نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. الوحدة الوطنية مطلب الشعوب العربية!

http://www.akhbar-alkhaleej.com/AAK/images/date_icon.jpg  تاريخ النشر :١٩ أكتوبر ٢٠١٦


بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

هل يمكن تحقيق وحدة وطنية حقيقية قبل تحقيق المساواة والمواطنة والعدالة وازالة الامتيازات التي تخلق الحقد في المجتمعات؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/14089/article/45000.html
يكثر الحديث عن الوحدة الوطنية في كثير من الدول العربية بعد ان عصفت بها أحداث 2011 وأبرزت الصراعات الداخلية، الدينية منها والسياسية. الآن يبدو ان شعوب بعض هذه الدول صحت من غفوتها وأخذت تنادي بالوحدة الوطنية من خلال الندوات والمقالات، المفيدة نظريا لكنها غير فاعلة عمليا.
إن أول خطوة إصلاح ذات البين هي الإقرار بوجود خطر على المجتمع من الانقسام لا بد ان ندركه على جميع المستويات، ويبدو ان هناك إدراكا متفاوتا في رفض هذا الواقع. يمكن ان نستشف هذا من خلال كثرة الحديث عن الوحدة الوطنية في مختلف المجتمعات العربية وضرورة تحقيقها لمعالجة جراحات السنوات الماضية.
أولا دعنا نتفق على ان مصلحتنا شعوبا وحكومات، على المدى البعيد، تقتضي حدوث مصالحة وطنية ولحمة مجتمعية لتمكين المجتمع من تحقيق التنمية التي اصبحت اليوم ضرورة ملحة بعد انحسار العوائد النفطية من جهة وتقلبات السياسة الخارجية للدول العظمى من جهة اخرى، وعدم ضمان نتائج الصراعات المحتدمة في المنطقة من جهة ثالثة. 
الوحدة الوطنية ليست حدثا يمكن ان يتحقق بالتمني أو بمجرد كثرة الحديث عنه أو إطلاق ندوات وكتابة مقالات وتنظيم مسابقات، انما هي عملية طويلة ومعقدة، لها مسارات وأنشطة وأهداف ونتائج ومؤشرات لا بد ان تتم وتراعى، وعلى جميع المستويات. 
المنطق يقول ان العلاج يكمن في كشف الجرح ومداواته من الداخل وإزالة ما به ثم البدء بالمعالجة ليكون البناء على قاعدة صلبة. فهل نملك القوة والجرأة وقوة التحمل لمثل هذا العلاج؟ هذا العلاج يتطلب صراحة قد تكون صعبة في التشخيص وغير مقبولة مجتمعيا أو رسميا. فمن أين تأتي إشارات البدء وصفارة الانطلاق؟
عملية الوحدة الوطنية تتكون من مفهومين، الأول هو الوحدة والثاني هو الوطنية الناتجة من الشعور بالمواطنة، وهذه لها منطقها. الوحدة قضية مفهومة وهي ان يكون هناك غاية يتفق عليها المشتركون في هذه الوحدة، تحقق لهم مصالح مادية ومعنوية. لذلك فإن أولى الخطوات ان نحدد على ماذا نتحد؟ ما هي الغاية المشتركة لهذه الوحدة؟ ثانيا: ما هي المبادئ والقيم التي نسير ونهتدي بها في تحقيق هذه الغاية؟ ثم نختار الوسائل التي تناسب كل منا، وقد نختلف في الوسائل لكن الغاية والمبادئ والقيم سوف تضمن نوعا من التجانس وإن اختلفت الوسائل. 
ثالثا: معرفة لماذا فشلت الظروف السابقة في تحقيق الوحدة الوطنية في كثير من الدول العربية؟ هل كان الفشل في الغاية أم في الوسائل والمبادئ والقيم؟ لا بد من تحديد أين كان مكمن الخطأ، هل كانت الوحدة الوطنية متحققة في وقت ما؟ وهل الانقسام الحالي هو نتاج الاحداث أم ان هناك عوامل اخرى تغذي الفرقة والاختلاف؟ ولماذا فشلت الجهود السابقة في تحقيق الوحدة الوطنية في كل الدول العربية؟ هذا يدعو إلى تشخيص محايد، فمن سيقوم بالتشخيص؟
نحن كأمة عربية نفضل ان يكون دائما سبب الفشل خارجيا، فسوف نطرح الاستعمار على انه السبب في فرقتنا وسوف نطرح التدخلات الخارجية على انها السبب المباشر والوحيد، وسوف نلوم البيئة الصحراوية والحياة القاسية كما فعل بعض الفلاسفة.
إن قيمنا ومبادئنا الإسلامية تشمل الكثير مما يمكن ان تكون عوامل توحيد وعوامل عزة وكرامة للفرد والمجتمع والدولة، ولا نحتاج ان نستقي قيمنا من اي مصدر آخر لتحقيق الوحدة الوطنية على مستوى الدولة وحتى على مستوى الامة العربية. فأي وحدة لا يمكن ان تتحقق ما لم نقبل الطرف الآخر كما هو لا كما نريده ان يكون.
يشير القرآن الكريم إلى وحدة الامة بأنها «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله». كذلك يأمر الله سبحانه «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا» ويربطها بالآية الكريمة «وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون». فهذا أول شرط من شروط وحدة الأمة الناجحة المتحدة على الحق والمتوافقة على ضرورة ترسيخ مبادئ الأمر بالمعرف والنهي عن المنكر (أي، المساءلة والمحاسبة) ضمن إطار الإيمان بالله الذي خلق الإنسان وكرمه وجعله متساويا مع أخيه الإنسان. لا فضل لأحد على أحد. عدم المساواة يخلق فرقة بين الناس، وكلما اصبح المجتمع اكثر تعليما وإدراكا لذاته ساد في نظره ان الفوارق تؤدي إلى الصراع داخل المجتمع. 
الشرط الثاني للوحدة هو تحقيق المساواة في الحقوق والواجبات المنبثقة من تكريم الله للانسان. الامة العربية تفقد الكثير من الطاقات والامكانيات بسبب عدم المساواة. فمثلا القدرات القيادية والقدرات العسكرية والقدرات السياسية هي لكل المجتمع. لذلك فإننا كأمة نهدر هذه القدرات من خلال غياب التوافق على المعايير الذي تجري بموجبها التعيينات. وبالتالي ربما يأتي الأقل كفاءة والأقل قدرة على رفعة الامة وتنمية طاقاتها. 
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يزيل الكثير من النفاق من الامة ويعزز النقد الحر والكلمة الحرة الصادقة التي تسعى إلى الخير والتقرب إلى الله وليس إلى مصلحتها الذاتية في التقرب إلى السلطات. إسكات النقد الحر والكلمة الصادقة التي تخرج بُغية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي خسارة كبيرة للوطن ومدعاة للفرقة وعدم تحقق الوحدة. 
السؤال هو كيف يمكن إحداث التغيير في الإنسان ليصبح مقدرا لهذه القيمة الداعية إلى التماسك والوحدة؟ هل يكون من خلال الوعظ والارشاد، أم من خلال مؤسسات دستورية وقوانين وتشريعات تحد من وجود الفوارق وتفرض نوعا من العدالة في توزيع المناصب وفق الكفاءات، وتوزيع المقدرات وفق معايير يتفق عليها المجتمع وخاضعة للمساءلة والمحاسبة الملتزمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ وجود مثل هذه المؤسسات القوية المحايدة هو مصلحة للفرد والمجتمع والدولة واستقرار للسلطات وأمن للمجتمع. فمن سيضع هذه المؤسسات؟
mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *