نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. الوطن العربي اليوم.. بين الأخطار والتحديات

http://www.akhbar-alkhaleej.com/AAK/images/date_icon.jpg  تاريخ النشر :٤ مايو ٢٠١٦


بقلم:د. محمد عيسى الكويتي

الوضع العربي المتردي من صنع ايدينا وايدي حكامنا. الاصرار على نظرية المؤامرة هو القاء اللوم على الغير وهذا يخدم الحكام قبل المحكومين.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13921/article/19449.html


قبل عام تقريبا عقد مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في ابوظبي مؤتمرا تحت عنوان «الشرق الأوسط وتحولات الأدوار والمصالح والتحالفات». يهدف المؤتمر إلى مناقشة المشهد السياسي والاوضاع العربية والتحديات التي تواجهه من تهديد امني. طرح المنتدون الحاجة إلى رؤية استراتيجية تضع في الاعتبار تشابك الاحداث وعلاقتها بمختلف المصالح. لكن السؤال ما هو الهدف من هذه الرؤية الاستراتيجية؟ وهل هي امتداد للوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي القائم الذي اوجد المشكلة، وستكتفي بالتعامل مع مظاهر وأعراض المشكلة؟ أم انها ستعالج جذور المشكلة؟ والأهم ما هي المشكلة باختصار من دون لف ودوران؟
معظم الدول العربية تتعرض اليوم لمشاكل عميقة سياسية وأمنية واقتصادية لها جذور مشتركة. غير ان البعض يصر على نظرية المؤامرة ويُحمل الغرب كل ما يدور في العالم العربي ويبرئ السياسات المتبعة. صحيح ان الغرب أسهم واستغل الوضع لخدمة مصالحه، لكن مسؤولية السياسات العربية قائمة. فهي ساعدت على إضعاف المجتمعات. والغرب استغل هذا الوضع لكي ينفذ إلى الدول العربية ويحاول تقسيمها مستفيدا مما فعلته السلطات بالمجتمع من تقسيمات اجتماعية. 
ولكي ندلل على ذلك نورد مسيرة دولة واحدة كمثال وكيف وصلت إلى الوضع الذي هي فيه اليوم. هذه الدولة هي ليبيا التي ترزح تحت فوضى عارمة تتقاسمها قوى وقبائل وتيارات سياسية يرفض كل منهم الآخر، وتتسيد فيه الجماعات الإرهابية.
في الخمسينيات كانت ليبيا دولة ملكية يحكمها السنوسي، حكم ملكي وراثي. ليبيا بحدودها المعروفة اليوم هي صنيعة الاستعمار الايطالي خلال ثلاثينيات القرن الماضي. ينقسم السكان إلى قبائل فرضت هويتها القبلية وتوزيع سكاني في قرى متناثرة من البلاد فرضته الطبيعة الصحراوية. مع تطور الحياة كبرت بعض القرى لتصبح مدنا صغيرة بها معظم مظاهر المدينة بالمعنى الحديث، لكن حافظ سكانها على هويتهم القبلية. اصبحت المدينة هي مجموعة متحالفة من القبائل في مواجهة المدن الاخرى أو مجموعة اخرى من القبائل. تحدث تصادمات بين القبائل الليبية في تنافس على الارض ومصادر المياه. وعلى مر التاريخ استغل الحاكم هذا الصدام لفرض سلطته سواء كان هذا الحاكم تركيا (الامبراطورية العثمانية) أو ايطاليا إبان الاستعمار الايطالي، ثم ليبيا عندما اصبحت قطرا عربيا مستقلا. حصلت ليبيا على استقلالها عام 1951 كدولة تحت حكم احد زعماء القبائل (ادريس السنوسي). كان مركز الحاكم السياسي في ولاية برقة، وكان يدرك أن قوته الحقيقية ليست مستمدة من الدستور وإنما تكمن بالولاء في قيادته كأمير ولاية برقة وزعيم أسرة السنوسي. 
تولى المناصب القيادية زعماء القبائل التقليديون. حدث الانقلاب العسكري في نهاية الستينيات بقيادة معمر القذافي، وصدر البيان الأول وخاطب الليبيين جميعا وأعلنها دولة ليبية حرة ذات سيادة. لكن لم تكن هذه الحرية للفرد ولا السيادة للمجتمع بل هما للحاكم. وعد القذافي بالعدالة والمساواة وفرص العمل. مقابل التخلي عن ولاءاتهم القبلية وانصهارهم في نظام سياسي جديد يعمل ضمن اطار التوجه القومي العربي.
ولأن الحرية والسيادة كانت للحاكم وليست للشعب، لم يستمر الوضع طويلا، فبدأت محاولات الانقلاب للاستيلاء على هذه السيادة وبدأ الصراع على السلطة. رجع القذافي إلى القبيلة لتعزيز قبضته على السلطة في مواجهة الاخرين. احاط نفسه امنيا بأبناء قبيلته وأبناء عمومته وشكل الدائرة الضيقة التي تحيط به واستعمل الثروة لكسب ولائهم.
شن القذافي هجوما على القيادات التقليدية وعلى النخب التي لم تسر في ركب افكاره واستبدلهم بتنظيم شبابي اطلق عليه «اللجان الثورية» ومن بعدها شكل تنظيم «القيادات الاجتماعية الشعبية» وعين ابنه عليها وأصبحت اعلى سلطة في الدولة. وهكذا بدأ مسلسل التوريث والقبضة الامنية على المجتمع وفرض رؤية احادية شمولية عليه.
في مثل هذه الأجواء وضد مثل هذه الممارسات والقمع الذي مارسته التنظيمات الامنية والآيديولوجية ثار الشباب العربي في 2011 ووقف معه المجتمع بقواه المختلفة، التقت اهداف الشعب في التخلص من الاستبداد والظلم الاجتماعي. لكن هشاشة الدولة العربية التي أرادها القذافي وغيره لم تتمكن من الصمود. الجيش الذي كان يفترض ان يقف على الحياد ليحمي كيان الدولة والمجتمع، كان إما ضعيفا في وجه التنظيمات التي بناها الحاكم المستبد لحمايته، وإما منحازا للحاكم فمارس ابشع صور القتل ضد المتظاهرين الشباب للإبقاء على النظام أو انه همش الثورة وأمسك بالحكم. باستثناء تونس.
تشترك الدول العربية في هذا السيناريو منذ الاستقلال إلى ان تحركت الشعوب لتدافع عن حقوقها وكيانها وكرامتها. نقول لأصحاب نظرية المؤامرة: كيف يمكن ان نضرب هذه التحركات على الاستبداد باتهامها بالعمالة والتواطؤ مع الغرب، وكيف نقول ان التخطيط والتنفيذ كان من صنع أمريكا أو غيرها من الانتهازيين الذين استفادوا من الوضع لخدمة مصالحهم، لكنهم لم يحركوا هذه الشعوب. 
الآن بعد ان غرقت الدول هذه في الوحل وأصبحت دولا فاشلة لا يجب أن نلقي اللوم على الغرب بل على الاوضاع العربية التي غابت فيها مشاركة الشعوب في السلطة والثروة، وسلطت عليهم الاجهزة السلطوية لمنع اي عملية سياسية أو حتى انتقاد يمس شبكات الفساد. هذه هي جذور المشكلة والى ان نجد مخرجا لتقاسم السلطة والثروة والقبول بالآخر كشريك، ستبقى الدول العربية في صراع تستغله الدول الغربية وغيرها. لذلك نقول، على الدول التي مازالت قائمة ولم تتعرض لمثل هذه الصراعات المسلحة ان تبدأ في الإصلاح والشراكة الحقيقية لكي تتجنب نفس المصير. 
mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *