نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1.  الوضع العربي إلى أين وما هي المصالح؟

  تاريخ النشر :٨ أبريل ٢٠١٥ 

 بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مقال الأسبوع- لا يوجد مفهوم موحد حول الامن القومي العربي بين الأنظمة وشعوبها، فمصالح الأنظمة تتعارض مع مصالح الشعوب. تتصارع دول العالم على مصالح مشتركة من اجل مصالح شعوبها، الدول العربية مصالح الشعوب مهملة والصراع بهدف مصالح الأنظمة.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13529/article/16041.html

 أقام مركز الامارات للدراسات الاستراتيجية والأبحاث مؤتمرا في 20 من الشهر الماضي بعنوان «الشرق الأوسط وتغير الأدوار والمصالح والتحالفات» استمر يومين لمناقشة قضية «مَن يحارب مَن وما هي المصالح السياسية في العالم العربي؟». قال خلالها الرئيس اللبناني الأسبق فؤاد السنيورة ان أمريكا وراء ما يحدث في الوطن العربي بالإضافة إلى الخلافات العربية وتخلف التنمية الاقتصادية. أما وزير الشئون الخارجية المصرية محمد العرابي فيرى ان الدول الغربية تحرك النزاع المذهبي مستغلة ارتفاع البطالة في أوساط الشباب لدفعهم نحو التطرف. أما رئيس المركز الدكتور جمال السويدي فأوضح ان العلاقات المعقدة بين الدول العربية والتحولات السياسية السريعة والتحالفات المتغيرة تخلق اختلافات عميقة في الرأي العام العربي. 

 يرى كثير من المشاركين في هذا المؤتمر ان اصلاح التعليم والتنمية الاقتصادية وتركيز القيادات على مصالح الناس ورفاهيتهم يجنب الدول الكثير من نتائج هذا الصراع. عدم الوضوح في أولويات المصالح أربك المجتمعات وأجج الخوف من المجهول ومعه الخوف من المختلف سواء كان هذا الاختلاف مذهبيا أم عنصريا أم قبليا. في نهاية المطاف توصل المنتدون إلى ان ما سينقذ الامة من هذه الصدامات والحروب والنزاعات هي التنمية الاجتماعية والاقتصادية والتعاون العربي! ويبقى السؤال: لماذا تستمر بعض الدول العربية في قراءة السياسة بلغة وقاموس مذهبي؟ رغم علمها بالضرر الكبير على وحدة الشعوب والمجتمعات. 

 كثير من الندوات والدراسات تصل إلى نتيجة مشابهة لكن وعلى مدى نصف قرن لم تتمكن الدول العربية من تحقيق تقدم في أي من هذه المجالات بما يحميها من الصدامات والثورات والتدخلات الخارجية. يجمع الكثيرون إلى ان التدخلات الأجنبية نجحت في اختراق الأمة مستغلة أربع قضايا رئيسية هي:

 1ـ القضية الفلسطينية التي تخلى عنها العرب وفشلوا في انهاء الصراع العربي الإسرائيلي.

 2ـ فشل النظام والمجتمع العربي في تحقيق توافق حول معالجة خلافاته، وغزو العراق للكويت أحد اهم تجلياته ومن ثم توافق العرب مع أمريكا على إسقاط نظام صدام.

 3ـ الربيع العربي والذي يمثل فشل العرب في إدارة المجتمع على أسس العدالة والمساواة. 

 4ـ الصراع الديني المذهبي الذي أنتج حركات إسلامية متشددة.

 بحكم أهمية هذه المنطقة وما تملكه من ثروة نفطية، ورغبة الدول في الهيمنة والتسلط إما لحماية مصالحها وإما لتوسيع نفوذها يجعل المنطقة بؤرة ساخنة يتصارع فيها المشروع الأمريكي مع الإيراني، والتركي مع الاسرائيلي، والسؤال: لماذا يغيب المشروع العربي؟ 

 في الحقبة الناصرية برز مشروع عربي قومي ولكنه لم ينجح بسبب الخلفية الثقافية المقسمة بين الفكر القبلي والنزعة القومية والمصالح السياسية المتناحرة. تعقدت بوجود ايديولوجيات من الثقافة الغربية مثل الماركسية. زادت هذه الايديولوجيات من الانقسام في المجتمعات العربية بين الشيوعي والليبرالي والقومي والإسلامي، ولم تدرك أهمية بناء مجتمع قوي وواعٍ لمصالحه.

 خلال الأسبوع الماضي تم في شرم الشيخ محاولة احياء الامن القومي العربي بتشكيل قوة عربية، ومع ان بعض الدول تحفظت لكن يمكن لهذه القوة ان تكون نقطة انطلاقة على ألا يتم اختزال مفهوم الامن القومي في وجود قوة عسكرية فقط. لكي تنجح هذه البادرة في استنهاض الامة يتطلب الامر توسيع مفهوم الامن القومي ليشمل التنمية والتقدم العلمي وخلق سوق عربية تمنح الدول العربية استقلالية اقتصادية وقدرات علمية. 

 جرت محاولات منذ بدايات القرن التاسع عشر في عهد محمد علي لإحياء النهضة العربية وتأسيسها على قاعدة نظرية صلبة على غرار ما حدث في الغرب في عصر التنوير. تصدى لذلك مفكرون أمثال محمد عبده والافغاني مرورا بطه حسين الذي انتهج التحديث التربوي، أو ما نادى به مفكرون اخرون أمثال مالك بن نبي الذي وضع الامل في إيجاد الفكرة التي تخلق من الانسان والمادة والزمن محركا للنهضة، أو ما قال به أنور عبدالملك الذي نادى باستقلال «الهوية الحضارية» في مقابل الهيمنة الثقافية الغربية والانفتاح على الآسيوي الشرقي بدلا من الغرب وإقامة فلسفة حضارية في مصر والعالم العربي تقوم على «الاتجاه العقلي العلمي»، أو ما ينادي به برهان غليون من مصالحة عربية مع «النفس أولا ومع ذويه ثانيا»، أو ما يدعو اليه سمير أمين من الربط العضوي بين الحرية والتقدم الاجتماعي يقوم على الفصل بين الدين والدولة. 

 بالرغم من هذه الجهود في التحديث وفي وضع الأسس للنهضة العربية مازلنا نتصارع تارة على خلفية دينية مذهبية وتارة على خلفيات أيديولوجية وتارة على خلفية قبلية. لم يعالج المجتمع كيفية التوصل إلى القواسم المشتركة التي تجمع الامة وتمثل الأولوية لإقامة المجتمع المدني، لذلك نجد ان من يمتلك السلطة يقوم بإقصاء الآخرين بناء على مصالح أيديولوجية، كما حدث من قبل الاخوان المسلمين أو القوميين أو البعثيين، ويحدث ذلك من قبل المذاهب التي يقصي بعضها البعض، ويحدث من قبل القبائل. لم تقرر المجتمعات بعد ما هي القيم التي توليها أولوية وتحكم سلوكها وتحدد خياراتها.

 يبدو أن هناك قضيتين لا بد للعرب من علاجهما قبل تمكنهم من الخوض في لعبة الأمم وتحقيق امنهم القومي. القضية الأولى هي كيفية التعامل مع التعددية والاختلاف سواء كان مذهبيا او ايديولوجيا او سياسيا، وثانيا قضية بناء مجتمع مدني قوي يقوم على التفكير المنطقي والمعقول والذي ينطلق من الواقع وليس من تصورات ايديولوجية وانقياد اعمى لمصالح آنية ضيقة. إلى حد الآن لم ينجح أي من الأنظمة في ذلك، والامر يحتاج إلى نقلة ثقافية على مستوى العالم العربي تتجاوز الانقسامات والخلافات وتؤسس الكتلة الحرجة لإحداث التحول نحو المجتمع المدني. 

 mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *