نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

المرحلة الانتقالية المقبلة في برامج المرشحين النيابيين

الحديث عن التغيير في برامج المرشحين في هذا الفصل التشريعي 2018 يتناول العديد من القضايا والملفات، بدرجات متفاوتة من الوعي والادراك لمتطلبات المرحلة الانتقالية المقبلة. بعضها يقف عند طرح قضايا منفصلة واخر يصل الى وعود انتخابية وفئة ثالثة تضع رؤية للمستقبل لمرحلة ما بعد النفط والتحول من الدولة الريعية الى الدولة الإنتاجية. لكنها في مجملها بشكل او باخر تطرح أهمية التغيير وضرورة العمل على إدارة مرحلة انتقالية من دولة ريعية تعتمد على النفط الى دولة تعتمد على إنتاجية شبابها وشعبها وابتكاراتهم وابداعاتهم وريادتهم للأعمال. 

هذا التحول قد بدأ فعلا مع تناقص إيرادات النفط في منطقة الخليج بشكل عام وان كان تأثيره الحالي على الدول الست ليس بنفس القدر. وبالتحديد القضايا التي شغلت مساحة كبيرة في برامج المترشحين تشمل الضريبة وتحسين مستوى المعيشة ومعالجة البطالة وخلق فرص عمل وتحقيق وضع اجتماعي افضل من خلال السكن والتعليم والصحة والحد من ارتفاع الأسعار ومعالجة التفاوت في الدخل بين الفئات المجتمعية.

يمكن تصنيف القضايا التي وردت في البرامج الانتخاب على انها تتعلق بتحسين مستوى المعيشة وبخلق فرص عمل وبمحاربة الفساد وبحسن إدارة المال العام وبالتنمية الاقتصادية والإصلاحات السياسية والاجتماعية والثقافية. هذه البرامج الانتخابية يمكن ان تمثل نقطة بداية للحكومة لرسم سياستها المستقبلية. فهذه القضايا التي تثار هي في الواقع انعكاس لتطلعات المجتمع بمختلف فئاته. 

في هذه المرحلة سوف تختلف مسئولية الدولة، من دولة تقدم خدمات وفرص توظيف وحماية تنفق عليها من أموال النفط، الى دولة تقدم الخدمات بتمويل كلي او جزئي من المواطن عن طريق الضرائب والرسوم التي بدأ يدفعها المواطن من دخله وادخاره وايرادات تجارته بشكل مباشر او غير مباشر عن طريق رفع الدعم والذي هو في الواقع نصيب المواطن من الثروة النفطية.

نحن اذا امام واقع اقتصادي يفرض علينا ان نهيئ له كل اسباب النجاح. اهم هذه الأسباب هي تحقيق الامن والاستقرار للمواطن وامن المجتمع وامن الدولة واستقرارالنظام السياسي وحماية الدستور وحماية قيم المجتمع ووحدته واستقراره وتماسكه.يتحقق الامن عندما يقتنع الجميع بأهميته وبوسائله ونتائجه. يتحقق الامن عندما تعمل الدولة على تمكين المجتمع وتقوية مؤسساته ومنظماته ليكون عونا لها وليس عبئاً عليها. يتحقق الامن عندما تطور الدولة علاقتها بالمواطن بحيث يتمتع بكامل حقوق المواطنة وتمكنه من المشاركة في إدارة شئونه.

هذا الواقع الجديد يتطلب دولة قوية تحمي الأرواح والممتلكات وتحفظ حقوق الافراد وتعاملاتهم من أملاك وعقود. دولة تفرض قوانينها على الجميع، وتستطيع فرض الضرائب وتحصيلها من الفئات القادرة. دولة قادرة على تقديم الخدمات النوعية من صحة وتعليم واسكان وضمان اجتماعي وبنى تحتية تعزز متطلبات التنمية وتتناغم معها في منظومة فكرية تنموية متكاملة ومتفاعلة. وفي نفس الوقت يحتاج الى حكومةتلتزم بالقيود التي يفرضها عليها الدستور والميثاق واهم هذه القيود خضوعها للمساءلة الفاعلة البرلمانية والمجتمعية لرفع الكفاءة في تنفيذ السياسات وتقليل الأخطاء والحد من الفساد وسوء استخدام السلطة. 

هذا التحول من واقع ريعي الى انتاجي يحمل في طياته تحديات كبيرة ومشاكل متنوعة هي تركة المرحلة الريعية مثل اعتماد الاقتصاد على الانفاق الحكومي من إيرادات النفط في الميزانية العامة وتخلف المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من الدخول في صناعات فرعية متصلة بالصناعات الكبيرة القائمة. لكن التحدي الأهم هو انفصال النشاط الاقتصادي عن إيرادات الدولة مما ساهم في عقلية الاعتماد الكلي على الدولة. فعدم وجود ضرائب على أرباح الشركات يجعل الاقتصاد منفصل تماما عن إيرادات الدولة ولا ينعكس النمو في الناتج المحلي على النمو في ميزانية الحكومة او في دخل المواطن. والتحدي الاخر هو زيادة العمالة الوافدة التي فاقت 750 الف وافد ينافسون المواطن في جميع المهن والوظائف تقريبا مما رفع معدلات البطالة بين الشباب الى مستويات كبيرة ليس لدينا أي ارقام رسمية حولها. 

أهمية الانتخابات المقبلة كونها تأتي في وقت تجري فيه هذه التحولات من علاقة ريعية بين الدولة والمواطن الى علاقة تعتمد على فرض الضرائب والرسوم ورفع الدعم عن الكهرباء والبترول والمواد الغذائية وقد تشمل كذلك تقليل امتيازات التقاعد. هذا الوضع يتطلب من المواطن الوعي بطبيعة مصالحه وكيف تختلف عن مصالح التجار مثلا والاثرياء وملاك الاراض والفئات الأخرى. هذا الوضع يتطلب التوافق على قرارات حول من سيتحمل دفع الضرائب او على الأقل الجزء الأكبر منها. وعلى أي أسس سوف يتحدد ذلك؟ هل يتحملها المواطن البسيط ام الشركات ورجال الاعمال كبارهم وصغارهم، ام الأثرياء وأصحاب الأملاك الكبيرة والدخول العالية؟ وكيف سيتم تحديد نصيب كل من هذه الفئات في دفع الضرائب والمساهمة التنمية وفي تطوير الخدمات للمجتمع. هذا سيتطلب حراك مجتمعي وحوار ونقاش وتفاوض ومناظرات يشترك فيها الحكومة والنواب والشورى والمنظمات الاهلية والصحافة والمجتمع ككل. حوار سوف يتطلب قدر كبير من الشفافية وتوفير المعلومات لجميع الأطراف ولا تحتكر الحكومة سلطة المعلومة.

هذه الواقع يفرض علينا وضع رؤية للمستقبل يشارك فيها المجتمع وتأخذ مسار تخطيط لكل محطة من محطات الانتقال لتتحقق دون تأثير على الاستقرار المجتمعي ودون ضرر يلحق بالفئات الضعيفة في المجتمع. التحول يتطلب إيجاد جهاز تخطيط تكون لديه صلاحيات واسعة يستطيع ان يفرض تطبيق الخطط. لذلك لا بد من ارتباط هذا الجهاز برأس الدولة في بعض جوانبه ورأس الحكومة في جوانب أخرى وليس بوزارة معينة ولا حتى وزارة تخطيط.

هذا التحول يفرض على كل من الدولة والمجتمع والمواطن وضع خطوات محددة بأهداف واضحة، كما يفرض علينا تحمل مسئوليات سوف تختلف عن المسئوليات السابقة واخذ أدوار مغاير عن ما اعتاد عليه المواطن والمجتمع والدولة ممثلة في أجهزتها وسياساتها وتشريعاتها. ولهذا حديث اخر.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *