نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. امن الخليج … امن الفرد وامن المجتمع

تاريخ النشر : 26 ديسمبر  2010 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

في بداية الشهر الحالي (ديسمبر 2010) انطلق مؤتمر المنامة المعني بامن الخليج بالدرجة الاولى وتوافدت اليه اكثر من 30 دولة معنية بمناقشة التحديات الامنية على خلفية ما اظهرته وثائق ويكيليكس ، والسؤال هو : ماهو الامن الذي يهم هذه الدول وبالذات الكبرى منها ؟ هل هو امن تدفق النفط لهم ام امن الاسواق لمنتجاتهم؟ وما هول الامن الذي يهم قادتنا؟ هل هو امن المجتمع الخليجي ام امن الدول ام امن الانظمة. وما هي التحديات التي تواجهنا وكيف يمكن التصدي لها؟

تناولت قمة ابوظبي (ديسمبر 2010) امن الخليج والتحديات التي يتعرض لها . صنفها مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية في تحديات داخلية منها ضعف التعاون بين دول المجلس ومحدودية القدرات الدفاعية وضعف التعاون العربي. وتحديات اقليمية اهمها الخلل الامني الذي احدثه توقيع مصر على معاهدة السلام مع اسرائيل وغزو العراق والملف النووي الايراني والحالة اليمنية.

اما التحديات الدولية فاهمها التواجد الامريكي في المنطقة وتعاظم التهديد الاسرائيلي الذي وصل الى مشارف الخليج بعد عزو العراق والدور الذي تلعبه في ازمة الملف النووي الايراني ودفعها باتجاه الخيار العسكري الامريكي الاسرائلي وما يعنيه ذلك من عواقب كارثية على دول الخليج.

حول الملف النووي تدور محادثات بين ايران وامريكا ودول اوروبية وتتدخل قوى اقليمية اخرى مثل تركيا واسرائيل لتحدد مصير الخليج دون اي مشاركة من الدول الخليجية او حتى الدول العربية. تحاول دول الخليج السماح لها بالمشاركة دون استجابة لمطالباتها.

في حديث لوزير الخالجية الشيخ خالد بن احمد وصف حوار المنامة بانه ارضية لتبديد سوء الفهم بين الاطراف وانه مجال لمناقشة الدور الذي تقوم به الدول المؤثرة على الساحة الاقليمية والدولية في امن الخليج وكيفية تطوير ذلك الدور للوصول الى الشراكة القائمة على التفاهم والاحترام من اجل الاسهام في عملية الاستقرار في المنطقة.

هذا اسلوب مهذب للقول ان دول الخليج لم تعد من الدول المؤثرة التي تقرر مصير المنطقة ولم تعد تحظى باحترام الدول وليس لها سوى استجداء السماح لها بالمشاركة. 

اما الملك عبدالله – الاردن- فيربط امن الخليج بالقضية الفلسطينية ويتمنى ان تتمكن دول العالم من معالجة مشاكل المنطقة . ويعتمد الحل على تفكير الادارة الامريكية في الاسابيع القادمة. هذا يعني ان ما سيصدر من نظام امني جديد قد لا يكون في صالح دول الخليج.

يستند رفض الدول الكبرى الاستماع الى مطالبات دول الخليج بتقرير مصير المنطقة الى فقدانها الارادة السياسية والانفصال بينها وبين ارادة شعوبها وقد عبرت عن ذلك الاستاذة سميرة رجب بقولها (اخبار الخليج 22-12-2010) ان النظام الدولي الحالي لا يعترف الا بمبدأ المصالح ولغة القوة. هذه اللعبة نمتلك ادواتها ولكن لا نمتلك الارادة الموحدة والمختصة الكفوءة والقادرة على تسخيرها في خدمتنا.

اظهرت اقوال المسئولين التي دارت في حوار المنامة وقمة ابو ظبي اهمية استعادة الارادة السياسية بازالة التنافضات بين الامن بمفهومه الشامل وبين امن الانظمة الحاكمة؛ وازالة التناقض بين امن المجتمع وامن الدولة؛ وازالة التناقض بين الرغبة في الامن والاستقرار وبين الاصرار على الانفراد بالقرار؛ وازالة التناقض بين الاحتفاظ بالسلطة والقوة والثروة وبين المشاركة السياسية؛ وازالة التناقض بين القوة المستمدة من السلاح والقوة الاجنبية، وبين القوة المستمدة من الشعب والعلم والتنمية. وللتدليل على وجود التناقضات يقول الامير تركي الفيصل ان وجود الامريكيين في دول المنطقة ادى الى مسائل متعلقة بقضايا ايديولوجية. وهذا امر يجب اخذه في الاعتبار، ودعا الى حلول مبتكرة لامن الخليج ويقول وزير الخارجية الاماراتي الشيخ عبدالله بن زايد ان الامن لا ياتي من خلال بناء الاسوار والانغلاق بل بتنمية دول المنطقة وتطويرها. وان التطرف ياتي من فقدان الامل في المستقبل وان تعزيز الشراكة مع المجتمع يدفع نحو التنمية.

بالنظر الى مرتكزات هيمنة الغرب على مقدراتنا نجد انها تعتمد على العلم وما ينتج عنه من قوة اقتصادية وعسكرية. وعلى الديمقراطية وما ينتج عنها من استقرار وامن وتركيز على العمل والانتاج بدل الانشغال بحل النزاعات على السلطة الناتجة من غياب الديمقراطية. ووظيفة القوة العسكرية الهائلة الغربية المستمدة من التفوق العلمي والنظام الديمقراطي هي تامين تدفق النفط وتامين اسواق لمنتجاتها وبذلك تضمن استمرار نموها. 

لذلك فان السبيل لكسب احترام العالم وكسر الطوق والانعتاق الثقافي والسياسي من التبعية الغربية هو اولا اتباع نفس الطريق الذي انتهجته تركيا كما ورد في حديث سمو ولي العهد بانها بلد اسلامي استطاع ان يحافظ على ثوبه الاسلامي والحفاظ على قيمه وعاداته وان ينجح في انتهاج سياسات التنمية والانفتاح على اقتصاديات العالم. تمكنت تركيا من ذلك بسبب تحولاتها الديمقراطية ونبذ سسلطة الرجل الواحد التي ابتلى بها الوطن العربي. ولم تعد بحاجة الى امن النظام فاستعادت بالديمقراطية ارادتها وسيادتها . وثانيا التركيز على العلم والمعرفة وانتاجهما وتوطينهما كما فعلت اسرائيل وايران وماليزيا. وما لم يتحقق هذان الامران ، وقبول الانظمة باستثمار الثروة في التنمية البشرية واقتسام السلطة مع شعوبها، فستبقى الدول الخلجيجية مهووسة بامن النظام الحاكم ومستبعدة اي مفاوضات او تسويات تخص امنهم. وسيستمر العدو الاسرائيلي ومن خلفه الامريكي يقرر مصيرهم ويهدد مصالحهم ويحدد لهم عدوهم. فما الحل؟ نترك الجواب للامين العام الجديد والله يكون في عونه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *