نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

37 الوعي السياسي واهميته لتطوير العملية الديمقراطية

وفق بعض التعاريف فان الوعي السياسي عند المواطن والمجتمع هو نظرة الانسان تجاه محيطة وكيف يقرأه وما يتضمن هذه النظرة من معارف سياسية وقيم واتجاهات سياسية تتيح للإنسان ان يدرك أوضاع مجتمعة ويحللها. ويحكم عليها ويحدد موقفه منها والتي تدفعه للعمل من اجل تغييرها وتطويرها والحفاظ عليها والإبقاء على احسن الأوضاع المتطورة فيها بما يخدم مصلحة معينة. وبناء على هذا التعريف فان الوعي السياسي يشمل أربعة محددات رئيسية هي:1- الرؤية الشاملة للبيئة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية الوطنية والعالمية 2- الادراك للواقع الداخلي المحلي والخارجي الإقليمي والعالمي.3- الإحساس بالمسئولية والتي جوهرها الالتزام بالثوابت الإيجابية الاجتماعية القيمية والوطنية والإنسانية4- الرغبة في التغيير مع الاحتفاظ بالثوابت الوطنية والاجتماعية والقيمية.

الوعي السياسي اذا يصدر عن فكر وهذا الفكر ينتج ثقافة معينة تؤسس لوعي سياسي يسود في المجتمع او في فئات منه. والثقافة هي نتاج او تعبير عن مجموعة من الأفكار والقيم والاشكال والهياكل السياسية المختلفة. ووجود الوعي السياسي او عدمه هو نتيجة مباشرة لوجود هذه الثقافة ونوع الأفكار والقيم الموجودة بها. فالثقافة هي الأداة لخلق الوعي السياسي وتوجيهه. وبه يتطور ادراك الانسان بما هو حوله وبالأخرين ومعرفة لذاته وواقعه وامكانياته وما يريد تحقيقه، وهي عملية تراكمية تستمر مع المواطن وليست مرحلة مؤقته.

والوعي السياسي يمكن ان يأخذ اشكالا مختلفة، فهناك وعي فردي وهناك وعي جمعي يختص بجماعة معينة مثل عمال او رجال اعمال او ملاك أراضي. يتولد من هذا الوعي الجمعي اتجاهات مبنية على مصالح معينة وقيم بالإضافة الى الثقافة العامة في المجتمع والتي تؤطر لهذا الوعي. هذا يختلف عن الوعي المجرد النظري الذي يُستقى من الاطلاع، والذي يُنتج ثقافة سياسية. وهناك الوعي العملي الممارس في بلورة المصالح المشتركة بين جماعة فكرية معينة، وقد يتحول هذا الوعي الى أيديولوجية مشتركة بين مجموعة، وحينها تصبح هذه الجماعة متجمدة ومتشددة ولا تخضع لواقع المصالح والحوار وضرورة التفاوض والتنازل، وقد تأخذ طابع التشدد والتزمت وحتى العنف سبيلا لتعميم فكرها ورفض الاخر.

ويتأثر الوعي السياسي كذلك بالتجارب الشخصية للفرد وقد تحدد هذه التجارب اتجاهاته او انتقاله من وعي سياسي جمعي الى وعي سياسي جمعي اخر. كذلك يتأثر الوعي بالجهل والفقر والحاجة. 

كثيرا ما نتحدث محليا عن الوعي السياسي واهميته للحياة البرلمانية والعمل السياسي وحسن اختيار النائب، لكن ماذا نقصد بالوعي السياسي؟ وهل نحن متفقون على معنى محدد؟ 

الوعي السياسي لدينا يمكن ان يكون ادراك المواطن بأهمية المشاركة السياسية في القرار، ويمكن ان يعني أهمية ان يكون للمواطن رأي في القضايا العامة والرأي العام. ويمكن ان يكون مشاركة غالبية الناس في الانتخابات وعدم الانقياد او التبعية لرأي يُفرض عليه من أي جهة. كل هذه الحالات تنم عن مستوى معين من الوعي السياسي. لكن هل يشكل ذلك آلية للتأثير والاستمرار في متابعة القضايا. نجد اننا في البحرين كثيرا ما ننشغل بقضية هامة ولكن فقط لمدة محددة سرعان ما تنسى وتستجد قضية أخرى ينشغل بها المجتمع لتحل محلها قضية ثالثة بعد فترة. هذا يشتت الجهد ولا يأتي بنتائج تذكر الا نادرا عندما يكون الرأي العام موحد حول قضية معينة كما حدث في تعديلات قانوني التقاعد. وهذا يعني ان الوعي السياسي يحتاج الى تنظيم المجتمع وفق مصالح تترجم وعي كل جماعة بنفسها وكيف تحدد وترى مصالحها، عدم حدوث ذلك يدل على ضعف المجتمع وافتقاره لمؤسسات فاعلة تبلور الوعي الجمعي الخاص بجماعة معينة او الوعي الجمعي للمجتمع ككل.

الخلاصة اذا، ان الوعي السياسي هو اكثر من ثقافة سياسية او مجرد المشاركة او تكوين رأي وحوار وانشغال بقضايا المجتمع. الوعي السياسي هو ان يشعر الانسان بانه ينتمي الى مجموعة تشاركه المصلحة. فمثلا عندما يشعر العمال بانهم فئة مجتمعية تجمعهم مصالح معلومة ومحددة، وان تمتلك هذه الفئة التنظيم الكافي والاشتراك في الهدف والمطالب وامتلاك أدوات التأثير بحيث يجعلها قادرة على ان تدافع عن هذه المصالح على مدى طويل واستمرارية والحاح، لا تنشغل خلالها بأحداث طارئة عن غايتها. حينها تمتلك هذه الفئة الوعي السياسي المؤثر والقادر على الاستمرار والصمود والمناورة والقوة التفاوضية لتحقيق مصالحها. 

هذا يعني ان يكون المجتمع منظم وفق هذه المصالح التي تتضارب في بعض الأحيان وتتسق في أحيان أخرى. فمثلا هناك فئة رجال الاعمال والتجار والطبقة الارستقراطية ملاك الأراضي وهناك مصالح قطاع المال وهناك المتقاعدين والعاطلين. فكلما ادركت كل من هذه الفئات ان الدفاع عن مصلحتها يقتضي تنظيم نفسها كلما زاد الوعي السياسي في المجتمع وزاد المجتمع حيوية وقدرة على المشاركة السياسية ضمن اطار الميثاق والدستور. اما اذا كان تنظم المجتمع وفق انتماءات قبلية او طائفية او عرقية او أي نوع من هذا التنظيم الاصطفافي فهذا يدل على وجود خلل ما في النظام السياسي يشعر الناس بالحاجة الى التكتل لحماية نفسها او فكرها او معتقداتها واصبح المجتمع متشظي غير قادر على التنمية. 

من ذلك نقول بان من مصلحة الدولة العمل تعزيز وتطوير البيئة التي تساعد المجتمع في العمل وفق مصالح مادية ومعنوية يمكن التعامل معها بكل اريحية وبكل وضوح وشفافية وعلنية، وان تسن التشريعات لتحفيز هذه التنظيمات ومساعدتها ماديا للقيام بدورها في تكتلات سياسية او مهنية او وظيفية تسهم في العمل البرلماني. وكذلك الايمان بضرورتها لتطوير العملية الديمقراطية وانجاح المشروع الإصلاحي لجلالة الملك. فهذا يساهم في حماية المجتمع من الأيديولوجيات المتعصبة والمدمرة. 

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *