نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

 امة عربية لم تحسم امرها بعد – فكيف تتقدم؟

يعيش الوطن العربي ازمات متعددة منذ انهيار الدولة العثمانية ومحاولات ايجاد هوية مستقلة له. تكالبت عليه الامم (ليس من قلة ولكن من الهوان). عاش بين الحقبتين (نهاية العباسية ونهاية العثماية) قرون من التخلف تحت حكم العثمانيين وسطوة التزاعات المحلية والجهل والتخلف.لم يتمكن منذ ذلك الوقت حسم امره في اي من القضايا التي واجهته. استبشرت الامة خيرا في نهاية القرن التاسع عشر بنهضة فكرية على يد عمالقة الفكر انذاك امثال رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده والافغاني لكنها انتهت بالتوسع في طرح قضايا الاصلاح السياسي والنهضة الشاملة دون حسم. وبعدها جاءت مرحلة ثانية من الصحوة ساهم فيها مفكرين امثال طه حسين وغيره اننتهت بتكفيرهم لتعرضهم لنقد التراث الجاهلي ومرحلة التدوين الاسلامي في العصر الاموي والعباسي، وتعرض علي عبدالرازق للاقصاء والقمع والمنع. تصدى في الخمسينات للاستعمار ليعود الى حالات اسوأ من الاستعمار غير المباشر او استعمار محلي من قبل قيادات ديكتاتورية متسلطة ومتجبرة استحلت الامة واستباحت ثرواتها وامنها واستقرارها. 

منذ ذلك التاريخ لم يتمكن الوطن العربي من حسم امره في ماذا يريد في معظم القضايا التي واجهته منذ مرحلة الاستقلال وبرزت على انها ادوات ومفاهيم التقدم والتنمية. هل يريد الديمقراطية التي يتحدث عنها على جميع المستويات ومنذ الخمسينات الى اليوم. جميع الانظمة تتغني بالديمقراطية وما تحققه للمجتمعات من تقدم، لكنهم يرون ان الديمقراطية المطبقة في الغرب لا تناسب دولنا العربية. والبعض حرَّمها على اسس دينية واخر يرى الحاجة لتكييفها بما يتناسب وقيمنا وتقاليدنا العربية الاصيلة والتعاليم الاسلامية الحنيفة. كن والى الان لم نحسم امرنا عن ماهي هذه الديمقراطية التي تناسبنا نحن العرب، وكيف تختلف عن ما هو مطبق في العالم. رفضناها دون نقدم البديل؟ لم نتفق على كيف تكون الانتخابات النزيهة وكيف تدار ومن يديرها وكيف تحسب النتائج ولا نعرف اي القوى التي تؤثر فيها، هل هي الناخب ام الدولة؟ 

لم نحسم امرنا فيما يتعلق بحقوق الانسان ولا بالعدالة ولا بالمساواة، هذه القيم التي تقوم عليها الديمقراطية سواء كان ذلك في الغرب ام في الدين الاسلامي. فهذه قيم انسانية مستقلة عن الزمن وعن المكان. لكننا نصر على ان الانسان العربي مختلف عن الانسان في العالم اجمع. مازلنا نجادل في كيفية تعامل الدولة مع الانسان ونصنف الناس وفق اصولها وفصولها وعقائدها وميولها السياسي ومدى التزامها بما يتفق علهي الاغلبية، وعلى هذ الاسس تتقرر ماهي حقوقه وكيف يحصل عليها. هل بحماية القانون ام بتفضل من السلطات.

لم نحسم امرنا حول ماهو الفساد وماهو تاثيره على الامة وعلى قدرتها على التنمية والتخلص من قبضة التخلف والفقر. لن يحدث ذلك مادمنا الى الان لم نتفق على ماهو المال العام، فكل يعرفه وفق ما يناسبه ليخرجة من دائرة تهم الفساد. تارة يكون المال العام هو جميع موارد البلاد الطبيعية والمالية وتارة تصبح فقط الميزانيات العامة. تارة نعتبر الرشاوى هي الفساد وتارة تصبح كسب ولاءات واصوات في الانتخابات، ولا نرى ضرر في المحسوبية والزبونية التي عالجها وجرمها وتخطاها العالم المتقدم منذ قرون.  

لم نحسم امرنا حول الفقر والتخلف والجهل وما هو دور المجتمع ودور الدولة في معالجة هذه الافات الاجتماعية التي تنخر جسد المجتمعات العربية، ولم نتوصل الى الان لكيفية التعامل معها ولم نحدد على من تقع مسئولية الخروج من حالة التخلف والجهل. نتائجنا كامة عربية في معايير التعليم والانتاج العلمي لا تناسب وحجم الموارد البشرية والمادية المتاحة ولا يتناسب مع حاجتنا للكرامة والتقدير العالمي. لم نحسم امرنا عن معنى التقدم والتنمية، فكل دولة من دولنا العربية تتباهي بما حققته من تقدم وتنمية وفي نفس الوقت ترزح هذه الدول تحت وطأت العجوزات في ميزانها التجاري وحساباتها الجارية مع الدول، عملاتها تكافح كي تحافظ على مستوى صرفها. يتكيف معنى التقدم والازدهار في دولنا حسب الموقف وحسب الظروف التي يتحدث فيها هذا المسئول او ذاك. التعليم اصبح لدينا اداة لتكيل المجتمع وفق متطلبات النظم السياسية وليس وفق متطلبات التنمية. ولم نتفق على كيف نقيم نتائج هذا التعليم، ونصر على جودته في ظل طوابير العاطلين في العالم العربي.  

تحدثنا كثيرا عن الامة العربية والوحدة العربية وعن العمل المشترك العربي وعن التضامن العربي وعن التكامل العربي منذ عقود من الزمن دون ان نخطوا خطوة نحو الاتفاق على ماذا تعني لنا وكيف سنصل الى الحد الادني من التعاون واستغلال الموارد الكثيرة والهامة التي يتمتع بها الوطن العربي ولم نستغل السوق الكبيرة التي تمثلها الدول العربية في دعم جهود التنمية. لم نحسم امرنا في الحرية الاقتصادية، هل هي مطلوبة ام مرفوضة، نطلبها ونرفض التقيد بها في التنافسية وفي تحديد التعيينات. ولم نقرر بد ماذا نريد من المواطن وماهي الصفات التي نريدها وماهو منهج التعليم الذي يمكن ان ينمي هذه الصفات ويجعله انسان يساهم في تقدم وازدهار بلاده ورفعة امته.

هذا لا يعني اننا لم نتعامل مع هذه القضايا، فتاريخنا الفكري غني بالنظريات في مختلف المجالات، وتتحدث في كثير من القضايا وتقدم العديد من التحاليل لكنها في نهاية المطاف تبقى دون تجميع. وكثير من هذه الرؤى والتحاليل والنظريات لم يحصل لها بلورة للخروج ببرامج عملية تحظى بتبني من قبل الانظمة او المجتمعات او القوى السياسية. فهل المطلوب الان هو جهد فكري يحسم الامور ام قرارات سياسية تشرك المجتمعات في حوار يختصر الطريق على الامة ويجنبها الصراعات والعنف ومزيد من التخلف والفقر والجهل. المشكلة ان مثل هذه الحوارات تحتاج الى حرية تعبير وتقبل الاختلاف، فهل من سبيل؟

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *