نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. برنامج الحكومة والاتساق بين المقدمة والأولويات 

 تاريخ النشر :٢٨ يناير ٢٠١٥ 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

برنامج الحكومة يتحدث عن الديمقراطية دون ان يحدد ما هي الجوانب التي ستعمل عليها الحكومة – اختزل العدالة في تعديلات إدارية في جهاز القضاء. كيف للنواب مراقبة ذلك؟ وكيف للمجتمع ان يحاسب؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13459/article/4168.html

 ناقشنا في مقالات سابقة أهمية تقديم الحكومة برنامجها إلى المجلس النيابي وما يمثله ذلك من نقلة مهمة في سبيل تحقيق نوع من التوازن بين السلطات ويمنح المجتمع فرصة لمناقشة استراتيجية الحكومة المرحلية نحو تحقيق الرؤية، لذلك فإن التجربة الأولى لها أهمية خاصة في تحديد الجدوى من تقديم البرنامج. في هذه المرة تتأسس أعراف وتقاليد المجلس في تعامله مع الحكومة، هل هو تعامل قائم على الموضوعية والشفافية والتكافؤ بين السلطتين أم انه يقوم على الاصطفاف ومحاولة إحراج أو حماية الحكومة وفق رؤية سياسية معينة؟

 النواب لديهم الخيار للقبول أو الرفض، والمهم انه في الحالتين يجب ان يكون ذلك قائما على إطار تحليل موضوعي ومعايير معلومة وواضحة يتوصل إليها المجلس من خلال مقارنة البرنامج مع متطلبات المجتمع وتطوره السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. ولا يكون الرفض أو القبول مبنيا على مواقف مسبقة.

 لتحقيق ذلك لا بد ان يرتكز البرنامج على معايير موضوعية تلتزم الفكر الاستراتيجي في تحديد التحديات والقضايا المهمة في المجتمع وأن يتم على أساسها وضع الغايات والأهداف ومنها البرامج والمشاريع والمبادرات والسياسات. هذا المنهج يحقق اتساق البرامج داخليا مع قضايا المجتمع والتحديات والأهداف. في هذا المقال سوف نحاول ان ننظر إلى البرنامج من حيث اتساق الأولويات مع المقدمة.

 يتضح من المقدمة ان الغاية من هذا البرنامج هو التقدم نحو «العدالة والاستقرار والأمن والرفاه»، وهذا يستوجب ان تكون الأولويات والسياسات تعبر عن هذا التوجه. ولنأخذ العدالة كقيمة أخلاقية أساسية لنظام الحكم تهدف إلى اقامة الحق وتحقيق المساواة والانصاف والتوازن وحماية المصالح الفردية والعامة. للعدالة عدة أبعاد، هناك البعد القانوني والذي يستوجب مشاركة فعالة في وضع القوانين لحماية مختلف المصالح في المجتمع وألا يستبد طرف في إنتاج قوانين لا تراعي حق الغير وتغلب مصالح معينة. وهناك العدالة القضائية التي تشترط المساواة امام القضاء واستقلالية القضاء من التأثيرات السياسية، وهناك العدالة الاجتماعية التي تتطلب التوزيع العادل للحقوق والثروات وفرص العمل ورفض المحاباة والمحسوبية وحماية حقوق الأجيال القادمة في هذه الثروات. وهناك العدالة السياسية التي تستوجب المشاركة في إدارة شئون المجتمع وتحديد أولوياته وأهدافه ووسائل تحقيقها. في المطاف الأخير فإن العدالة هي قضية أخلاقية تقوم على الحق والعقلانية ولا يمكن الاختلاف في مفهومها وإلا عم الفساد ودبت الفوضى. السؤال: إلى أي حد ذهب البرنامج في السير نحو تصور مجتمع «العدالة والاستقرار والامن والرفاه»؟ 

 تناول البرنامج العدالة القضائية في محور السيادة ضمن أولوية تعزيز الامن والاستقرار والنظام الديمقراطي والعلاقات الخارجية، وضمن سياسة تعزيز النظام الديمقراطي، وبالتحديد في مبادرة «تطوير قطاع العدالة». يسعى البرنامج إلى تطوير الجانب الاجرائي من العمل القضائي بما يكفل استقلالية ونزاهة وحيادية القضاء. هذه مبادرة مهمة تستحق المتابعة من مجلس النواب لمعرفة كيفية هذا التطوير وخطواته والنتائج التي يتوصل اليها وتأثيرها في العدالة القضائية في شقيها النيابي والقضائي. لم يُفصِّل البرنامج في كيفية تحقيق ذلك ولم يضع معايير ومؤشرات ليتمكن المجتمع من تحري هذا التطوير في الجانب المهم من العدالة القضائية. 

 كذلك تم التطرق إلى العدالة السياسية من خلال «الارتقاء بالعمل السياسي والحقوقي ضمن الثوابت الوطنية والشرعية الدستورية» وركز على حرية الرأي والتعبير واحترام حقوق الانسان والعمل في إطار الشرعية الدستورية والقانونية. لكن البرنامج لم يذكر ما هي الخطوات والإصلاحات التي سوف تعمد إليها الحكومة لتحقيق هذا الهدف المهم لكي يتحقق الانسجام بين المقدمة والبرنامج. هل سيكون هناك زيادة في صلاحيات مجلس النواب، أم مزيد من إجراءات المساءلة وتسهيلها، وكيف سيتم ذلك؟ نتفق مع البرنامج في ان الاستقرار لا يمكن اختزله في الامن بل لا بد من التحرك في البعد السياسي للعدالة. وفي هذا الجانب سيكون على النواب التحرك ضمن هذا الهدف وتقديم مقترحات ومشاريع قوانين لتعديل اللائحة الداخلية واقتراح تعديلات تعزز صلاحيات مجلس النواب. 

 ضمن تعزيز الديمقراطية كذلك يتحدث البرنامج عن «دعم المؤسسات الحكومية والاهلية المعنية بحقوق الانسان»، في هذا الجانب كذلك يتوجب على النواب الدفع في اتجاه هذا الدعم من خلال وضع المعايير والمؤشرات الدالة عليه وتقديم المقترحات حوله. كان بودنا لو ان البرنامج أشار إلى التقرير السنوي للمؤسسة الوطنية لحقوق الانسان لعام 2013 وركز على التوصيات التي وردت فيه ووضع برنامجا لتحقيق هذه التوصيات. فهل المجلس النيابي يرتقي إلى هذه المسؤولية ويطرح القضية الحقوقية استنادا على هذا التقرير ضمن خطته التشريعية؟

 أما فيما يتعلق بالعدالة الاجتماعية فنرى ان البرنامج لم يتحدث عن استحداث وسائل لتحقيق رفع مستوى المعيشة بتفاصيلها. لم يتطرق إلى قضية محاربة المحسوبية وخصوصا أنها أصبحت تضر بالمصلحة من عدة جوانب، ونلاحظ ان تطوير التعليم العالي والبحث العلمي لم ينل من البرنامج إلا القليل. كذلك فيما يخص العدالة الاجتماعية نطالب النواب بوضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بحجم الإيرادات العامة للدولة والاملاك العامة وحصرها لكي يكون التعامل معها قائما على معلومات موثقة وصحيحة بعيدة عن كل التكهنات.

 مسئولية الحكومة والنواب مشتركة في جعل البرنامج فعلا يخطو بالبحرين نحو مجتمع العدل والاستقرار والأمن والرفاه وقادرا على توسيع قاعدة الاقتصاد الوطني وتحقيق التنمية البشرية المستدامة التي يهدف إليها البرنامج والنواب.mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *