نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. الميزانية العامة.. والحديث عن ضرائب الدخل 

 بقلم: د. محمد عيسى الكويتي – 

الأربعاء ٢٠ يناير ٢٠٢١

مقال الاسبوع – ضرائب على الثروة والدخل المرتفع وعلى الشركات اصبح حديث في الاوساط الخليجية وليس في البحرين فقط، لكن هناك تحديات تشمل تحسين البيئة السياسية والمشاركة الفعلية في القرار ومحاربة صادقة للفساد والاستعداد للشفافية. كذلك تحتاج الى دولة قوية تستطيع ان تفرض الضرائب على علية القوم قبل العامة.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1235020

تمت مؤخرا مناقشة الميزانية في المجلس النيابي ومع الحكومة وخرجت التصريحات للتأكيد على أهمية مصلحة المواطن وأنها فوق كل اعتبار. شملت التصريحات الوزراء والنواب على حد السواء، فمثلا يطرح النائب أحمد السلوم (15 يناير 2021) زيادة المبلغ المخصص للضمان الاجتماعي في الميزانية، ويتحدث وزير العمل عن زيادة موازنة بدل السكن (التي تم تخفيضها في الميزانية المنشورة 2021-2022) وكذلك زيادة إعانة المواد الغذائية، وعناوين أخرى مثل تعديل اعتمادات قطاع الحماية الاجتماعية، وآخر يدعو لتوجيه الدعم للأكثر استحقاقا مستقبلا.

هذه عناوين تشتت المواطن ولا تقود إلى وضوح في ماذا سيحدث في نهاية المطاف وكيف سيرتفع مستوى معيشة المواطن. تؤكد لنا هذه المداولات والتصريحات من السادة الوزراء والنواب ضرورة المعالجة الشاملة التي طرحناها في مقالين سابقين (أخبار الخليج 6 و13 يناير الجاري) والتي تتلخص في وضع حد أدنى للدخل لا نقبل أن يواجه بحريني الحياة بأقل من هذا الدخل، مع التأكيد على أهمية مجانية التعليم إلى المرحلة الجامعية والصحة ومعالجة أسرع لقضية الإسكان وذوي الاحتياجات الخاصة.

طرحنا في المقال السابق قضية تمويل هذا الإنفاق وجادلنا بأن فرض ضرائب على الدخول العالية والثروات هو الخيار الثاني إذا تعذر رفع نسبة الميزانية من الايرادات العامة. وجادلنا أنه لن يكون هناك تأثير كبير على مستوى السيولة في السوق. استكمالا لتلك المناقشة نجد أن فكرة الضرائب ليست مستبعدة في كثير من الجهات في البحرين وفي منطقة الخليج. فقط طرحناها منذ 2010 وطرحها الأستاذ جمال فخرو في أكثر من مناسبة وطرحها رجل الأعمال خالد جناحي (بالحديث عن ضريبة ثروة).

في مداخلة للنائب محمود البحراني (رئيس اللجنة المالية والاقتصادية) تطرق إلى ضرورة فرض ضرائب على الدخل وأرباح الشركات. وفي رده على سؤال من «أخبار الخليج» تحدث النائب الأول لرئيس مجلس النواب عبدالنبي سلمان عن أهمية فرض ضرائب دخل على الشركات والثروات، وأضاف أنها مسؤولية وطنية واجتماعية.

التخوف الذي تطلقه بعض الجهات من هروب الشركات إلى دول مجاورة في حالة فرض ضرائب قد لا يكون قائما في حالة اتجاه دول الخليج إلى فرض ضرائب أيضا. فهناك تفكير في فرض الضرائب في سلطنة عُمان والسعودية والإمارات والكويت. فقد أصدرت سلطنة عُمان قانون ضرائب الدخل (مرسوم سلطاني) رقم 28 لعام 2009, تتراوح الضرائب فيه من 10% إلى 55%، ونشرت في نوفمبر أنباء 2020 عن نية سلطنة عُمان فرض ضرائب على الدخل المرتفع في عام 2022 لتصبح أول دولة خليجية تفرض هذا النوع من الضرائب على السكان، وكذلك فرض ضرائب على الشركات. ووفق هذه التقارير فإن هناك دول خليجية أخرى تسعى إلى فرض الضرائب التصاعدية على الدخل وأرباح الشركات. فقد تكررت الدعوات في الإمارات إلى فرض ضرائب بالرغم من اختلاف وضعها عن كل من عُمان والبحرين.

أما الكويت التي تأخرت في فرض ضريبة القيمة المضافة فإن الوضع أصبح مختلفا ومن المتوقع أن تبدأ تطبيق الضريبة، بالإضافة إلى ضرائب انتقائية (تقرير وكالة فيتش)، وأن الكويت تعد وثيقة إصلاح اقتصادي (كما ذكر وزير المالية براك الشيتان) منها عدم الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل. وفي الوقت نفسه دعا إلى فرض الضرائب التصاعدية على أرباح الشركات، واقتصار الدعم للمستحقين فقط. أما البنك الدولي فقد اقترح على دول الخليج في 2016 اعتماد ضرائب منها القيمة المضافة وضريبة الدخل على الشركات والثروات (في قطاعي العقارات والسلع).

بسبب أزمة كورونا تضررت فئات كثيرة من المجتمعات الخليجية من موجة التقشف التي صاحبت ذلك بسبب عجز الميزانية وتراجع ايرادات النفط، فضلا عن توقف بعض الأنشطة الاقتصادية. عمدت دول الخليج إلى خفض إنفاق الحكومات لمعالجة هذه الحالة الطارئة، لكنها طارئة ونأمل أن تنقشع الغمامة ويعود الأمر إلى طبيعته. 

لكن ماذا بعد أن يعود، فهل نملك التحكم في ايرادات النفط؟ وهل نملك التحكم في طموحات الشباب الذين يتطلعون إلى مستقبل يحقق أحلامهم ويمنحهم الحق الذي نعمت به الأجيال السابقة. إذا أثبتت الأزمة شيئا فإنها أثبتت هشاشة كثير من اقتصاديات المنطقة العربية بما فيها بعض دول الخليج. يقول رئيس وحدة البحوث في مركز الخليج للاستشارات الاقتصادية عبدالعزيز الخالدي انه «لا مفر من تطبيق الإصلاحات الاقتصادية بعد عقود من السياسات العشوائية». وأكدت الأزمة ضرورة الإصلاح، ليس فقط الاقتصاد وإنما في وضع حد للحروب والصراعات الدائرة في المنطقة.

 هناك تحد آخر هو مدى استعداد النخب الغنية وأصحاب الثروات للمساهمة والدفع وإظهار ولائهم الصادق للوطن وللمصلحة العامة ومصلحة المواطن. إقرار ضرائب الدخل والثروات وما يتطلبه من دولة قوية هو التحدي الذي سيواجهه المجتمع الخليجي.. فهل ستتغلب المصلحة الوطنية على المصلحة الفردية؟ سيكون ذلك الاختبار العملي لمقولة «مصلحة المواطن فوق كل اعتبار». اختبار قوة الدولة في استعدادها وقدرتها على فرض ضرائب على الدخول العالية وعلى الثروة وعلى الأراضي البيضاء وعلى ريع العقارات.

.mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *