نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. الى الحكومة والوزارات …. النتائج وليس الانجازات

تاريخ النشر : 29 فبراير  2008

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

في دراسة عن حياة القبائل والانسان البدائي اتضح ان حياتهم تتسم بوضوح شديد في ثلاث قضايا جوهرية ومحورية لضمان بقائها وتطورها، ويشترك في هذا الوضوح القيادات والافراد في توافق تام. واول هذه القضايا هي التركيز ومعرفة الاولويات المتمثلة في تحديد  اجابات واضحة على ثلاثة اسئلة هي: اين نحن الان؟ الى اين نحن ذاهبون؟ وكيف نصل الى مبتغانا؟ فالفرد والقائد والصغير والكبيروالغني والفقير يعرف اين هو وماهي حدوده الجغرافية والانسانية وماهي واجباته وحقوقه في هذه التركيبة الاجتماعية الصغيرة البسيطة.  واذا ارادو الحركة من مكانهم بسبب قلة الامطار وشح المراعي فانهم يعرفون الى اين يتجهون قبل شد الرحال والحركة، وماهو الطريق الذي يسلكونه ومتى يصلون. هذا التركيز على هذه الاسئلة من الامور الجوهرية لحياة القبائل. والقضية الثانية التي اهتم بها الانسان البدائي، قيادة وافرادا، هي التوافق على الهدف. فالكل متوافق بان بقاؤهم مرهون بوجود الامان والمأكل والقدرة على الحركة والمناورة، والكل متوافق على وحدة الكلمة ووحدة المصير. الكل متوافق على تعريف محدد لامنهم ونجاحهم وتوقعاتهم. والقضية الثالثة التي يهتم بها الرجل البدائي هو الزمن، فهو يدرك اهميته وان الاستعجال اوالتباطئ قد يهلكه ويفوت عليه الفرص. لذا فهو يحرص على استغلال الوقت والموارد الاخرى. هذا الوضوح في الرؤي وهذا التوافق على الاهداف والتأني والثبات في التطبيق هو سر بقائهم في الظروف الصعبة التي يمر بها الانسان البدائي. 

لم يختلف العالم كثيرا عن هذا المنهج واهمية هذه القضايا بالنسبة لرجل ودولة وعالم اليوم. فمازال المجتمع يحتاج الى الوضوح في معرفة مكانه وحدوده وامكانياته. ومازال المجتمع يحتاج الى الوضوح في تحديد اولوياته ورؤيته وتعريفها وتحديد اهدافها ومعاييرها، ومازال المجتمع يحتاج الى الابداع والابتكار في وضع الحلول واختيار البدائل، وما زال المجتمع يحتاج الى التوافق بين افراد المجتمع لتحقيق هذه الاهداف، ومازال عامل الوقت اساسي وجوهري في تحقيق الاهدف. 

ان ما يمارسه الرجل البدائي هو في الواقع الفكر الاستراتيجي الذي يجعله قادرا على تحديد اولوياته ووضع رؤيته في الحياة والاهداف التي يتبناها والنتائج التي يسعى لتحقيقها والمعايير التي يقيم بها هذه النتائج. فالتفكير الاستراتيجي هي عملية ابداعية في ايجاد الحلول التي تحقق نتائج فعالة في اقصر وقت وباقل جهد. وهذا يطرح السؤال ماذا نريد نحن كبحرينيين، وماذا نريد ان نكون كعرب، وماذا نريد ان نكون كمسلمين؟ وهل يملك قادتنا الدينيين والسياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين وضوح الرؤية التي تجعل التوافق ممكنا وانتهاز الفرص في الوقت المناسب منهجا؟

تطالعنا الصحافة بما انجزته الوزارات والمتمثلة في المشاريع التي تقوم بها ولكن لا تتطرق الى النتاج التي تتحقق بعد تنفيذ المشاريع التي من المفترض ان تغير من مستوى المعيشة والحياة الكريمة واللحمة الوطنية والتوافق الاجتماعي. فماهي اولوياتنا كمواطنين وماهي اولوياتنا كمستثمرين وماهي اولوياتنا كقادة وسياسيين ودينيين؟ نظرة الى مداولات مجلس النواب تجعلنا نتساءل عن اولويات هذا المجلس. هناك العديد من الامور الهامشية والانجازات البراقة التي لا تخدم المواطن في شيئ ولا تخضع للتقيم الموضوعي بل يكال لها المديح خطبا لود من قام بها وليس بسبب نتائجها او تاثيرها على تحسين مستوى معيشة المواطن. 

فهل يتساءل رجل الدين ماهي نتائج خطبته في يوم الجمعة وكيف ستساهم في تحقيق العدالة والمساواة والحكم الصالح ونبذ الطائفية. وهل يتساءل المسئولين والقيادات ماهي نتائج قراراتهم على المواطن، وهل نجحوا في رفع مستوى دخله وتحسين مستوى معيشته وحفظوا له كرامته. هل اصبح التعليم والخدمات الصحية افضل وهل الاسكان اصبح في متناول المواطن؟ قد يحاول المسئول تقديم اجابات على هذه الاسئلة بالايجاب، ولكن الاهم ان يتوافق الغالبية من المواطنين على هذا الرأي. فالاجابات الموضوعية تحتاج الى وضع تعريفات لهذه المفاهيم بالارقام وليس كلام عام يسهل التملص منه وقت المحاسبة والمساءلة.

ان فشلنا في تبني الفكر الاستراتيجي وفي وضوح الغاية والرسالة والهدف وفشلنا في التوافق عليها وعدم ادراكنا ان الزمن لا يقف في انتظارنا، وفشلنا في وضع مثل هذه المعايير التي تتيح التقييم الموضوعي والمساءلة والمحاسبة للمقصر ادى الى المطالبة بانشاء هيئات ومجالس موازية للوزارات. فهناك دعوة لانشاء هيئة للتخطيط، وهيئة للتعليم العالي وهيئة للاعلام، وهيئة للحراسة القضائية، وهيئة للشباب والرياضة وهيئة للصحة العامة وهيئة عليا للنفط ومجلس المناقصات. وكل ذلك يدل على اخفاق في تحقيق نتائج ملموسة ومساءلة ومحاسبة فعالة.

في الدول الديموقراطية تضع الحكومة برنامج عمل باهداف محددة ومعايير واضحة ويتابع البرلمان والمواطنين النتائج والاداء الحقيقي المؤثر في حياة المواطن، ويتحدد مستقبل وبقاء الحكومة وفق ما حققته من نتائج وليس وفق ما قامت به من مشاريع. متى نصل الى الوضع الذي تقوم الحكومة ومجلس التنمية والوزارات بتقديم تعريف واضح للاهداف التي تسعى لتحقيقها كل في اختصاصه. وتعريف للمعايير التي يتم التقييم بموجبها والافق الزمني لتحقيقها. فمثلا على الحكومة ان تكون اكثر وضوحا في تعريف الحياة الكريمة وتترجم عمليا المقولة “المواطن هو جل اهتمامنا” . وعلى مجلس التنمية ان يحدد ماهي المعايير الاقتصادية التي يسعى اليها وماهي معدلات الرواتب وماهو التضخم المقبول وماهي الوظائف التي يسعى لخلقها وكيف سيكون ذلك واي نوع من الاقتصاد تريده للبحرين وكيف يتحقق، وكيف نترجم عمليا المقولة ان “الانسان هو الاستثمار الحقيقي”، ام سيبقى هذا السباق المحموم على تحويل الثروة الى خرسانة صماء في مشاريع ليس للمواطن نصيبا فيها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *