نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. الميثاق الوطني.. رؤية للاصلاح فماذا تحقق؟

تاريخ النشر : 13 فبراير  2009

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

يمثل الميثاق رؤية اصلاحية تقدم بها جلالة الملك على خلفية احداث عصفت بالبحرين لفترة غير قليلة وانهت بذلك حقبة من تاريخ البحرين السياسي المتمثل في تعطيل العمل بالدستور لمدة ثلاثين سنة وقانون امن الدولة. رأت البحرين خلالها بعض الانجازات الاقتصادية وفي المقابل عانت من ازمات سياسية ومعاناة حقوقية للكثير من المواطنين. وبعد مضي ثمان سنوات على الميثاق يتوجب علينا تقييم هذه المرحلة ونتساءل عن الانجازات والمتغيرات. ولكي يكون التقييم موضوعيا بقدر الامكان علينا ان نحدد ثلاث امور. الاول  ماهي القيم التي استند اليها الميثاق، وثانيا ماهي الاهداف التي سعى الى تحقيقها، وثالثا ماذا تحقق من هذه الاهداف نحو حياة كريمة للمواطن؟ 

في حفل اطلاق الميثاق حدد جلالة الملك الغاية من الميثاق وهي تحقيق “تطلعات شعب البحرين نحو المزيد من التطور والتقدم الحضاري”. ويقول جلالته بان الميثاق يرسم طبيعة الممارسة الديمقراطية ويحدد صيغتها لتصبح متقدمة بين نظم العالم. كما حدد جلالته الوسيلة التي سيتم التوافق بموجبها على ما سياتي بعد الميثاق من خلال “محاورات ولقاءات وتشاور في مسيرتنا الوطنية”. فاين نحن من التطور والتقدم الحضاري؟ وماذا حدث للحوار والتشاور في سبيل التوافق؟ وماهو موقعنا بين نظم العالم الديموقراطية؟ 

اما نص الميثاق فقد اورد في ديباجيته القيم التي تحدد العلاقة بين مختلف مكونات المجتمع، ويتمسك بها الجميع ملكا وحكومة وشعبا لتقود نحو “مستقبل مشرق ملؤه الحرية والمساواة، وركيزته العدالة والشورى، وقاعدته المشاركة الشعبية لكل فئات الشعب في مسئوليات الحكم”. وإرساء قواعد الدولة الحديثة القائمة على التوجه الديمقراطي ودولة المؤسسات الدستورية وسيادة القانون نحو مستقبل مستقر ومزدهر ضمن ثوابت وطنية قوامها “النظام الملكي الوراثي الدستوري الديموقراطي والوحدة الوطنية”. فهل تم تعريف هذه القيم بشكل توافقي ناتج عن حوار وطني؟

بالاضافة الى هذه القيم فقد حدد الميثاق اهداف كبرى متمثلة في اولا: صيانة البلاد والحفاظ على الوحدة الوطنية وتحقيق التنمية المستدامة الشاملة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها. ثانيا: ان يكون العدل أساس الحكم وان تكفل الدولة المساواة وسيادة القانون والحرية والأمن والطمأنينة والعلم والتضامن الإجتماعي وتكافؤ الفرص بين المواطنين. ثالثا ان تكفل الدولة حرية التعبير والنشر لكل مواطن بما في ذلك حرية البحث العلمي مع دعم مؤسساته. رابعا ان تحفظ الدولة كيان الأسرة الشرعي وتكفل تحقيق الضمان الاجتماعي اللازم للمواطنين. خامسا: لكل مواطن الحق في العمل وتكفل الدولة توفير فرص العمل للمواطنين. سادسا: ان تكفل الدولة الخدمات التعليمية للمواطنين وربط نظام التعليم بسوق العمل لتلبية حاجات البلاد من القوى البشرية المؤهلة في الحاضر والمستقبل.

وعلى المستوى الاقتصادي فقد تعهد الميثاق بترشيد وحسن استخدام الموارد المتاحة للبلاد لتحقيق مستوىً متقدماً في التنمية البشرية والحرية الاقتصادية. وركز على اهمية تنويع النشاط الاقتصادي ومصادر الدخل القومي. كما تعهد بحماية الأموال العامة والثروات الطبيعية واوكل للدولة صيانتها واختيار أفضل السبل الاقتصادية لاستثمارها. غير ان اهم ما ورد في الميثاق انه لم يقر مميزات لاي جهة ولم يحرم اي طرف من الحقوق. فماذا تحقق من كل ذلك، وماهي المعايير التي يتم يموجبها التقييم الموضوعي للتقدم فيها؟

بالاضافة الى كون الميثاق بداية لانهاء ازمة امنية تفاقمت في التسعينات فانه حدد رؤية للبحرين لوضعها في مسار الديموقراطية والتأسيس لمملكة دستورية تعمل من خلال مؤسسات وتخضع لحكم القانون وتحترم حقوق الانسان وتقر بان الشعب مصدر السلطات، وتحقق التقدم والرقي والرخاء لجميع اهل البحرين. هذه الصورة والرؤية التي رسمها الميثاق للمجتمع البحريني مثلت المبتغى الذي وافق عليه الغالبية العظمى من المواطنين بشكله الكامل وبثوابته وتفاصيله واهدافه وقيمه. فكان تاثير الصورة واضحا على المجتمع الذي عاش فترة وئام تلاحمت فيها جميع القوى مع القيادة تجلت في زيارات جلالة الملك الى مختلف مناطق البحرين وما ابداه الشعب من التفاف حول القيادة، شعر المواطن فيها بتفاؤل في مستقبل افضل يتسم بالمساواة والعدالة والحرية. فماهو هذا التقدم وماتعريفه ومجالاته الانسانية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. ماذا كنا واين نحن؟ 

بعد مضي ثمان سنوات فان اي تقييم موضوعي لمسيرتنا نحو تحقيق هذه الرؤية لا بد وان يعمد الى مقارنة هذه الصورة التي رسمها الميثاق بالواقع ويتساءل هل هذه صورة مثالية وغير قابلة للتطبيق في ظروفنا العربية والخليجية وكما تدلل الاحداث الاخيرة من عودة للتوترات التي سادت التسعينات، ام انها ممكنة وعملية ويمكن ان تتم من خلال مراحل كما وعد جلالة الملك في تلك الخطبة بقوله “ننجز منه في كل مرحلة ما نراه متماشيا مع تطلعات المواطنين”. واذا كان ذلك ممكنا فماهي عوامل ومؤشرات النجاح في هذه المسيرة؟ وماهي المراحل ومتى بداية انطلاقها وفي اي مرحلة نحن الان؟ ام اننا تعثرنا في تحقيق الحلم ويجدر بنا ان نتبين الاسباب والمعوقات؟. 

هذه تساؤلات مبدئية وأساسية، والاجابة عليها من خلال الحوار الصريح والمنهجية العلمية البعيدة عن التطبيل والتبجيل هي الوسيلة لتحقيق حلم الميثاق وحلم جلالة الملك وحلم الشعب البحريني، وللحديث بقية. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *