نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

لا يبدو ان برنامج الحكومة منسجم مع الرؤية ومع الاستراتيجية 2009-2014 ولا يعتبر مكملا لهما، ولا توجد أي إمكانية المحاسبة والمساءلة بناء على هذا البرنامج

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13452/article/3083.html

تقديم برنامج الحكومة إلى مجلس النواب يمثل خطوة في التقدم نحو المساءلة والمشاركة الشعبية في صياغة المسار السياسي والتنموي، ولذلك فهو يعتبر فرصة لتحسين المعادلة السياسية والاستجابة لمتطلبات المجتمع وتعميق أسس الديمقراطية. من هذا المنطلق يمكن تقييم البرنامج والفرضيات الكامنة خلف منهجية إعداده وطريقة تقديمه وتعامل المجلس النيابي معه. ولكي نتمكن من مناقشة البرنامج في صورته الشمولية قسمنا البرنامج إلى قسمين، الأول يعنى بالصورة الكبرى التي تقع ضمن مسئولية الحكومة تضامنيا والجزء الثاني يتعلق بمسئولية كل وزارة على حدة. في هذا المقال سوف نركز على الجزء المتعلق بمسئولية الحكومة.

أولا: البرنامج يجب ان يكون جزءا من رؤية تنموية طويلة المدى واضحة تصف «ماذا نريد أن نكون» بعد أربع سنوات من الآن تلتزم بها الحكومة تضامنيا وتتحدد المسئولية فيها على هذا الأساس، لذلك من المفترض ان يرتبط البرنامج بالرؤية الوطنية ويصف ما تحقق منها على مدى الثماني السنوات الماضية. البرنامج لا يوضح العلاقة بين الاثنين. ان العنوان الذي رفعه البرنامج «نحو مجتمع العدل والأمن والرفاه» يشير إلى وعي بوجود حاجة لمعالجات سياسية، كما يعبر عن تأكيد الارتباط الوثيق بين العدالة والأمن ويمكن ان يكون قاعدة الانطلاقة للمعالجة على أسس العدالة وحسن إدارة الثروة وتوزيعها ومحاربة الفساد لإفساح المجال نحو التنمية الحقيقية.

ثانيا: من منطلق التركيز على الدور الحكومي (الصورة الكبرى) فإن البرنامج هو فرصة أخرى لتجسيد رؤية البحرين 2030 وتصحيح ما وقعت فيه الاستراتيجية الوطنية (2009-2014) من مثالب لم تسمح بالتقييم الموضوعي لمنجزاتها. بالتالي من المفترض ان يكون البرنامج مكملا للاستراتيجية ومترجما للرؤية 2030 خلال المرحلة القادمة ومنسجما معهما ضمن منظومة تنموية متكاملة ومتتابعة. غير اننا نلاحظ ان المؤشرات التي وردت في الرؤية لم يتم الاهتمام بها في البرنامج. مثلا تحدثت الرؤية عن المعدل الإجمالي للإنتاجية، ولم يذكر لنا البرنامج كيف سيتم تطوير هذا المؤشر وما هي خطة الحكومة لذلك؟ وأين نقف الآن وماذا سنكون في المستقبل؟ المؤشر الثاني: حجم تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر والمحلي، لم نر أي أرقام تحدد هذا المؤشر المهم لتنمية الاقتصاد وماذا تحقق وما هو المستوى المستهدف. المؤشر الثالث: عدد فرص العمل الجديدة ذات الأجور المتوسطة والمرتفعة، كم فرصة سوف تفتح للشباب البحرينيين خلال هذه الفترة موزعة على الأربع السنوات؟ وما هي مساهمة القطاعات الناشئة التي تشير إلى حيوية الاقتصاد؟ المؤشر الخامس: مستوى النجاح في تنويع مصادر الدخل وأي القطاعات سوف يتم التركيز عليها وما هي الصناعات التي سوف تنشأ، لم يتطرق البرنامج في إجراءاته، إلى هذا الجانب.

كان بودنا ان يفرد البرنامج جزءا يفصل ماذا تحقق من الرؤية ومن الاستراتيجية 2009-2014 في صيغة أكثر وضوحا. عدم ذكر ذلك يجعل البرنامج منفردا عن الرؤية والاستراتيجية وليس مكملا أو جزءا منهما. وخصوصا إننا بحلول عام 2018 سنكون قد امضينا ما يزيد على ثلث المدة.

ثالثا: البحرين مرتبطة بالعالم وهناك مؤشرات عالمية تؤثر على البحرين من حيث نموها وتطورها ومكانتها بين الدول مثل مستوى الشفافية وتدفق رؤوس الأموال وتطوير بيئة العمل والنزاهة ومدركات الفساد، وحقوق الانسان، وحرية الصحافة والتعبير وغيرها من المؤشرات الاقتصادية والتنموية والسياسية والاجتماعية. بعض هذه المؤشرات تمخضت عن المنتدى الاقتصادي العالمي للبنية التحتية الذي تشارك فيه البحرين وكذلك مؤشرات البنك الدولي لكفاءة ومساءلة القطاع العام. لم يذكر البرنامج أيا من هذه المؤشرات وأين ستكون البحرين بعد أربع سنوات في هذه المؤشرات المهمة.

رابعا: تصدرت البرنامج مقدمة حددت التوجهات العامة وملامح الأهداف التي تشكل القاعدة والانطلاق لهذا البرنامج. ورد في المقدمة جملة من التحديات تتلخص في الوضع الإقليمي المتوتر وزيادة خطر الإرهاب، محدودية الموارد الطبيعية من الأراضي والمشتقات النفطية والمياه ونضوب النفط المتوقع، ارتفاع الدين العام والعجز في الميزانية، العجز الاكتواري لنظام التأمين، التأثيرات السلبية للأزمة المالية عام 2008 في المشروعات العقارية وبعض الصناعات. لم يتضح في البرنامج معالجات محددة لهذه التحديات، نذكر على سبيل المثال لا الحصر قضية نضوب النفط المتوقع. لم نلاحظ توجها بديلا محددا في قطاعات معينة يمكن تدريجيا ان تحل محل النفط. القول بتنويع مصادر الدخل وتنويع القاعدة الاقتصادية وتعزيز التنافسية لا يكفي، إن الأمر يتطلب وضع خطة واضحة تبين كيفية الانتقال نحو الاقتصاد المعرفي الذي يُقَدم على انه البديل، ووضع المؤسسات الكفيلة بتحقيق هذا الانتقال، والمنظومة العلمية المساعدة والبنى التحتية اللازمة. لا توجد أي تفاصيل توضح هذا التوجه بالرغم من أهميته لمستقبل البلاد بعد ان اقتنعت الدولة بقرب نضوب النفط. لا بد من اعتبار ذلك قضية أمن وطني يأخذ أولوية قصوى.

وأخيرا فإن المجتمع يتوقع من البرنامج أن ينقله من حالة إلى أخرى في جوانب محددة ومعلومة وقابلة للقياس والمساءلة، وعلى مجلس النواب مسئولية التأكد من أن الحكومة تقدم برنامجا يستطيع أن يحدث هذه النقلة نحو مجتمع أفضل. ضرورة الاتفاق على طبيعة هذه النقلة ومواصفاتها ورسم صورة للبحرين بعد أربع سنوات يمكن مقارنتها بموضوعية مع البحرين اليوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *