التعلم منه؟ فهل الغرفة تدافع عن مبدأ عدم التمييز فعلا؟ وإذا كان التمييز هو مشكلة الغرفة، لماذا التمييز في الراتب؟!!

رأيُ الغرفةِ غريبٌ نوعا ما! تقول إن حصر وظائف للبحرينيين يتعارض مع اتفاقيةِ العملِ الدولية رقم 111 لعام 1958. ماذا عن التمييز ضد البحريني؟! الوضع الحالي هو إطلاق يد صاحب العمل في فرض رواتب متدنية على البحريني، يقبلها أو تكون الوظيفة من نصيب الأجنبي بنصف الراتب. في الوقت نفسه لا يمكن تحديد راتب محدد للوظيفة «كما تفعل أوروبا» بدلا من حصرها للبحرينيين، لأن ذلك سوف يضاعف من التحويلات إلى الخارج، وخسارة اقتصادية كبيرة. هذه إحدى المعضلات؟

على أثر توصيات لجنة البحرنة «في العام الماضي»، وتعذر بعض الجهات الحكومية عن توفير شواغر، اقترح مجلس النواب مشروعا بقانون لتخصيص بعض الوظائف للبحرينيين استجابة للحاجة. المقترح النيابي يدفع بالزام الجهات المعنية بتخصيص بعض الوظائف للبحرينيين مثل التمريض والمحاسبة والهندسة والتدريس وبعض الوظائف الطبية وموظفي إدارات شؤون الموظفين والتوظيف، وبعض وظائف الفندقة والطيران والمطاعم. تقر الغرفة بأن الرأي العام في البحرين مع فكرة حصر بعض الوظائف للبحرينيين. نقول للغرفة إن هذا الرأي تَكَوَّن نتيجة الواقع المؤلم لشبابنا بعد أن وصلت أعدادهم عشرة آلاف وفق أرقام وزارة العمل نفسها، منهم خمسة آلاف جامعيون. 

موقفُ وزارةِ العمل لا يقل غرابةً عن الغرفة. تقول الوزارة إن عدد العاطلين «عشرة آلاف فقط» ليس بالعدد الكافي لسد الحاجة الكبيرة في سوق العمل. وترى أن هناك مبدأ يجب التمسك به فتقول: «إن من أهم مبادئ سوق العمل ألا يزيد عدد الباحثين عن عمل عن عدد الوظائف المعروضة». لا نعرف ما هو مصدر هذا المبدأ، وماذا يعني ولماذا وضع؟! المفترض أن سوق العمل تحكمه آلية العرض والطلب وتتحدد الأجور وفقها. أين المشكلة إذا كان هناك عشرون مهندسا يتنافسون على عشر وظائف هندسية مثلا؟! فما الآلية التي تتبعها وزارة العمل غير آلية العرض والطلب؟! وما علاقة ذلك بحصر وظائف محددة للبحرينيين؟ المفترض أن يكون المبدأ بعكس ما تقوله الوزارة. في سوق العمل الأكثر شيوعا هو ندرة توفر التخصصات عالية التأهيل وكثرة توفر التخصصات متدنية التأهيل. وأن ارتفاع الرواتب تحكمها العلاقة بين الموظف وصاحب العمل ومستوى التأهيل وحالة العرض والطلب. وفي حالة عدم توفر الأعداد الكافية في البلد يمكن أن يتم توظيف أجانب مع الالتزام بتدريب البديل من قبل صاحب المؤسسة نفسها خلال مدة محددة، أو أن تقوم الجهات المعنية مثل وزارة العمل أو وزارة التربية أو المعاهد التدريبية بتغطية الحاجة.

سوق العمل في وضعه الحالي يميل إلى صالح الأجنبي، ولم تعمل الوزارة ولا هيئة سوق العمل على تغيير هذا الوضع. فقد بين النائب يوسف زينل في سبتمبر الماضي بأن «هيئة تنظيم سوق العمل» ومنذ صدور (قانون الهيئة لسنة 2006)، تفرض رسمًا واحدًا عن كل تصريح عمل «عبارة عن 10 دنانير» دون زيادة أو نقصان، ولم تعمل على تحديد مهن بعينها من أجل فرض رسوم أكبر لتشجيع توظيف البحرينيين في هذه الوظائف بدلا من الأجنبي، والتي يرغب البحرينيون في العمل فيها كوظيفة الموارد البشرية أو المحاسبة أو الهندسة أو الطب وغيرها. وأضاف أن عدم تنفيذ هذه المادة أو تفعيلها أدى إلى «تفويت الفرصة على البحرينيين لتقلد العديد من الوظائف القيادية والمهنية وفسح المجال لغير البحريني لتقلدها»، وينهي زينل مداخلته بالقول «إن عدم تطبيق هذه المادة (42) من القانون أسهم في مراكمة أعداد العاطلين».

التقارير الصادرة من لجنة البحرنة أوضحت وجود بعض الأجانب لمدد تزيد على عشر سنوات، فوزارة الأشغال لديها 540 موظفا أجنبيا، وتقول إنها مستعدة لتوظيف البحريني إذا توفر. أليس من مسؤولية الوزارة أن تدرب وتعد كوادرها، وقد فعلت ذلك في السابق. كما أن مدة بقاء الأجانب في وظائفهم يطرح تساؤلات: ألا تكفي هذه المدة لتدريب بحريني وإحلاله في الوظيفة؟ وهل يجوز لجهة مثل وزارة التعليم المسؤولة عن التأهيل والتدريب أن تعجز عن تأهيل وتدريب موظفين لها بدلا من الأجانب الذي وصل عددهم إلى 3800 موظف؟!

المعالجات التي برزت من توصيات لجنة البحرنة فيها الكثير من الأفكار الممكنة والتي قد تعالج هذه المشكلة لكن تفعيلها يحتاج إلى وقت وقرار نابع عن قناعة بأن البحريني هو الخيار الأفضل لبناء مستقبل بلده. واقع سوق العمل هو أن البحريني ليس الخيار المفضل وفق ما قاله وكيل وزارة العمل في مقابلة شهيرة في يناير 2019. وفي ضوء عدم المساواة و«التمييز لصالح الأجنبي» فإن فرص البحريني ضعيفة جدا وهو الذي يتعرض للتمييز وليس الأجنبي. وإن عدم وجود بحريني مؤهل لشغل الوظائف في القطاع الخاص أو حتى الحكومي هو ليس قصورا من الشاب البحريني بقدر ما هو قصور من الجهات المسؤولة عن التدريب والتأهيل والتعليم والإعداد الثقافي والنفسي والأخلاقي من مؤسسات الدولة بالدرجة الأولى ومن منظمات المجتمع ومن غرفة التجارة. 

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *