نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. الولاء والكفاءة .. اين وجه المقارنة؟

في الوقت الذي تعاني دول الخليج من ضائقة مالية بسبب خفض سعر النفط ولجوئها الى مصادر اخرى من الضرائب والغاء الدعم لمعالجة جزء من العجز في الميزانيات العامة ينادي البعض باعتماد معيار الولاء في المناصب العليا وان يُقَدَّم على الخبرة والكفاءة. لا شك ان الولاء قيمة اساسية في المواطن غير ان هناك لغط وسوء استخدام لمفهوم الولاء في كثير من دول العالم الثالث يكاد يكون مساويا لموالاة سلطة معينة وليس ولاء للوطن.

دعنا نتفق اولا على ان مصلحة الوطن تعلو على اي مصلحة جزئية سواء كانت شخصية او عائلية او قبلية او طائفية. ونتفق كذلك على ان الولاء هي فكرة نبيلة يتمتع بها المواطن نتيجة ارتباطه بالمجتمع وبالارض وبمحيطه وبيئته التي تمثل هويته. انطلاقا من ذلك فان قيمة الولاء يمكن ان تاخذ اشكال مختلفة ومتعددة تصل الى قمة الولاء في التضحية بالنفس في الحروب العادلة التي تخوضها الدولة للدفاع عن حقوق وكرامة مواطنيها وارضها وقيمها. 

من الامور التي يمكن ان تساعد على توضيح العلاقة التبادلية بين المواطن والمجتمع والدولة لتكريس قيمة الولاء نورد هذه الحكاية من تراثنا الاسلامي: “جاء رجل إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يشكو إليه عقوق ابنه، فأحضر عمر الولد وأنبه على عقوقه لأبيه ونسيانه لحقوقه، فقال الولد: يا أمير المؤمنين: أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر – رضي الله عنه-: أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه الكتاب، أي: القرآن، قال الولد: يا أمير المؤمنين، إن أبي لم يفعل شيئاً من ذلك، أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي، وقد سماني جعلا أي: خنفساء، ولم يعلمني من الكتاب حرفاً واحداً، فالتفت عمر – رضي الله عنه- إلى الرجل وقال له: جئت تشكو عقوق ابنك، وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك.

مع الفارق بين العلاقة التبادلية بين الاهل والابناء الا ان الولاء هي علاقة تشبه هذه العلاقة، فهي تبادلية بين الدولة والمواطن تقوم على فكرة وليست اشخاص. الفكرة الجامعة التي يقوم عليها الولاء في العصر الحديث هي الدستور وما يتفق عليه من قيم وحقوق وواجبات وبالتالي فان الجميع يدين بالولاء للوطن وللدستور سواء كان حاكما اومحكوما. مشاكل العديد من دول العالم الثالث هي عدم احترام هذه الفكرة، وهذا العقد الاجتماعي الذي ينظم هذه العلاقات ويضمن توافق المجتمع.

فمثلا نجد ان النظام السوري تعدى على الدستور بتعديله لغاية شخصية تمكنه من توريث الحكم للابن بشار الاسد، والنتيجة هي سبع سنوات من الصراع على السلطة والتضحية بملايين من الابرياء وتدمير الدولة ومع ذلك نجد من يوالي النظام وليس الدولة. وبعض الانظمة الاخرى عدلت الدستور لتمديد فترة بقاء الرئيس في الحكم، يترنح الرئيس الجزائري بين الحياة والموت ومازالت النخبة المسيطرة متشبثة بالسلطة، فهل هذا ولاء للوطن والدستور ام انه ولاء شخصي ولاهداف واغراض شخصية تفرضها نخبة حاكمة على المجتمع بقوة السلاح.

في دفاع عن الولاء القائم على الدستور ومايشمله من قيم مستمدة من الدين الاسلامي يقول الدكتور محمد مختار  وزير الاوقاف المصري ان مكافحة الفساد يشكل نصف محور التنمية وان الفساد بكل الوانه انما هو غول يلتهم اي تنمية سواء اكان هذا الفساد نهبا للمال العام وتسهيلا للاستيلاء أو السطو عليه بدون حق أم كان “تمكينًا لغير الأكفاء وتقديمًا للولاء على الكفاءة” أم كان إهمالا وتسيّبًا وتضييعًا للمال العام وهدرًا لموارد الدولة. ويواصل ان تقديم الولاء على الكفاءة باب واسع من أبواب الفساد، حذرنا الإسلام منه، مضيفا أن الإدارة تتطلب وصفين أساسين هما: الكفاءة والأمانة. ويواصل بانه يتوجب على كل مسئول أن يبحث عن الأكفاء الأمناء دون أى محاباة أو مجاملة وإلا كان غاشًّا فيما ولاه الله عليه واسترعاه فيه.

الدساتير العربية تطرح قيم مجتمعية لبناء مجتمع عادل منتج تشترط وصول الافضل الى المراكز القيادية والادارية العليا لادارة الدولة والمجتمع والموارد لصالح تقدم الدولة وارتقاء المجتمع وسعادة المواطن. لكن عدم احترام هذه القيم في كثير من هذ الدول ادى الى التخلف والصراع وعدم الاستقرار.

في هذا العصر الذي يشتد فيه التنافس بين الدول تحتاج كل دولة الى جهد ابنائها وخيرة مواطنيها لادارة موارد الدولة، لذلك فان الدولة بحاجة الى خبراتها وكفاءتها للبقاء في هذه المنافسة. غير انه في كثير من الدول العربية اخذ الولاء مسارا انتقائيا لتصنيف المواطنين بين موالين ومعارضين، وكل طرف يتهم الاخر بعدم الولاء. كما انها خلطت بين الدولة التي يحكمها الدستور لحفظ حقوق الناس وضمان امن واستقرار المجتمع وبين ادارة الدولة (تنفيذية وتشريعية وقضائية). هذا الخلط سمح للكثير من المتملقين ان يستبدلوا الولاء للوطن والدستور والقيم التي يقوم عليها بالولاء لادارة الدولة. 

ليس من المصلحة استبدال الولاء  بالخبرة والكفاءة ففي ذلك تضحية بمصالح الناس وبتقدم المجتمع وحتى باستقرار وامن الدولة. فتولية من لا يتمتع بالكفاءة من شأنه ان يؤدي الى فشل التنمية وتدني مستوى معيشة الناس. يقول  الدكتور عبدالرحمن الفاضل في خطبته بجامع نوف النصار ان الكرامة هي جوهر الانسان ومبعث عطائه واخلاصه. وان العيش الكريم مصحوب بالعزة التي لا مهانة فيها وان الاخذ بالولاء قبل الخبرة في تولية المناصب فيه اهدار لكرامة الانسان. ولو ان الدول اخذت بمدأ الولاء قبل الخبرة لما تقدمت شبرا واحدا وان اسناد المناصب العليا على اساس الولاء هو ضرب من المحسوبية ومساس بكرامة الانسان وتضحية بمصالح الناس. فالمناصب العليا لا تسند الى الضعيف الامين ولا الى القوي الخائن، فاسنادها الى احدهما خراب ودمار للدولة ومن فعل ذلك فقد ارتكب الخيانة العظمى”. 

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *