نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم د. محمد عيسى الكويتي

12 فبراير 2022

مقال نشر في جريدة جمعية تجمع الوحدة الوطنية

الميثاق الوطني … قيم نحتاجها اليوم

حدد الميثاق الوطني مسارا اجمع البحرينيون على التمسك به. المسار، اي مسار يمكن ان يصاب بما يحرفه او يؤخره، لكن الالتزام بقيمه هو ما يجعله ملهما للامة ومساعدا في العودة له. قصة غرق سفينة في القرن التاسع عشر تحكي عن رجال اظهر بعضهم تمسكا بقيمهم في اشد الاوقات واصعبها. تمسكوا بقيم مجتمعهم الذي يمثلونه مقدمين مثالا للتضحية والايثار، تمسكوا بقيمهم في وجه الموت على حساب مصالحم وحياتهم. كانت قوارب الانقاذ قليلة، ما يعني ان البعض سيبقى ليواجه مصير الغرغ في اعماق المحيط. في مثل هذا الظرف يتنازل عدد من الرجال عن مقاعدهم التي خصصها لهم القبطان تقديرا لمكانتهم، يتنازلون عنها لنساء لا يعرفونهم احتراما للمرأة وتمسكا بقيم الانسانية والايثار. التمسك بالقيم من الفضائل التي تميز الانسان وخصوصا عندما تكون مسالة حياة او موت، فكيف اذا كانت قضايا اقل حسما.

في فبراير عام 2000 وضع جلالة الملك امام المجتمع وثيقة حددت تصور لمشروع اصلاحي يحدد معالم طريقنا نحو المستقبل. المستقبل الذي يرتضيه المجتمع في اقامة دولة مدنية ديمقراطية حديثة ينعم فيها الجميع بالامن والاستقرار. وترك الوقت مفتوحا للوصول الى هذا الهدف. عالج الميثاق عدد من القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي كانت قائمة وحدد الاهداف الكبرى. كما وضع قيم ليتمسك بها المجتمع والسلطات ومن يمثلهم من مؤسسات، واجهزة واحزاب ومنظمات وجماعات في معالجة ما يواجههم من قضايا في مسيرتهم هذه. من القيم التي كرسها الميثاق قيم المواطنة، الحرية، العدالة والمساواة. فالمواطنة تعني ان المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات، وان الولاء للوطن اولا واخيرا. والحرية لا بد ان تشمل حرية الكلمة وحرية التجمع وحرية المعتقد والضمير. فحرية الرأي تعني امكانية الاصلاح من خلال تفاعل الاراء الحرة والتوصل مجتمعيا الى ماهو افضل في وقت ما، وحرية تغيير ذلك عندما تتغير المعطيات والظروف. وتعني ان لا يفرض اي انسان رأي ما او اعتقاد او مسلمات على المجتمع، وهذا هو سبيل قبول الاختلاف والرأي الاخر واساس التعايش السلمي في المجتمع والتركيز على المفاهيم والمصالح المشتركة وحماية الطبقات والفئات الضعيفة.

العدالة والمساواة تقتضي ان نشترك جميعا في تحمل المسئولية وبناء المجتمع، وان نشترك ونتساوى في الاستفادة من النتائج والمكاسب بما في ذلك المساواة في المشاركة السياسية وفرص التأثير في القرار. المشاركة في المسئولية تعني كذلك ان نتحمل مسئولية اخطائنا وقراراتنا، كل في موقعه ولا نُحمِّلها جهات اخرى او الفئات الضعيفة في المجتمع. وقد حدثت اخطاء جسام سياسية واقتصادية وفكرية علينا ان نقر بمسئوليتنا تجاهها لكي نستطيع ان نكمل المسيرة نحو الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة. 

ما نحتاجه اليوم هو مراجعة لتاريخنا الحديث منذ الميثاق بعقول مفتوحة ومجردة من المصالح الخاصة قدر الامكان. هذا لا يتم الا ضمن حوار مجتمعي يطرح اولا اهداف نتفق عليها لنسعى اليها، ونحدد المعوقات التي تعترض طريقنا ونتمسك بقيم الميثاق. هذا يحتاج الى تعدد المنابر الحوارية التي تُبرز هذه الجوانب والابعاد، واهم المنابر الموجودة اليوم هو مجلس النواب والشورى وتقع عليهم بالدرجة الاولى مسئولية توسيع الحوار. كذلك تقع المسئولية على منظمات المجتمع المدني وفي مقدمتها الجمعيات السياسية في احياء ثقافة الحوار المفتوح. اما المسئولية الاهم تتحملها السلطة في التمسك بقيم الميثاق واتاحة ساحة للحوار معها، وتحرير ساحات الحوار الاخرى من القيود التي قد كانت مهمة في وقتها واليوم نتمنى ان نكون قد تجاوزناها. وعلينا ان نتذكر ان الحرية الانسانية هي من يولد الابتكار والابداع والتنمية وما نتخذه اليوم من قرارات وما نسنة من قوانين وقواعد تعامل سوف تشكل مستقبلنا، فلنكن جميعا مشتركين في صناعة المستقبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *