نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. الميثاق الوطني… واقع التعليم والتنمية المستدامة

تاريخ النشر : 20 مارس 2008

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

تناولنا في مقال سابق الميثاق الوطني وما تحقق من اهدافه، وركزنا في ذلك المقال على الهدف الاول المتعلق بالمحافظة على الوحدة الوطنية ومتطلباتها. وفي هذا المقال سوف نتطرق الى الهدف الثاني المتعلق بتحقيق التنمية المستدامة الشاملة. تعتمد التنمية المستدامة على عوامل نجاح أهمها قدرتنا على وضع نظام تعليمي وتدريبي قادر على توفير العمالة والمهارات والقدرات العلمية والتقنية اللازمة للاستفادة من الفرص الاقتصادية المتاحة، وثانيا امكانياتنا في ايجاد قاعدة انتاجية لخلق اقتصاد ذو قدر من الاستقلالية، وثالثا القدرة البحثية والتطويرية لخلق اقتصاد المعرفة المأمول. وسوف نركز في هذا المقال على اول عوامل النجاح الثلاثة وهو النظام التعليمي. 

مرت عملية تطوير التعليم منذ بداية التسعينات الى اليوم بالكثير من الخطط والاستراتيجيات نلخصها في التالي. في عام 1991 صدرت خطة استمرت الى عام 1995 تهدف الى تغيير التعليم من تلقين الى ابداعي وتحليلي. وشملت هذه الخطة ثلاث محاور هي الاعتراف باهمية الفوارق الذهنية بين الطلبة التي تسمح بتقدمهم بسرعة مختلفة في التحصيل (الساعات المعتمدة)، والمحور الثاني هو تمهين واعداد المدرسين، والمحور الثالث هو نظام مدرس الفصل. توقفت هذه الخطة في عام 1995 دون ان نعلم مالذي حدث ولماذا لم يتحقق الهدف وهو تغير التعليم من تلقين الى ابداعي وتحليلي؟

وفي عام 1995 اصدرت وزارة التربية “التوجهات الاساسية لتطوير التعليم في المرحلة القادمة” للفترة من 1995 الى 2000. ركزت هذه الرؤيا على أهمية ربط التعليم بسوق العمل ومعالجة التحديات الكبرى التي تواجه النظام التعليمي مثل كيفية تحسين التحصيل الدارسي، تحديث المناهج، تطوير اداء المعلمين وتنمية كفاءة الاداء المدرسي وذلك لايجاد توافق بين احتياجات الطالب واحتياجات المجتمع. 

كذلك وضعت الوزارة رؤية تطويرية ثالثة للاعوام من 2003 الى 2009، تستند على الثوابت الاسلامية والقومية والانتماء وتسعى الى “تحقيق سعادة المواطن وتقوية شخصيته وقوميته دعما لتنمية المجتمع وتحقيق رخائه وتقدمه”. انتهجت الخطة مبدأ الشمولية ووضعت بعض المحددات والمؤشرات العامة للتطوير المؤسسي والاداري، غير انها لم تتضمن مؤشرات محددة ورقمية او نوعية واضحة يمكن قياسها او تقييمها. فمثلا احد المؤشرات يقول “المراجعة الشاملة والتحديث المبرمج للمناهج الدراسية”، والثاني “اعداد المعلمين وتدريبهم”. هذه تعتبر اهداف عامة ولا يتضح كيف يمكن استخدامها كمؤشرات اداء يمكن متابتعتها. 

الخطة الرابعة هي التي وضعتها اللجنة العليا لاصلاح التعليم برآسة معالي الشيخ محمد بن مبارك في يونيو 2007 وتتلخص في خمس مبادرات هي: انشاء كلية تقنية، وحدة لمراجعة جودة التعليم الجامعي، وحدة لمراجعة جودة التعليم المدرسي، تطوير التعليم المهني والفني للمرحلة الثانوية  (التلمذه المهنية)، وتطوير المعلمين. وتسعى هذه الخطة كذلك الى جعل التعليم مؤائم لمتطلبات السوق وربط مخرجاته بسوق العمل والمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية. وكأنها تقول ان الخطط السابقة لم تنجح في التوفيق بين التعليم والاقتصاد.  

ومن الامور التي تبشر بخير في هذه الخطة والتي سبقتها (2003-2009) انها تفادت القصور في الخطط السابقة من حيث افتقارها الى اسلوب لتقييم النتائج. فقد انتهت الوزارة في 2005 من انشاء مركز التقويم الشامل لجودة التعليم بالتعاون مع برنامج الامم المتحدة الانمائي (UNDP) وبالتنسيق مع اليونسكو بهدف اجراء دراسات تشخيصية ميدانية لجودة التعليم وسبل تحقيقها من خلال نظرة فاحصة للمناهج والوسائل واعداد المعلمين واعتماد التخطيط الاستراتيجي لربط التربية بحاجات المجتمع ولرفع مستوى الاداء في الوزارة. 

وبعد كل هذا التخطيط الذي بدأ في 1991 الى 2003 نشرت وزارة التربية في اكتوبر 2005 – وهذا يحسب لها- نتائج مذهلة ومحيرة تلخص جوانب الضعف في المنظومة التعليمية أهمها عدم وجود خطة تطويرية للتعليم، ندرة الخبرات النوعية المتعلقة بالمناهج، عدم وجود نظرة شاملة لادارة الجودة في المنظومة التعليمية، ضعف الخبرة المهنية لعدد كبير من العاملين في الادارات المركزية، قلة توافر العناصر البشرية المؤهلة لبناء الخطة الاستراتيجية، ضعف التوافق بين المناهج التعليمية ومستوى الطلبة وحاجات المجتمع، حاجة النظام التعليمي لخطة استراتيجية في مجال التدريب.

بما نشرته وزارة التربية من قصور فهي تقول اننا نعرف ماذا يحتاج اصلاح التعليم ولكن الواقع، من حيث نوعية الطلبة ونوعية المدرسين والوضع السياسي والاقتصادي، والتشنج الطائفي والمحاصصة في المراكز والتعيينات والمحسوبية في التوظيف بالاضافة الى نقص الميزانية وضعف المساءلة كل هذه تعتبر تحديدات على امكانية الوزارة لوضع استراتيجية اكثر قدرة على اصلاح التعليم. ونخشى ان تواجه مبادرة اصلاح التعليم التي دشنها معالي الشيخ محمد بن مبارك نفس المصير بسبب المحددات والعوائق التي نوهت عنها وزارة التربية. 

من ذلك نقول ان التنمية المستدامة بشكل عام، وفي جانبها التربوي والتعليمي بشكل خاص، هي عملية متكاملة لا تعتمد على وزارة معينة (وزارة التربية والتعليم)، بل هي مسئولية المنظومة المجتمعية ككل والحكومة بشكل خاص. ولتجنب ما حدث لخطط التعليم السابقة فاننا نحتاج الى اصلاحات سياسية تجعل الحكومة هي المسئولة والمساءلة وليس وزارة التربية فقط. كذلك نحتاج الى وضع مفهوم موحد لجودة التعليم ومؤشرات واضحة واهداف محددة تنشر وتلتزم بها الحكومة وتحاسب على نتائجها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *